في عالم كرة القدم هناك منتخبات أو أندية عملاقة يعتقد مشجعوها لدرجة اليقين أنها ستفوز حتى قبل أن تلعب المباراة، وهناك منتخبات أخرى يكاد يجزم من يتابعها أنها ستخسر قبل خوض المباراة، وهو ما تشعر به معظم جماهير "منتخب سوريا" التابع للنظام التي تتوقع أن منتخبها سيفشل في التأهل للدور الثاني من بطولة كأس آسيا، كما عوّدها عبر التاريخ.
يستعد "منتخب سوريا" الممثل للنظام السوري، للمشاركة للمرة السابعة في تاريخه بكأس آسيا في قطر، حيث يدخل البطولة على أمل كسر عقدة الفشل في التأهل للدور الثاني خلال تاريخه.
ويستهل المنتخب مشاركته في البطولة القارية مساء اليوم، حين يواجه أوزبكستان ضمن المجموعة الثانية، ثم يلتقي في مواجهة معقدة بمنتخب أستراليا الشرس، بينما يختتم مبارياته في الدور الأول بلقاء المنتخب الهندي.
تشاؤم لم يأتِ من فراغ
الجماهير تنتظر مشاهدة "منتخب سوريا" بسقف طموحات منخفض للغاية، حيث تسود حالة من التشاؤم بين معظم المشجعين، وهذا التشاؤم لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد حالة من التخبط والمشاحنات شهدها المنتخب خلال الفترة الأخيرة.
لاعبو "منتخب سوريا" يدخلون البطولة بأجواء متوترة واستعداد سيئ، حيث انشغل الشارع الرياضي السوري خلال الفترة الأخيرة بقضية استبعاد قائد المنتخب عمر السومة من القائمة النهائية المشاركة في كأس آسيا، إلى جانب محمود المواس مهاجم الشرطة العراقي.
قرار استبعاد المدرب الأرجنتيني هكتور كوبر للسومة، أشعل زوبعة إعلامية وشنّ جماهير المنتخب سيلاً من الانتقادات على المدرب، معتبرين أن استبعاد اللاعب من المنتخب، كمن يستبعد ميسي من منتخب الأرجنتين، أو رونالدو من البرتغال، ولاسيما أن السومة يعد أفضل هداف في تاريخ القارة الآسيوية بتسجيله 302 من الأهداف.
كوبر دافع عن قرار استبعاد السومة، مبرراً ذلك بأن الأخير لم يستطع التأقلم مع تعليمات المدرب، ليصف السومة ما حصل بقلة الاحترام، ولاسيما أن اتحاد كرة القدم التابع للنظام، لم يبلغه مسبقاً بقرار الاستبعاد، ما دفعه لإعلان اعتزاله اللعب مع المنتخب نهائياً.
حالة التشاؤم التي انتابت الجماهير السورية، لم تكن فقط بسبب استبعاد السومة، بل كذلك بعد سلسلة مخيبة من النتائج التي حققها المنتخب خلال الفترة الاستعدادية التي سبقت كأس آسيا.
ففي آخر 5 مباريات خاضها "منتخب سوريا"، فاز في مباراة وحيدة أمام كوريا الشمالية بهدف من ضربة جزاء، وخسر أمام الكويت واليابان، وتعادل في مواجهتين سهلتين أمام قيرغيزستان وماليزيا.
العقلية التي ينتهجها النظام السوري في تعامله مع المنتخب على مدار عقود من الزمن، كانت كذلك سبباً أساسياً في عدم تأهله إلى نهائيات كأس العالم أو تجاوز دور المجموعات بكأس آسيا، وهذه العقلية هي من تجعل الجماهير غير متفائلة بتحقيق المنتخب أي إنجاز في كأس آسيا 2024.
الاتحاد السوري لكرة القدم الذي تديره مخابرات الأسد، يتدخل في المنتخب بكل مفاصله ويحاول فرض أسماء معينة في التشكيلة، إضافةً إلى الفساد المستشري في الدوري المحلي، وغياب دعم اللاعبين بالمكافآت والحوافز، وعدم توفير معسكرات وملاعب جيدة لهم.
كل تلك الأسباب جعلت الحافز غائباً تماماً لدى اللاعبين، وأصبحوا يلعبون في المنتخب لخدمة مصالحهم الشخصية، وهو ما اعترف به عمر السومة مؤخراً حين قال إن هناك لاعبين أخبروه أنهم يشاركون في المنتخب على أمل أن تشاهدهم الأندية الخليجية وتتعاقد معهم وليس من أجل اسم المنتخب.
سلاح ذو حدين
القائمة التي أعلن عنها المدرب كوبر نهاية العام الماضي، تضمنت 8 لاعبين محليين فقط، بينما تم استدعاء 18 لاعباً محترفاً ينشطون في دوريات آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية.
اعتماد المدرب الأرجنتيني على محترفين جدد يبدو سلاحاً ذا حدين، ولاسيما أن القائمة ضمت 8 لاعبين يشاركون للمرة الأولى في "منتخب سوريا"، فكيف لهؤلاء اللاعبين الجدد الانسجام ضمن صفوف المنتخب، وقد تم ضمهم قبل 15 يوماً فقط من انطلاق كأس آسيا؟!.
