هكذا يبتز النظام السوريين بجميع الطرق والوسائل

2024.10.05 | 06:37 دمشق

566666666666
+A
حجم الخط
-A

مرت ثلاثة عشر عاماً من عمر الثورة السورية، التي، كما يعرف القاصي والداني، قامت بعفوية تامة، وبلا أي حسابات خوف أو وجل من النظام. ثورة رفعت ولا تزال شعارات المطالبة بالحرية والخلاص من حكم استبدادي لطالما تجبر واستكبر ودمر وهدر دماء السوريين، وأذاقهم شتى أنواع وألوان الإرهاب والعذاب.

وبعد هذه السنوات الطويلة، ورغم دمار البلاد على يد آلة حرب الأسد وداعميه من الروس والإيرانيين، ورغم عظم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري ولا يزال، إلا أن وضعهم للأسف لا يزال على حاله، سواء في داخل البلاد أو في بلدان اللجوء ومخيمات النزوح. بل ازداد الوضع المعيشي والمادي وحتى الأمني سوءاً وقساوة، وذلك مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي باتت البلاد ومواطنوها يعانون منها، نتيجة للسياسات الفاشلة وغير المسؤولة للنظام.

لا شك أن الحرب المستمرة تعد من أهم العوامل المباشرة التي أدت إلى التدهور الاقتصادي. وهذا التدهور أفرز انهياراً شديداً وسريعاً في العملة السورية، ووصولها إلى أدنى مستوياتها في سوق العملات العالمية، وبالتالي انهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري ذي الدخل المتوسط. ناهيك عن العقوبات الأميركية والغربية، وقانون قيصر، وتداعيات زلزال 2023. هذا بالطبع إذا استثنينا الفساد المتجذر الذي لا يزال يعشعش في معظم مفاصل دولة البعث وأركانها، وسوء الإدارة المتأصل في وزارات ومؤسسات الدولة، وخاصة الاقتصادية والمالية منها، بالإضافة إلى السرقات الضخمة المتواصلة، والتلاعب بالمال العام من قبل عصابات الأسد ومن لف لفهم من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين، من دون أي رادع أو محاسبة.

الابتزاز ومصادرة الممتلكات.. أسلحة الأسد الجديدة

مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في البلاد، التي دمرت على يد الأسد وعصابات جيشه وداعميه، وترافق ذلك مع ضياع النظام وتخبطه، وعجز حكوماته المتعاقبة عن إيجاد حلول ناجعة تخفف آثار التدهور الاقتصادي والمالي، دخل النظام في مرحلة بائسة يائسة جديدة، عنوانها الصراع من أجل البقاء، والبحث عن موارد إضافية لرفد بنكه المركزي وخزينته الخاوية.

وعليه، بدأ مقربو الأسد، بتوجيه منه ومن أسماء الأسد، حملة سباق محمومة للبحث عن المال بأي وسيلة كانت. وهذا ما دفع المكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري وفروع الأمن المتعددة، إلى التعاون مع القضاء الفاسد، واستصدار قوانين وأحكام تتيح للجهات المختصة السرقة والاستيلاء على أصول شركات عديدة بهدف ابتزاز أصحابها بملايين الدولارات.

اللافت هنا أن بعض هذه الشركات كانت مملوكة لشخصيات مقربة من رئيس النظام، مثل شركة "إم تي إن" وسيرياتل للاتصالات، وشركات تجارية وصناعية أخرى تتبع لرامي مخلوف وغيره. كما استولى نظام الأسد في هذه الحملة على أصول عشرات الشركات، بما فيها شركات أجنبية وشركات خاصة تعود ملكيتها لعوائل سورية غنية، بهدف ابتزازهم بمبالغ خيالية قبل التفكير في إعادتها إليهم.

منذ بداية الثورة السورية في 2011، أصدرت حكومة النظام ما يقارب 35 قانوناً يسمح للنظام بمصادرة ونزع الملكية والاستيلاء على الممتلكات الخاصة.

قوانين ومراسيم تشريع للسرقات

لم يكتف نظام بشار الأسد باعتقال وتعذيب وتغييب وقتل مئات الآلاف من أبناء شعبه، وتهجير ونزوح الملايين، بل باشر في الاستيلاء على ممتلكاتهم لتحقيق ثلاثة أهداف: أولها ملء خزينة الدولة الفارغة، ثانيها إثراء كبار الشخصيات الأمنية والسياسية التي وقفت إلى جانب نظامه، وثالثها والأهم منع عودة الكتلة غير المرغوب فيها من المعارضين، الذين وصفهم بـ "الإرهابيين".

