قبيل مشاركة "المنتخب السوري" ببطولة كأس آسيا في قطر، بدأ النظام السوري بالضخ الإعلامي مردداً شعارات "منتخبنا عزنا" و" والشعب السوري واحد" و"المستحيل ليس سوري"، بغية حث السوريين مؤيدين ومعارضين على تشجيع المنتخب، تحت مبدأ "فصل الرياضة عن السياسة" وبأن المنتخب لكل السوريين، فيما كان النظام السوري يسعى لاستغلال ذلك المنتخب لخدمة مصالحه وأجنداته.
وفي متابعة لوسائل إعلام النظام السوري بشأن مباريات المنتخب، حاول النظام تكثيف التغطية الإعلامية لمشاركة منتخبه في كأس آسيا لتحقيق مكاسب عديدة، ولم تقتصر تغطيته على البرامج ضمن استديوهاته في دمشق فقط، بل أرسل لأول مرة فريقاً إعلامياً إلى الدوحة لنقل حلقات برنامج "الكابتن" من هناك، والذي تم إيقاف عرضه قبل أشهر، بسبب خطأ فادح اعترف خلاله مقدم البرنامج بتبعية النظام لروسيا وإيران.
ولتحفيز الناس على متابعة البرنامج، وتحقيق الأهداف السياسية قبل الرياضية المرجوة، خصص النظام السوري، برعاية شركة "سيريتل"، جوائز نقدية للمتابعين بقيمة 50 مليون ليرة سورية لكل حلقة، بمعدل 3 ملايين ليرة لكل فائز، إضافةً إلى رحلات مجانية عبر شركة "أجنحة الشام".
كما سارع النظام السوري سارع إلى توفير شاشات عملاقة وأماكن مخصصة لحضور المباريات، إضافةً لتأمين الكهرباء اللازمة لها بما يخدم أهدافه، فيما لا تكترث حكومته لتوفير الكهرباء للسوريين الذين يعانون من انقطاعها لأكثر من 20 ساعة يومياً.
إنجازات مصطنعة
وعقب تعادل "المنتخب السوري" في أولى مبارياته بكأس آسيا أمام أوزبكستان، سارع إعلام النظام لاستغلال هذا التعادل واعتباره بمنزلة "إنجاز"، وبدأ يرفع من سقف طموحات السوريين، وبأن "نسور قاسيون" قادرون على هزيمة المنتخب الأسترالي.
إلا أنه ومن خلال متابعة المباراة بدا واضحاً أن إعلام النظام كان يسعى لاصطناع إنجاز من فراغ، بهدف حث السوريين على الانشغال بباقي المباريات، "فالمنتخب السوري" في مباراته تكتل في الدفاع فقط، ولم يشن أي هجمة على مرمى المنتخب الأوزبكي، كما أن الأخير لم يكن ذلك المنتخب العنيد كما حاول إعلام النظام تصويره.
أما في المباراة الثانية، ورغم خسارة "المنتخب السوري" أمام أستراليا بهدف وحيد، استمر إعلام النظام بالتجييش ودعم المنتخب، معتبراً الخسارة هي "كبوة فارس"، بينما ذهب بعض المحللين الموالين للنظام لأبعد من ذلك، واعتبروا أن "الخسارة بهدف وحيد فقط شيء إيجابي"، أمام منتخب قوي كالمنتخب الأسترالي، متناسين أن الخسارة هي خسارة سواء كانت بهدف أو بعشرة أهداف.
وبعد الخسارة أمام أستراليا، صعّد النظام السوري حملته الإعلامية، داعياً السوريين بكل طوائفهم ومعتقداتهم للوقوف خلف المنتخب، وبأنه قادر على سحق المنتخب الهندي، والتأهل إلى الدور الثاني لأول مرة في تاريخ مشاركاته بكأس آسيا.
ويرى الصحفي الرياضي محمد حمص في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "تحفيز النظام للسوريين على تشجيع المنتخب في كأس آسيا، هدفه إشغالهم المؤقت عن همومهم، وهذا الإلهاء تزيد مدته ومداه طرداً مع نتائج منتخب البراميل، فكلما كانت النتائج إيجابية كان مدى ومدة الإلهاء أطول".
وأضاف حمص أنه "في حال فوز منتخب البراميل على الهند وتأهله إلى الدور الثاني، كإنجاز يُحقق لأول مرة في تاريخه، سنرى جرعات أعلى من إعلام النظام للتشجيع ودعم المنتخب وسينسب هذا الإنجاز للقائد كما جرت العادة، إلى أن تأتي الخيبة المعتادة ويخرج من الدور الثاني، حينذاك سيختفي البريق كاملاً عن المنتخب ويتوقف الدعم له، إلى أن يشارك في بطولة جديدة".
وسيلة لتعويم الأسد دولياً
من جانب آخر، وجد النظام السوري في الرياضة وسيلةً لتعويم نفسه، وحرص على إشراك منتخبه في البطولات الرياضية الدولية، لكسر العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليه، حيث تعتبر مسابقات كرة القدم منبراً مجانياً للنظام للترويج له.
وفي هذا الإطار يرى الصحفي الرياضي مصطفى باكير أن "توقيت بطولة كأس آسيا جاء في فترة بدأت فيها بعض الدول العربية تتذمر من إفراط الأسد في تهريب الكبتاغون إليها، بعد تطبيعها العلاقات معه، لهذا وجد النظام في كأس آسيا فرصة ذهبية لإعادة توطيد العلاقات مع الدول العربية، وتعويم نفسه دولياً من بوابة المنتخب".
