icon
التغطية الحية

هل بوسع الميثاق الجديد المؤلف من 10 قوانين التخفيف من عبء الهجرة على أوروبا؟

2024.07.31 | 20:24 دمشق

آخر تحديث: 31.07.2024 | 20:24 دمشق

مهاجرون أثناء عملية إنقاذهم بالقرب من سواحل إحدى الدول الأوروبية - المصدر: الإنترنت
مهاجرون أثناء عملية إنقاذهم بالقرب من سواحل إحدى الدول الأوروبية - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تحركوا بعد أن أصابهم الخدر فساروا بوهن أثناء مغادرتهم للحافلة ودخولهم إلى مركز مؤقت مسيج في جزيرة إل هييرو، إحدى جزر الكناري، فسجل رجال الشرطة الإسبانية أسماءهم واحداً تلو الآخر، وأخذوا يقرؤون الرقم الذي كتب على إسوارة أعطيت لكل واحد منهم في الميناء، حيث نادى أحدهم على الرقم: "يو ثمانية، امرأة راشدة!، يو ثلاثة، شاب قاصر". بعد ذلك خرج الشبان الذي يشكلون الأغلبية الساحقة، إذ من بين 145 مهاجراً وصلوا على متن المركب الذي أتى اليوم، كانت هنالك ثماني نسوة وثلاثة أطفال، وجميعهم أفارقة.

كان الحظ حليفهم، إذ لم يصب أي منهم بمرض خطير، كما لم تقع أي حالة ولادة في عرض البحر، كما حدث خلال الأسبوع الماضي، ثم إن جميعهم وصلوا إلى بر النجاة، إذ خلال هذا العام توفي أكثر من خمسة آلاف مهاجر وهم يحاولون الوصول إلى إسبانيا، حيث فارق معظمهم الحياة على الطريق بين غربي إفريقيا وجزر الكناري، بحسب ما أعلنه خفر الحدود الإسباني. وفي هذه الأثناء، وصل نحو عشرين ألفاً من المهاجرين وهم على قيد الحياة إلى بر الأمان خلال النصف الأول من عام 2024. وهذا ما جعل طريق غربي إفريقيا يحظى بحصة كبيرة من مجموع المهاجرين، وقد بلغ عدد الوافدين إلى أوروبا بأكملها قرابة 94 ألفاً، أي بنسبة انخفاض تعادل ثلث الأعداد التي وصلت خلال العام الفائت.

تبحر القوارب من إفريقيا مباشرة (إذ أصبحت تنطلق من موريتانيا كما جرت العادة خلال هذه الأيام)، وذلك لتتجنب انقضاض خفر السواحل الإفريقية عليها، بيد أن هذا الطريق يجعل الرحلة تطول، إذ عندما تعود تلك المراكب أدراجها نحو أوروبا، تصبح وجهتها أقرب وأصغر جزيرة من جزر الكناري الواقعة في أقصى الغرب، والتي لا يتجاوز عدد سكانها سبعة آلاف نسمة.

جزر الكناري: تجربة طويلة مع الهجرة

أثارت استجابة جزيرة إل هييرو الإعجاب، إذ بعد يومين على وصول المهاجرين، نقلوا إلى دير مهجور بوسعهم الخروج منه بكل حرية، وجرى إيواء كثير من القاصرين الذين لم يرافقهم أحد من أهلهم لدى أسر تبرعت بذلك، كما التحقوا بالمدارس المحلية. ولهذا يخبرنا رئيس حكومة الجزيرة، ألبيديو أرماس، بأن الوضع لم يثر أي جدل إلا بنسبة ضئيلة، إذ لدى جزر الكناري تجربة طويلة مع الهجرة، وخاصة من دول أميركا اللاتينية. كما أن سكان الجزيرة هرموا، فأضحت الزراعة والسياحة والإنشاءات بحاجة ليد عاملة، ولذلك يتمنى رئيس الجزيرة أن يبقى في جزيرتهم أكبر عدد ممكن من المهاجرين.

ولكن سرعان ما نُقل البالغون إلى جزيرة تينيريفي الأكبر مساحة، ومن هناك سينتقل معظمهم إلى إسبانيا التي لن تستقبلهم بحفاوة وترحاب كبيرين، فلقد استقال حزب فوكس اليمني المتطرف من عدة حكومات ائتلافية قطرية في شهر تموز الجاري بسبب المخططات التي تسعى لتوزيع طالبي اللجوء على مختلف أنحاء إسبانيا.