كما أن متوسط أعمار منتخب البراميل يبلغ نحو 30 عاماً، وهو رقم سلبي للغاية، لأنه يعني أن المنتخب يعتمد في الغالب على لاعبين كبار في السن على حساب اللاعبين الشباب الذين يمتازون بسرعة ولياقة أكبر.
لكن في المقابل يمكن أن يقدم هؤلاء المحترفون الجدد إضافة ممتازة للمنتخب، ولاسيما أن 3 منهم يحترفون في دوريات أميركا الجنوبية، و4 في دوريات أوروبية، وواحد في دوري آسيوي، ويقدم بعضهم مستويات جيدة في أنديتهم.
أوزبكستان مفتاح التأهل
تعتبر مواجهة "منتخب سوريا" أمام أوزبكستان، هي مفتاح التأهل للدور الثاني، كونه سيكون الخصم المباشر الذي سينافس "نسور قاسيون" على بطاقة التأهل الثانية، على اعتبار أن الكنغر الاسترالي سيكون المرشح الأبرز للظفر ببطاقة التأهل الأولى.
يتفوق "منتخب سوريا" تاريخياً في المواجهات المباشرة مع أوزبكستان، حيث التقى المنتخبان في 6 مناسبات، فاز "نسور قاسيون" في 3 مباريات وخسر مرتين وتعادل مرة واحدة.
لكن التاريخ ليس مقياساً، فعلى الورق المنتخب الأوزبكي أفضل بكثير، حيث إنه في آخر 5 مباريات قبيل انطلاق كأس آسيا، فاز في 4 مواجهات وتعادل مرة واحدة فقط، كما أنه يحل في المركز 68 عالمياً، بينما "منتخب سوريا" في المركز 91، وفاز مرة واحدة فقط في آخر 5 مباريات، وخسر أمام اليابان بخماسية نظيفة قبل حوالي شهرين.
ولضمان التأهل يحتاج "منتخب سوريا" للفوز أو التعادل على الأقل أمام أوزبكستان والفوز على الهند.
لكن في ضوء التحضيرات السيئة "لنسور قاسيون" وتوتر الأجواء داخل المنتخب، أتوقع أن يخسروا أمام أوزبكستان وأستراليا، ويتعادلوا أمام الهند التي تطور مستواها في السنوات الأخيرة، ما يعني أن "منتخب سوريا" سيخرج من الدور الأول، وسيفشل حتى في التأهل كأفضل ثالث.
أوراق رابحة
بعد استبعاد السومة والمواس، أصبحت الآمال معقودة على عمر خربين، الذي يمتلك خبرة كبيرة في ملاعب كرة القدم، وسبق أن فاز بجائزة أفضل لاعب في آسيا.
كما يعوّل المدرب كوبر على المحترفين الجدد الذين استدعاهم للمنتخب، ويأمل أن يكونوا أوراقاً رابحة تساعد المنتخب في التأهل للدور الثاني، وأبرزهم بابلو صباغ وإبراهيم هسار وخليل إلياس.
المدرب كوبر يمتلك شخصية نرجسية تحب السلطة، وهو ما يفسر استبعاده السومة من المنتخب، لأنه وقف ندّاً له وعارض قراراته، وسبق أن مارس كوبر هذا الأسلوب طوال سنوات تدريبه، لدرجة أنه وقف في وجه الظاهرة البرازيلية رونالدو ووضعه على دكة البدلاء خلال تدريبه إنتر ميلان الإيطالي، ما جعل رونالدو يصف كوبر بالمدرب الأسوأ في التاريخ.
لكن امتلاك كوبر هكذا شخصية قد تكون ورقة رابحة "لمنتخب سوريا"، الذي عانى من عدم امتلاك مدربيه عبر التاريخ شخصية مستقلة، وكانوا يستجيبون دوماً لضغوط الاتحاد الرياضي التابع للنظام، بينما وقف كوبر في وجه تلك الضغوطات، وهدد بالاستقالة في حال إجباره على إعادة السومة والمواس للتشكيلة، أو فرض أسماء معينة عليه، كما أنه منع أي شخصية من اقتحام معسكر المنتخب.
كوبر يمتلك عدة تجارب ناجحة مع مايوركا وفالنسيا، وحقق معهما كأس السوبر الإسباني، ونجح بالوصول لنهائي كأس الأمم الإفريقية مع المنتخب المصري 2017، ونهائيات كأس العام 2018.
درب كوبر المنتخب الأوزبكي بين عامي 2018- 2019، وهي نقطة إيجابية أيضاً قد تساعد في التغلب عليه في المباراة الافتتاحية، كونه يعلم جيداً نقاط ضعف وقوة أوزبكستان، فهل ينجح "منتخب سوريا" في كسر العقدة والتأهل للدور الثاني بكأس آسيا، أم أن تلك العقدة ستستمر لسنوات وسنوات؟