لقيت دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمن وصفهم بـ "المتطوعين" للقتال في أوكرانيا، صدى واسعاً في سوريا، وانعكست حماسة النظام السوري في تلبية الدعوة عبر نشر إعلانات لها على الصفحات الرسمية لمؤسساته، وهذه حادثة غير مسبوقة أن تسخر دولة منابرها كي تجمع "مرتزقة" للقتال مع دولة أخرى، لكن ذلك يبدو غير مستغرب في الحالة السورية، فالناظر لهذا البلد حيث يسيطر بشار الأسد يجد أشباه دولة تعصف بها الميليشيات الأجنبية.
تركيز روسي على سحب مقاتلين من دير الزور
علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة داخل مدينة دير الزور أن ضباطاً روساً اجتمعوا ظهر يوم الأحد الماضي، بقادة ميليشيات محلية موالية لها من أبرزها "قاطرجي" وطلبت منهم فتح باب الانتساب أمام عناصرها من أجل الذهاب إلى أوكرانيا.
جرى هذا الاجتماع داخل مدينة دير الزور، ونبه الروس قادة ميليشيا (قاطرجي ولواء القدس ومجموعة من الفيلق الخامس) إلى أنه على الذين يريدون المشاركة تسجيل طلب في مقر الميليشيا، بعد أن كان الاتفاق في البداية على أن يكون التسجيل بمقر القيادة الروسية في منطقة الفيلات.
ووفق ما رصده موقع تلفزيون سوريا، فإن الإقبال في دير الزور ما زال حتى الساعة محدودا، وقد أوفدت على ما يبدو روسيا قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" فراس العراقية (الجهام) إلى ريف دير الزور الغربي كي يستنفر "المتطوعين" هناك، بعد أن كلفت قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" عصام الفاضل في مدينة البوكمال بمعرفة رغبة عناصره في الذهاب لأوكرانيا.
وتتحدث الإعلانات التي تنشرها وسائل إعلام محسوبة على النظام السوري عن مبلغ 1500 يورو لكل "متطوع"، وذيّلت إعلاناتها بجملة "حملة رد الوفاء لروسيا"، إلا أن المصادر تؤكد أن المبلغ المطروح قد يصل إلى 1000 دولار، وهناك من يرجح أنه لا يتجاوز المبلغ 700 دولار.
وتؤكد المصادر أن هناك عناصر من الميليشيات بادرت بالفعل في التسجيل. هذا على صعيد دير الزور، أما في باقي المناطق السورية فإن ميليشيا "الدفاع الوطني" بريف حماة (منطقتي محردة والسقيلبية) أبدت استعدادا تاما لإرسال مقاتلين لأوكرانيا، ومن مدينة جرمانا بريف دمشق أكدت مصادر لموقع تلفزيون سوريا أن هناك إقبالا ملحوظا على التسجيل، وخاصة من عناصر "الفرقة الرابعة/قطاع دمشق"، مشيرة إلى أن الهدف لدى الملتحقين هو المال بالدرجة الأولى.
وسبق جرمانا بأيام بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم جنوبي دمشق، إذ أعطت روسيا الضوء الأخضر لـ المدعو أبي هاني شموط، المترجم الخاص للروس في المنطقة، لتجنيد الشبان، وقد بدأ بتنظيم قوائم الأسماء وإرسالها إلى قاعدة "حميميم" لاستصدار موافقات أمنية للمتقدمين بطلبات التجنيد.
وبالعودة إلى دير الزور فإن هناك عدة ميليشيات تعول عليها روسيا من أبرزها "الدفاع الوطني" وهؤلاء شاركوا في القتال مع نظام الأسد بشكل فعلي خلال السنوات الماضية، واكتسبوا خبرة في قتال الشوارع وقد قتل منهم الكثير على يد فصائل الجيش الحر، ولاحقا تنظيم "الدولة".
ميليشيا "قاطرجي" فرع دير الزور ويقودها ضابط كان يخدم سابقا مع النظام السوري من ريف دير الزور الشرقي، ويقدر عدد عناصره بنحو 1000 ويعملون في حراسة آبار النفط التي تهيمن عليها روسيا في دير الزور، إلى جانب المشاركة بعمليات ترفيق (حراسة) قافلات النفط القادمة من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى مناطق النظام السوري، وتمتلك هذه الميليشيا نقاطاً في البادية السورية وتتعرض باستمرار لهجمات من تنظيم "الدولة".
ميليشيا "لواء القدس/ قطاع دير الزور" ويقود هذه الميليشيا المدعو الكاميروني، وعدد عناصره أقل من "قاطرجي" وتتركز مهمته في عمليات التمشيط التي تقوم بها قوات النظام في البادية، كما لديه عناصر موجودون بشكل مستمر في نقاط حراسة هناك، ويتلقون ضربات متواصلة من التنظيم ويسقط منهم قتلى باستمرار.