وعليه، فمن الملاحظ أنه منذ بداية الثورة السورية في 2011، أصدرت حكومة النظام ما يقارب 35 قانوناً يسمح للنظام بمصادرة ونزع الملكية والاستيلاء على الممتلكات الخاصة، وذلك إما بحجة مكافحة الإرهاب، أو بحجة التخطيط العمراني وهندسة مدن حديثة، أو بحجة أنها مساكن عشوائية، توجب استرداد ديون للدولة من أصحابها الأصليين، أو لاستيفاء بدل الخدمة العسكرية. ومن خلال المتابعة، وُجد أن هذه القوانين صُممت لتستهدف بشكل أساسي ممتلكات المنشقين، وقتلى الثورة، والنازحين واللاجئين، وأعضاء المعارضة.

تشمل هذه القوانين أيضاً المراسيم التي تقضي بالاستيلاء على ممتلكات المنشقين وأسرهم، والمصادرة التنفيذية من دون إشعار لممتلكات أي شخص لم يكمل خدمته العسكرية والاحتياطية ولم يبلغ سن 43 عاماً، أو فر من الجيش ولجأ لدولة أجنبية من الضباط المنشقين والأفراد. وليس هذا فقط، بل تسمح بعض القوانين الجائرة بتجريد المدنيين من ممتلكاتهم كوسيلة جديدة للابتزاز المالي حين يطالبون باستعادتها، أو يخسرونها للأبد، ويتم منحها لمسؤولين أمنيين وسياسيين رفيعي المستوى أو بيعها لأطراف ثالثة.

مافيات الفروع الأمنية وسياسة التشليح بالإكراه

تحولت معظم فروع الأسد الأمنية خلال سنوات الثورة إلى مافيات "ابتزاز مقنن" تعكس العقلية المافيوية وعقلية العصابات المتأصلة في نظام الأسد.

فهذه الفروع، بالتعاون مع وكلاء النظام في العديد من مؤسسات دولة البعث، تداهم دورياً عدداً من الشركات الخاصة الناجحة، التي نجت من تبعات الحرب الكارثية، بحجة تفتيش أصولها وحساباتها بحثاً عن انتهاكات ضريبية أو جمركية مفترضة. كل هذا من أجل إجبارها على دفع مبالغ مالية كبيرة كغرامات عن مخالفات مفبركة.

بل إن العديد من رجال الأعمال الذين دعموا الأسد لسنوات احتجزوا لأيام وأسابيع في الفروع الأمنية، لإجبارهم على دفع "المعلوم" على شكل تبرعات لجمعيات خيرية وهمية، أو مساهمات فيما يسمى "صندوق شهداء سوريا" الذي تعود عوائده للأسد وعصاباته.

للأسف، ومع سياسات النظام الفاشلة، بات أكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، واختفت الطبقة الوسطى تدريجياً من دون أمل في عودتها. حلّت مكانها طبقة سيئة من الأثرياء الجدد، الذين بنوا ثرواتهم عبر شبكة علاقات مشبوهة مع الإيرانيين والروس وحزب الله. هؤلاء أسسوا واقعاً مافيوياً جديداً داخل المجتمع السوري، وأصبح النظام يعتمد على شبكة من العصابات الأمنية والعسكرية، التي تتحكم بالمحافظات والبلدات السورية، وتقدم خدماتها الحكومية والأمنية للناس مقابل أموال أكثر بكثير مما كان يفترض دفعه في السابق، عبر طرق إكراه وابتزاز جديدة.

أصبح لزاماً على السوريين دفع "الأتاوة" للنظام السوري عند الدخول إلى البلاد أو الخروج منها.

ختاماً

يبدو أن نظام الأسد حالياً يصنف السوريين إلى فئات، من يستطيع زيارة سوريا ومن لا يستطيع لأسباب متعددة، أغلبها أمنية، ومن يسمح له أو يمكنه العيش فيها ومن لا يمكنه ذلك. الواقع المؤسف يقول إن شريحة كبيرة من السوريين الذين لجأوا إلى دول الجوار وغيرها، لن يستطيعوا العودة إلى بلدهم بسبب قرار الابتزاز الذي أصدره النظام، والذي يلزم الزائر السوري بتصريف 100 دولار بأقل من قيمتها الحقيقية في السوق ليُسمح له بدخول البلاد (أوقف القرار لمدة أسبوع على الحدود اللبنانية بشكل استثنائي).

هذا بالإضافة إلى عقدة الموافقة الأمنية التي يجب الحصول عليها عند أي عملية بيع أو شراء عقار، والتي قد تستغرق عاماً كاملاً إذا لم يتم دفع الرشاوى. وبعيداً عن البدل النقدي للخدمة العسكرية، الذي لا يستطيع معظم الشباب السوريين دفعه، هناك أيضاً "إذن السفر"، الذي يجب دفع المال للحصول عليه للسماح للشخص بالسفر خارج البلاد.

وعليه، أصبح لزاماً على السوريين دفع "الأتاوة" للنظام السوري عند الدخول إلى البلاد أو الخروج منها. ناهيك عن كلفة جواز السفر أو تجديده، والذي بات يعد الأغلى كلفة في العالم، إذ تصل كلفته إلى 800 دولار تُدفع كل عامين، وهي مدة صلاحية الجواز.