حين نود الحديث عن تاريخ وبدايات كأس العالم، فأول ما يتبادر إلى أذهاننا منتخب الأوروغواي، الذي نال شرف تنظيم أول مونديال في التاريخ، وأول منتخب يحقق لقب هذه البطولة الأعرق في العالم.
الأوروغواي واصلت دخول التاريخ، حيث استطاعت تحقيق كأس العالم مرة ثانية عام 1950، حين انتزعت الكأس من مخالب البرازيل، التي كانت تلعب على أرضها في ملعب ماراكانا، وبحضور 200 ألف متفرج من مناصريها.
كما فازت الأوروغواي بالميدالية الذهبية في أولمبياد 1924 وأولمبياد 1928، والتي كانت حينها بمثابة لقب عالمي.
بعد تلك الألقاب التي حققها الأجداد، دخلت الأوروغواي في حالة صيام عن البطولات، واكتفت بتحقيق المركز الرابع في ثلاث نسخ من كأس العالم.
مع بقاء أسبوعين على انطلاق مونديال قطر، يأمل عشاق الأوروغواي، أن يستعيد منتخب بلادهم تاريخ الأجداد، ويتمكنوا من خطف اللقب الثالث من أرض الدوحة، في رحلةٍ تبدو شاقة ومعقدة جداً.
أرقام تاريخية
يعرف منتخب الأوروغواي باسم "السيليستي"، ويعني السماوي باللغة الإسبانية، نسبةً إلى اللون السماوي لعلم البلاد ولباس الفريق.
يمتلك المنتخب السماوي 20 لقباً في جميع البطولات الرسمية التي شارك بها، سواءً كانت عالمية أو قارية أو أولمبية، وهو رقم قياسي تاريخي لأكبر عدد من الألقاب الدولية التي لم يفز بها أي بلد حول العالم.
منتخب "السيليستي" حقق أيضاً أكبر عدد من الألقاب القارية، حيث فاز بـ 15 مرة ببطولة كوبا أمريكا، وبالتالي يتشارك مع الأرجنتين كأكثر منتخبين فوزاً بالألقاب القارية.
تعتبر الأوروغواي حتى الآن أصغر دولة من حيث عدد السكان فازت بكأس العالم، حيث كان يبلغ عدد سكانها 1.75 مليون نسمة حين فازت بأول لقب مونديالي عام 1930.
نسق تصاعدي
بعد الحقبة الذهبية للأوروغواي في زمن الأجداد، دخلت في نفقٍ مظلم لعقودٍ من الزمن، وكان مستواها متأرجحاً، إلى أن جاء جيل الأحفاد وبدأ يسعى لإعادة المنتخب السماوي إلى منصات التتويج.
الأوروغواي خلال آخر 12 سنة قدّمت مستوى مميزا، حيث حققت المركز الرابع في كأس العالم 2010، وحصد نجمها دييغو فورلان حينها لقب الهدّاف وأحسن لاعب في البطولة.
في 2011 استمر "السيليستي" في التألق وحقق لقب كوبا أمريكا، وفي 2012 وصل المنتخب إلى قمة مستواه، وحصد أعلى تصنيف في تاريخه، وصُنف كثاني أفضل منتخب في العالم.
في مونديال 2014 أطاحت الأوروغواي بإيطاليا وإنكلترا من دور المجموعات، وتأهلت إلى دور الـ 16، لكنها خرجت على يد كولومبيا بهدفين نظيفين.
المنتخب السماوي واصل تألقه وتصدّر مجموعته في مونديال روسيا 2018، ومن ثم أقصى البرتغال بقيادة كريستيانو رونالدو من دور الـ 16، لكنه خرج من الدور ربع النهائي على يد فرنسا التي حققت كأس العالم.
"فالفيردي" الورقة الرابحة
يجمع منتخب الأوروغواي بين خبرة المخضرمين، أمثال سواريز وكافاني، وحماس الأسماء الشابة الجديدة، وعلى رأسهم فالفيردي ونونيز وأراوخو.