كيف سيؤثر سحب مقاتلين من دير الزور في مناطق النفوذ؟
تعدّ دير الزور منطقة مهمة للفاعلين الرئيسيين فيها (روسيا وإيران وأميركا وتنظيم الدولة) إذ لكل منهم خططه المستقبلية فيها. لكن الظاهر أن الغزو الروسي لأوكرانيا الذي سينهي أسبوعه الثالث، سيغير من بعض التوازنات فيها، إذا ما جرت الأمور وفق سيناريو تدفق آلاف المقاتلين الموالين لروسيا من دير الزور شرقي سوريا إلى أوكرانيا.
فسيعني ذلك نزيفاً في القوات الموالية لروسيا واضمحلالاً للميليشيات التي زرعتها في المنطقة، أمام انتشار واسع لنظيرتها الإيرانية، التي لا شك أنها ستجد الفرصة ملائمة للهيمنة على بعض المناطق التي تعد خارج نفوذها، وخاصة فيما يتعلق بقطاع النفط، فالصراع الروسي الإيراني -إن جاز لنا تسميته بالصراع- في دير الزور ليس جديدا وخلال العامين الماضيين جرى الحديث عن عدة صدامات من أجل التفرد بالسيطرة على آبار نفط ومطارات عسكرية ومواقع أثرية بين الطرفين في البادية ودير الزور.
ولعل بوادر الاستثمار الإيراني بانشغال بوتين في أوكرانيا برزت من خلال الزيارات المكوكية التي أجراها مسؤولو النظام السوري إلى طهران بعد أيام قليلة من بدء روسيا غزوها لأوكرانيا
فقد زار مدير مكتب "الأمن الوطني" اللواء علي مملوك طهران وعرض على الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني تقريرا أمنيا عن الأوضاع في سوريا.
كما أرسلت إيران كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، إلى دمشق والتقى رئيس النظام بشار الأسد وناقشا ما يجري في أوكرانيا.
وفي الحديث عن المستفيدين الذين يتحينون الفرصة شرقي سوريا، يبرز تنظيم "الدولة" العائد من انتكاسة فقدانه زعيمَه "أبا إبراهيم القرشي"، إذ تشير التقديرات إلى أنه سيغتنم فرصة انحسار عدد عناصر النظام والميليشيات العاملة في البادية لزيادة نشاطه.
فظروف التنظيم تعد ملائمة لشن هجمات واسعة في سوريا، خاصة مع تعيينه "أبا حسن القرشي" زعيما جديدا له، وظهور عشرات المقاتلين له في مناطق متفرقة من سوريا وهم يتوعدون بالانتقام وبمواصلة شن الهجمات.
دوافع روسيا لسحب مقاتلين من سوريا
تفتتح روسيا باب "التطوع" أمام مقاتلين سوريين وجنسيات أخرى على وقع حديث الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي عن مقتل 12 ألفاً من الجيش الروسي خلال الأسابيع الثلاثة من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أي منذ 24 من شباط.
في حين أشارت الإحصائية التي كشفها مدير وكالة الاستخبارات التابعة للبنتاغون، سكوت بيرييه، إلى مقتل ما بين 2000 و 4000 جندي روسي، بمعدل يتراوح بين 166 و333 جندياً يومياً. أما روسيا فتتحدث رسميا عن مقتل نحو 500 جندي.
لكن يبدو أن الرواية الأوكرانية والأميركية عن حجم الخسائر الروسية على الصعيد البشري هي الأقرب للواقع، إذا ما وضعت في ميزان واحد مع التقارير التي تتحدث عن حالة غضب تعتلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب فشل جنرالاته في حسم المعركة مبكرا، إضافة إلى موافقته على جلب مقاتلين متطوعين من الشرق الأوسط، ومع حديث وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو أيضاً عن وجود أكثر من 16 ألف طلب لمتطوعين.
ووفق مراقبين فإن موسكو ترى أن المرحلة المقبلة تتطلب مقاتلين على الأرض إذا ما طالت المعارك وتحولت إلى حروب شوارع في المدن، وهذا ما أشار إليه تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" في الخامس من آذار الحالي، عن تحضير الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لمقاومة أوكرانية طويلة الأمد، وتحضيرا لهذه "المقاومة" فقد انضم نحو 20 ألف أجنبي من دول مختلفة، إلى ما يسمى "الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا"، وفق تقرير لصحيفة "TheTimes" البريطانية، وقد نقل التقرير عن وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا أن عدد المتطوعين الأجانب بلغ حتى نهاية الأسبوع الماضي 20 ألف رجل من 52 دولة.