"الشعب السوري واحد"
وروّجت وسائل إعلام النظام ومواليه، عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى شعار "الشعب السوري واحد"، وأن المنتخب لكل السوريين، ومن واجب كل سوري مؤيد كان أو معارض أن يترك الخلافات والآراء السياسية جانباً، ويقف خلف "نسور قاسيون"، لأن "أي انتصار لهم سيزرع البسمة على وجوه السوريين"، وفق زعمهم.
الصحفي محمد حمص أكد "استحالة فصل الرياضة عن السياسة في سوريا"، موضحاً أن "النظام السوري ليس متهماً بقضية سرقة سندويشات من حقائب أصدقائه بالمدرسة، بل قام بجرائم حرب وإبادة جماعية وتهجير قسري، وهو كتلة كاملة تعمل مؤسساته بشكل هرمي، والاتحاد الرياضي جزء من هذه الكتلة، ويُدار من قبل حزب البعث والمخابرات، فكيف يمكن التعامي عن كل تلك الجرائم وتشجيع المنتخب الذي يهدي انتصاراته للأسد المجرم ويرفع صوره على قمصانه".
النظام السوري روّج لفكرة أن المنتخب لكل السوريين من خلال إفساح المجال لمشاركة لاعبين محترفين في صفوف المنتخب، حيث شارك 5 لاعبين من الخارج لأول مرة مع "نسور قاسيون".
لكن النظام فضح نفسه حين جلب محترفين لتمثيل "المنتخب السوري" في كأس آسيا، حيث ظهر الفرق الشاسع على المستوى الفني بين اللاعبين المغتربين، ومن يلعبون في سوريا تحت كنف النظام، ذلك الفارق الكبير برز حتى من حيث سلوك اللاعبين وطريقة حديثهم مع الحكم والضغط على الخصم.
"لن نشجع منتخب البراميل"
قبيل مشاركة "المنتخب السوري" في كأس آسيا، أطلق ناشطون هاشتاغ على منصات التواصل الاجتماعي بعنوان "لن نشجع منتخب البراميل"، بهدف حث قسم من السوريين المحسوبين على الثورة السورية، على عدم الانجرار وراء "فخ فصل الرياضة عن السياسة" وتشجيع المنتخب.
يلا خذوا براميلكم و عالبيت 😂
— غَيْث مَسالمة (@FplReso) January 18, 2024
قال منتخب سوري قال #منتخب_البراميل pic.twitter.com/6v0DuXveQk
ويرى الإعلامي المختص في الشأن الرياضي عروة قنواتي، أن "النظام السوري حاول حشد الجماهير في الدوحة، للترويج لفكرة أن الشعب السوري واحد، لكن هذه الفكرة لا تمثلنا، والمنتخب لن يمثلنا حتى يتغير هذا النظام الذي يستغل مشاركة المنتخب في أي بطولة، للتغطية على الجرائم التي ارتكبها بحق الرياضة والملاعب واللاعبين".
وأضاف قنواتي لموقع "تلفزيون سوريا" أن "ما يجعلني أرفض تشجيع منتخب البراميل، ليس فقط لأنه يمثل النظام المجرم، بل لأنه يضم في صفوفه لاعبين بلا إحساس ولا يهتمون لمصير بلدهم، فلم نجد لاعباً واحداً في المنتخب يتحدث عن مأساة السوريين، بمن فيهم اللاعبَان الخطيب والسومة الذين كانا سابقاً مناصرين للثورة السورية، وهو ما دفع النظام لاحقاً لطردهما من المنتخب حين انتهت مصلحته معهما".
#صيصان_قاسيون أو #منتخب_البراميل
— Maharan (@Maharan981) January 14, 2024
انتبه عزيزي السوري،لا تأخذك الحميَّة وتنسيك مآسي شعبك المكلوم ..
في الوقت الذي كان شعبك يقاسي ويلاقي أنواع الموت بشتى الطرق، كان هؤلاء الشبيحة في أحضان #سيء_ألوطن عليه من الله ما يستحق يكسبون رضاه.#كأس_اسيا_2023 #كأس_آسيا2023 #سوريا #قطر2023 pic.twitter.com/BPnKK1jPpW
كما تحدث ناشطون ضمن هاشتاغ "لن نشجع منتخب البراميل"، عن جرائم النظام السوري بحق الرياضيين من قتل واعتقال وتهجير، إضافةً إلى تدمير الملاعب وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية كما حصل في ملعب العباسيين بدمشق.
#منتخب_البراميل يخسر أمام #أستراليا
— سفيان اليوسف (@aaa1Sufian) January 18, 2024
1_0#كاس_آسيا_2024 #قطر #آسيا #الشمال_السوري pic.twitter.com/Gd6Dmrdaek
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في آخر تقرير لها، مقتل 253 رياضياً على يد قوات النظام، وإصابة 117 آخرين، واعتقال ما لا يقل عن 447 رياضياً في سجون الأسد، إضافةً إلى تسجيل 27 انتهاكاً بحق الكوادر الرياضية ومنشآتها من بداية الثورة السورية حتى نهاية العام الماضي.