مع بقاء شهر فقط على انطلاق كأس العالم في قطر، يُعلّق جماهير أفريقيا آمالهم في المونديال على السنغال بالدرجة الأولى، لتقديم مستوى مميز يُنقذ سمعة القارة السمراء، إذ يجدونها المنتخب الأقدر بين المنتخبات الأفريقية الخمسة المشاركة، على الذهاب بعيداً في البطولة.
عجزت المنتخبات الأفريقية طوال تاريخ كأس العالم، عن تحقيق بصمةٍ واضحةٍ في المونديال، فأكبر إنجاز لها كان الوصول إلى ربع نهائي البطولة، في وقتٍ استطاعت فيه المنتخبات في القارات الأخرى، وعلى رأسها قارتا أوروبا وأميركا الجنوبية تحقيق إنجازاتٍ كبيرة.
لماذا السنغال؟
السنغال الملقبة بـ"أسود التيرانجا" تعدّ اليوم الأقوى بين منتخبات أفريقيا، إذ تطور مستواها بشكلٍ لافت خلال السنوات الأخيرة، وأثمر عن تتويجها بلقب كأس أمم أفريقيا لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخها في شباط الماضي.
واصلت السنغال تألقها واستطاعت الإطاحة بالمنتخب المصري بقيادة محمد صلاح، في المباراة الفاصلة المؤهلة لمونديال قطر.
إلى جانب تطور مستوى السنغال، فإن وجود ساديو ماني في صفوفها، كان أيضاً من العوامل التي جعلت جماهير أفريقيا تعوّل على هذا المنتخب بالذات، ليصنع إنجازاً مشرّفاً للكرة الأفريقية في كأس العالم المقبل.
ماني تم اختياره قبل أيام كثاني أفضل لاعب في العالم، متفوقاً على كبار النجوم، لذا فإن وجود لاعب بحجمه ومهاراته الفنية، سيكون إضافة مهمة جداً "لأسود التيرانجا".
إلى جانب ماني، يضم منتخب السنغال عدداً من اللاعبين الذين من المتوقع أن يساعدوا منتخبهم على الذهاب بعيداً في مونديال قطر.
ومن أبرزهم إدوارد ماندي، حارس مرمى تشيلسي الإنجليزي، وزميله في الفريق المدافع خاليدو كوليبالي، وإدريسا غاي وباب ماتار ستار وإسماعيلا سار، وغيرهم.
المدرب "أليو سيسيه" يعتبر ورقة رابحة بالنسبة للسنغال، وساهم في رفع مستوى لاعبي المنتخب وانتقاء التشكيلة الأمثل.
يعدّ "سيسيه" أكثر المدربين استمراراً في منصبه في تاريخ المنتخب السنغالي، إذ تولّى هذه المهمة منذ آذار 2015، بعد تعيينه خلفاً للفرنسي آلان جيراس.
تاريخ فقير ولكن..
السنغال تمتلك تاريخاً فقيراً في كأس العالم، إذ سبق لها أن شاركت مرتين فقط في البطولة في عامي 2002 و2018.
رغم عدم امتلاك السنغال تاريخاً طويلاً في المونديال، فإنها دخلت بقوة منذ أول مشاركة لها بكأس العالم عام 2002، حيث فجّرت مفاجأة مدوّية بالفوز على حامل اللقب آنذاك المنتخب الفرنسي بهدف نظيف.
"أسود التيرانجا" واصلوا حينذاك عروضهم المميزة، إذ تعادلوا مع الدنمارك والأوروغواي، وحجزوا تذكرة العبور إلى الدور الثاني، ليستمروا في المفاجآت عندما أقصوا منتخب السويد في ثمن النهائي، قبل أن تنتهي مغامرتهم أمام تركيا في الدور ربع النهائي.