تمثل القوارب التي تصل إلى جزر الكناري الإسبانية وجزيرة لامبيدوسا الإيطالية الشكل الوحيد الصادم للهجرة غير الشرعية القادمة إلى الاتحاد الأوروبي، لأن معظم الوافدين أتوا إليها جواً (أي دخلوا إليها بشكل قانوني، وظلوا فيها بعد انتهاء مدة إقامتهم على التأشيرة)، أو براً. ومنذ الفترة التي وصلت فيها أزمة الهجرة إلى ذروتها ما بين عامي 2015-2016، عندما وصل نحو مليون مهاجر بطريقة غير شرعية إلى الاتحاد الأوروبي، أصبحت الدول الأوروبية تبحث بضراوة عن استجابة تشملها جميعاً.

نظام إيروداك

وأخيراً توصلت إلى تلك الاستجابة، إذ في أيار الماضي، وافق الاتحاد الأوروبي على ميثاق الهجرة المؤلف من عشرة قوانين، ولذلك فإن مارغريتيس شيناس نائب رئيس المفوضية الأوروبية والذي أسهم في صياغة الميثاق، يعتقد بأن هذا الميثاق يثبت بأنه بوسع أوروبا "أن تقود من الوسط" ويتحدث ساخراً عن الفكرة التي شجعته على وضع هذا الميثاق وهي أن كلاً من اليمينيين (وعلى رأسهم ماتيو سالفيني من إيطاليا)، واليساريين (مثل جان-لوك ميلينشون من فرنسا) وقفوا ضده.

من المقرر أن يدخل الميثاق حيز التنفيذ في حزيران 2026، وسيعمل على دعم نظام البيانات ورفده ببصمات الأصابع وتسجيل المهاجرين، والذي يعرف باسم نظام إيروداك، والهدف منه ملاحقة الوافدين الذين تكرر قدومهم ومنع الأشخاص من الانتقال إلى مناطق أخرى من الاتحاد الأوروبي (بما أن هذا الأمر محظور من الناحية النظرية، ولكن الدول التي تستقبل الوافدين تتغاضى عن ذلك في معظم الأحيان).

اللجوء على الحدود

وثمة ابتكار آخر يتجلى بفكرة خيالية قانونية تفيد بأن من وصلوا لم يدخلوا إلى الاتحاد الأوروبي بعد، وهذا ما يسمح لهم بتقديم طلب لجوء على الحدود، وهذا هو جوهر الميثاق، إذ يجوز عندئذ عند الحكم على المهاجر بأنه يشكل خطراً أمنياً، أو بأنه أتى من دولة آمنة نسبياً (أي تلك الدول التي لا يحصل القادمون منها على حق اللجوء إلا بنسبة 20%) أن يُرحّل إلى بلده بموجب إجراءات سريعة، وتندرج ضمن هذه الدول دول مثل السنغال وموريتانيا وهي دول تعاني من فقر لا من حرب. بيد أن منتقدي هذا الميثاق يرون بأن تقديم طلب لجوء على الحدود لا يعتبر إجراء قانونياً ولا يستحق هذه التسمية أصلاً، إذ بما أن حق تقديم طلب لجوء يكفله القانون الدولي، لذا فإن هذا البند لا بد أن تعترضه مشكلات قانونية.

السعي نحو تحقيق نسب متوازنة

يذكر أنه في عام 2022، حصل نحو نصف الوافدين بصورة غير قانونية على شكل من أشكال الحماية في أوروبا، ومن حصل على حق اللجوء من مواطني دول مثل مالي (68%) أو السودان (70%)، فسيخضعون لإجراءات مطولة وكاملة أثناء معالجة طلبات لجوئهم، وتشمل تلك العملية الطعن في القرار، وينطبق الشيء ذاته على الأطفال الذين لم يرافقهم أحد وعلى المصابين بأمراض عقلية. بيد أن وضع معايير موحدة للجوء في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة يهدف إلى تحقيق توازن في نسب حصول المهاجرين على حق اللجوء (إذ حالياً حصل 62% من الأفغان على حق اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي جميعها، ولكن في رومانيا، لم يحصل سوى 28% من الأفغان على حق اللجوء).