فالفيردي يعتبر أبرز الأوراق الرابحة لمنتخب الأوروغواي، حيث يمتلك القدرة على إحداث الفارق على يمين الملعب ويساره، ويمتاز بسرعته وتعدّد المراكز التي يلعب بها، وقادر على التسجيل من خارج منطقة الجزاء بفضل تسديداته القوية.
كذلك سيكون نونيز نجم ليفربول الإنكليزي، إضافة قوية في هجوم المنتخب السماوي، ويستطيع اللعب في مركزين بالهجوم، إما على الجناح الأيسر أو في قلب الهجوم، ويمتلك قوة بدنية هائلة، ويتقن التحرك في المساحات الفارغة، وتصعب السيطرة عليه في الكرات العالية.
يمتاز لاعبو الأوروغواي بالروح القتالية العالية والعزيمة وعدم اليأس والاستسلام أبدًا، والذي بدا واضحاً خلال التصفيات الأخيرة المؤهلة لمونديال قطر.
المنتخب السماوي خاض تصفيات معقدة مليئة بالمطبات، دفعت اتحاد الأوروغواي إلى إقالة المدرب "أوسكار تاباريز" بعد 15 عاماً من التدريب، ورغم ذلك وبفضل العزيمة والإصرار استطاع "السيليستي" خطف المركز الثالث والتأهل لكأس العالم 2022.
الدفاع والمدرب مصدر قلق
في المقابل قد يعاني الأوروغواي من بعض نقاط الضعف، خاصةً على صعيد الدفاع، في ظل غياب المدافع القوي رونالد أراوخو بسبب الإصابة.
الكادر التدريبي للمنتخب حديث العهد، حيث تسلّم المدرب دييغو ألونسو زمام الأمور نهاية 2021، قبل أربع مباريات فقط من نهاية تصفيات كأس العالم.
رغم أن المدرب ألونسو قاد الأوروغواي للتأهل إلى كأس العالم، لكنه لم يُمضِ سوى أقل من سنة على تدريب المنتخب، وبالتالي قد يجد مشكلات في انتقاء التشكيلة الأمثل، ومعرفة نقاط قوة وضعف الفريق، إلى جانب صعوبات في خلق الانسجام بين اللاعبين.
انتقام الضحايا
يوجد "السيليستي" في مجموعة صعبة، إلى جانب منتخبات البرتغال وكوريا الجنوبية وغانا، والذين كانوا آخر ثلاث ضحايا سقطوا على يد الأوروغواي في مباريات خروج المغلوب في كأس العالم سابقاً.
في 2010، استطاع المنتخب السماوي إقصاء كوريا الجنوبية من دور الـ 16، ثم أطاح بمنتخب غانا في ربع النهائي، وفي 2018 كانت البرتغال ثالث ضحايا الأوروغواي التي أطاحت برفاق رونالدو من دور الـ 16.
إذاً المنتخبات الثلاثة في المجموعة الثامنة تخطط للانتقام من الأوروغواي في مونديال قطر، ما يجعل مهمتها صعبة في التأهل، لكن المواهب الشابة في صفوفها قد ترجّح كفتها لبلوغ الدور الثاني.
قمة البرتغال والأوروغواي هي من ستحدّد متصدّر المجموعة، وفي ظل تفوق رفاق رونالدو من حيث المستوى، فإن زملاء فالفيردي سيتأهلون غالباً في المركز الثاني، ما يعني اصطدامهم في دور الـ 16 بمنتخب البرازيل.
في حال صدقت التوقعات والتقت الأوروغواي مع العملاق البرازيلي، فإنها ستكون أمام مهمة معقدة جداً، خاصةً أن راقصي السامبا هم المرشح الأول للفوز بمونديال قطر، وبالتالي تأهل "السيليستي" لدور الثمانية سيكون بحاجة لمعجزة.
يبدو أن مشوار الأوروغواي لن يطول في مونديال قطر، واستعادة حقبة الأجداد ربما يحتاج لسنواتٍ أخرى، ومن يعلم قد يُعيد التاريخ نفسه، ويحقق "السيليستي" كأس العالم عام 2030 في حال استضاف البطولة، كما حصل تماماً قبل مئة سنة في مونديال 1930.