في مونديال روسيا الأخير، شاركت السنغال للمرة الثانية في تاريخها بالمونديال، لكنها غادرت المسابقة من الدور الأول، بعد هزيمتين أمام كولومبيا وبولندا، وتعادل مع اليابان.
هواجس تقلق الجماهير
رغم الآمال التي تعقدها جماهير القارة الأفريقية على المنتخب السنغالي، فإن لديهم بعض الهواجس التي تقلقهم.
دفاع المنتخب السنغالي يعدّ نقطة ضعف واضحة، حيث يوجد بطء في تحركات قلبيّ الدفاع، ما يعطي مهاجمي الخصم فرصة لتشكيل هجمات خطرة.
يعاني "أسود التيرانجا" من التمركز الخاطئ في أثناء لعب الكرات الثابتة، وسوء في التعامل مع الكرات العرضية، وهذه المشكلة تعاني منها السنغال على مدى عقود من الزمن.
رغم القامات الجسمانية الهائلة لمنتخب السنغال، فإنَّ لاعبيه لا يُجيدون التعامل مع الكرات الهوائية، والدليل أن معظم الأهداف التي سُجّلت في مرمى السنغال كانت من كراتٍ رأسية.
نجم المنتخب ساديو ماني، رغم أنه مصدر قوة لدى السنغال، بحكم المهارات العالية التي يمتلكها، فإنه بنفس الوقت قد يكون نقطة ضعف، في ظل ميله إلى اللعب الأناني، ما يقتل الروح الجماعية لدى لاعبي المنتخب.
حظوظ "أسود التيرانجا"
وقع رفاق "ساديو ماني" في مجموعةٍ متوازنة نسبياً، إلى جانب قطر صاحبة الأرض والأكوادور وهولندا، وتبدو المستويات متقاربة بين المنتخبات الأربعة، ما يجعل المنافسة قوية على بطاقتي التأهل للدور الثاني.
وتستهلّ السنغال مشوارها بمواجهة هولندا التي تعدّ من الناحية النظرية المرشح الأقوى في المجموعة لخطف الصدارة.
لكن عملياً الطواحين الهولندية فقدت الكثير من بريقها خلال السنوات السابقة، ولا تضم في صفوفها نجوما كبارا، ويمكن للسنغال خطف التعادل، أو حتى الفوز لو استغلت نقاط ضعف المنتخب البرتقالي.
"أسود التيرانجا" سيواجهون في المباراة الثانية والثالثة من المجموعة الأولى، كلاً من قطر والأكوادور، وهما مواجهتان يمكن أن يكسب خلالهما زملاء ساديو ماني بعض النقاط.
في ضوء توقعات نتائج المجموعة، فإن السنغال أقرب إلى التأهل لدور الـ 16 كوصيف للمجموعة، ما يعني أنها قد تصطدم بالمنتخب الإنكليزي.
السنغال ستكون على موعد مع مواجهة صعبة جداً أمام إنكلترا التي تعدّ مرشحة للوصول إلى الأدوار النهائية، في ظل النجوم الكبار في صفوفها، والأداء المميز الذي قدمته خلال السنوات الأخيرة.
في ظل الفوارق الكبيرة من الناحيتين الفنية والبدنية والتكتيكية بين رفاق هاري كين، ورفاق ساديو ماني، فمن الصعب جداً للسنغال أن تطيح بالإنكليز، لذا فإن مشوارها غالباً سينتهي عند هذا الدور.
الكرة الأفريقية ما زالت بحاجة لسنواتٍ من التطور، حتى تصل إلى مرحلة النضج الكروي الذي يساعدها على مقارعة منتخبات قارتي أوروبا وأميركا الجنوبية.
ورغم قوة المنتخب السنغالي، فلن يكون بمقدوره أن يحمل وحده أفريقيا على كتفه، وربما يبقى الوصول إلى الدور ربع النهائي، أكبر إنجار حققته منتخبات أفريقيا في المونديال لسنواتٍ وسنوات.