هل بعد الطوفان من انتفاضة؟

2024.11.20 | 06:12 دمشق

1465
+A
حجم الخط
-A

بالنظر إلى ما حققته عملية طوفان الأقصى التي حملت بعدًا مفاجئًا ومباغتًا للاحتلال، وبالرغم من كم الدمار الهائل والوحشية الكبيرة التي قامت بها دولة الاحتلال الإسرائيلي، مدعومة بشكل رئيس من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، فإنه حتى هذه اللحظة لا يوجد مكسب استراتيجي لدولة الاحتلال الإسرائيلي أو تغيير لما فرضته عملية طوفان الأقصى من معطيات جديدة ومن كسر لمعادلات في المنطقة، ومن الدوامات المتجددة التي تدخل فيها دولة الاحتلال على المستوى الاستراتيجي.

وكان أول هذه المعطيات الجديدة بعد طوفان الأقصى هو ضرب منظومة الأمن الصهيوني المتمثلة بالإنذار المبكر والقدرة على الحسم ومفهوم الردع. إضافة إلى تثبيت فكرة تعدد الجبهات التي تعمل دولة الاحتلال ضدها كحقيقة، وعدم قدرة الاحتلال على الحسم في أي من هذه الجبهات، بل والمخاطرة بفتح مزيد من الجبهات، بالإضافة إلى ما يرافق ذلك من تداعيات على مستوى انخراط مزيد من الفئات ضد دولة الاحتلال والعمل على تكريس عزلته، وفي التضامن مع المقاومة والشعب الفلسطيني. وهذا يزيد التهديدات على البنية الإسرائيلية الهشة التي يُعد افتقادها للعمق نقطة ضعف لا يمكن الهروب منها. وما تزال الحالة الأمنية الإسرائيلية منفتحة على كثير من الخسائر الجديدة بالرغم من كل حالات الترقيع.

حملت عملية طوفان الأقصى معاني التجدد في كل مراحلها. بمعنى أنه حتى لو توقف العدوان الإسرائيلي في غزة من طرف واحد، فإن ما أحدثته عملية طوفان الأقصى يشبه ذروة بركان.

وحتى على مستوى الرؤية، ما تزال دولة الاحتلال في حالة تشتت. ويمكن هنا الإشارة على سبيل المثال إلى ما كتبه كتاب صهاينة، مثل الكاتب الصهيوني رون بن يشاي في صحيفة يديعوت أحرونوت:
"على الرغم من الإنجازات العسكرية في القطاع، وسيطرة الجيش على ممرين استراتيجيين، نتساريم وفيلادلفيا، فإن رئيس الحكومة والمنظومة الأمنية ليس لديهما، حاليًّا، خطة واضحة لتقويض السيطرة المدنية لـ"حماس"، التي تُعد هدفًا مهمًّا من أهداف الحرب. المطلوب تفكير خلاق ومرونة غير متوفرَين لدى الحكومة الحالية، ولدى رئيسها، لأسباب سياسية وشخصية..."
وهذا يشير بوضوح إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي في حالة تشتت وبعيدة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية في غزة.

تجددية طوفان الأقصى

حملت عملية طوفان الأقصى معاني التجدد في كل مراحلها. بمعنى أنه حتى لو توقف العدوان الإسرائيلي في غزة من طرف واحد، فإن ما أحدثته عملية طوفان الأقصى يشبه ذروة بركان. وهذا البركان يؤثر في جميع القضايا التي تمس الاحتلال الإسرائيلي منذ وجوده على أرض فلسطين رسميًّا عام 1948. كذلك، يؤثر في البعد الديني والقومي لسكان المنطقة، ويرفع درجة حرارتها، ويزيد من حجم الطاقة المختزنة والمتراكمة فيها، والتي ستصل بلا شك إلى ذروات جديدة بالإضافة إلى عوامل أخرى.

وعلى المستوى الإنساني، يمكن مشاهدة المشاعر والمواقف العالمية ضد الاحتلال في كل مكان. ولعل آخر الشواهد على ذلك كان في أمستردام في هولندا، عندما تصدّى مشجعون رياضيون للاستفزازات التي قام بها مشجعو الفريق الإسرائيلي. وكذلك ما حصل في فرنسا، بالرغم من كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، وهو مثال بالمناسبة أيضًا على الإخفاق المرجح لكل عمليات التغطية التي تقوم بها الأطراف الرسمية على جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

إن التجددية في طوفان الأقصى هي عملية حيوية مستمرة تعمل على إنتاج روح وأدوات جديدة ومناطق جديدة. وتعمل على إصلاح واقع تالف، وهو الواقع الذي سمح بالعمل على تصفية القضية الفلسطينية.

وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني، ومع وجود انتفاضتين تاريخيتين في سجل نضال الشعب الفلسطيني، هما: انتفاضة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000، فإن طوفان الأقصى مع الزخم الذي جاء به، يعمل الآن على مراكمة الواقع الفلسطيني وشحنه بإجهادات وطاقات عظيمة يمكن أن تخرج من مخارج تنفس متعددة. أهمها ساحات الضفة الغربية والقدس ومناطق فلسطينيي 48. وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية قد حاولت مرارًا إطلاق انتفاضة ثالثة بعد عام 2007، ولم تنجح في ذلك. ولكن بعد طوفان الأقصى يمكن الحديث بشكل أكثر ترجيحًا عن إمكانية تولّد انتفاضة من رحم هذا الطوفان المتجدد.

إن التجددية في طوفان الأقصى هي عملية حيوية مستمرة تعمل على إنتاج روح وأدوات جديدة ومناطق جديدة. وتعمل على إصلاح واقع تالف، وهو الواقع الذي سمح بالعمل على تصفية القضية الفلسطينية. ولهذا كان كسر هذا الواقع والعمل على بث الحياة فيه أول خطوة لهذه التجددية التي تشهد حالة من التفاعل الآن.

لقد أحدثت عملية طوفان الأقصى الكثير من التغيير في القيم والمعتقدات السائدة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير وشرعية المقاومة، وحول حقيقة المجتمع والجيش الصهيوني، وعن الدور المنوط بالإنسان والمؤسسات والدول. وهذا يضفي بعدًا آخر لتجددية هذه الظاهرة.

إن أحد مؤشرات تجددية طوفان الأقصى هو تفاعلها بين العوامل الداخلية والخارجية وفي مجموعات مختلفة من المجتمعات والثقافات وبشكل مستمر. وهو ما سيؤتي أكله عند درجات محددة من التفاعل تحتاج إلى أن يتم التعاون على الوصول إليها من كل مكان. فالمقاطعة الاقتصادية قابلة للتجدد، ودعم المقاومة قابل للتجدد، والدبلوماسية المناوئة للاحتلال قابلة للتجدد، وكل أنواع الدعم للشعب الفلسطيني قابلة للتجدد. ذلك لأن حقيقة عملية طوفان الأقصى هي أنها عملية متجددة الطابع.