"آلية التضامن" وخطة الاسترضاء

وأخيراً، فإن "آلية التضامن" التي تسمح للدول الحدودية بنقل 30 ألفاً أو يزيدون من طالبي اللجوء في أوروبا سنوياً إلى دول أخرى، وذلك بحسب نظام الحصص، والدول التي ترفض أخذ حصتها من المهاجرين يجوز لها أن تدفع مبلغاً قدره 20 ألف يورو (أي ما يعادل 21700 دولار) عن كل مهاجر، ولعل تلك الصفقة قد رُتب لها استرضاء لدول تجاهلت حصتها السابقة، ولكن بوسع دول الاتحاد الأوروبي أن تعلن عن ظهور أزمة هجرة حتى تعلق بعض مسؤولياتها المتعلقة بتقاسم العبء (على الرغم من أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي يجب أن توافق على ذلك لاحقاً). غير أن هذا الشرط قد تستغله دول مثل هنغاريا التي تقف ضد ميثاق الهجرة.

لا يمكن لهذا الميثاق أن ينجح من دون جهود دبلوماسية، فلقد أبرم الأوروبيون قبله اتفاقيات لضبط الهجرة مع دول عبور مثل مصر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس وتركيا، ما تسبب بإثارة حنق عارم في بعض الأحيان، ففي شهر أيار الماضي، نشرت مجموعة من الصحف ومؤسسة المنارة للتقارير الصحفية تقريراً يتحدث عن اعتقال المهاجرين السود في موريتانيا وتونس والمغرب ورميهم في الصحراء، وذلك عبر الاستعانة بمركبات تبرع الاتحاد الأوروبي لهم بها. ولكن من الواضح بأن حالة فرض القانون على الحدود من الخارج ستستمر على الأرجح، إذ أبرمت إيطاليا اتفاقية مع ألبانيا خلال هذا العام وذلك حتى تحول ألبانيا إلى مركز خارجي لمعالجة طلبات اللجوء التي تقدم بها المهاجرون.

خطة للدول المصدرة للمهاجرين

لعل الجزء الأصعب يتمثل بعقد اتفاقيات مع الدول المصدرة للمهاجرين، وذلك لأن الدول الأوروبية تسعى لمنع المهاجرين من الرحيل عن تلك الدول، ولهذا عقدت اتفاقيات مع بعضها، بيد أن القانون الجديد لتقديم طلب اللجوء على الحدود يفترض أن تقوم تلك الدول بإعادة مواطنيها إليها، لكنها غالباً ما ترفض ذلك، ولا شيء يجبرها على القبول، بيد أن أزمة سابقة وقعت لأحد القوارب القادمة من غربي إفريقيا إلى جزر الكناري في عام 2006 تكشف إمكانية حدوث ذلك، فقد أبرمت إسبانيا اتفاقيات مع عدد من الدول المصدرة للمهاجرين، تقضي بالتعاون مع أجهزة الأمن المحلية، وتعزيز المساعدات التنموية، وقبول عدد أكبر من المهاجرين بطريقة شرعية، ولذلك أعلن بيرناردينو ليون، نائب وزير الخارجية الإسباني في ذلك الحين، بأن تلك الدول لا تريد أن تنوب عن الأوروبيين في أدائهم لمهامهم، وهذا ما دفعه للقول: "علينا أن نساعدهم على إقناع شعوبهم بفكرة معينة".

قد يحتاج ميثاق الهجرة الجديد إلى تعاون عدد كبير من المؤسسات على تطبيقه، إذ يجب على الحكومات الوطنية أن تنسق نهجها بالنسبة للهجرة ويشمل ذلك وزارات الداخلية والخارجية والعمل والضمان الاجتماعي والتنمية الخارجية وغيرها من الوزارات. كما ينبغي على حكومات الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبالغ عددها 27 دولة أن تنسجم وتتعاون مع بعضها على أفضل نحو ممكن، ويجب على الدول المصدرة للمهاجرين ودول العبور أن تشارك في هذه الجهود، لأن أوروبا توصلت أخيراً لما يشبه منظومة جامعة بخصوص مسألة الهجرة، والآن بات عليها تشغيلها وتنفيذ قوانينها.

 

المصدر: The Economist