وصف الفنان والمسرحي السوري نوار بلبل، حالة المسرح في العقود الثلاثة السابقة للثورة السورية بأنها عقيمة، نتيجة إفراغها من مضمونها من قبل السلطة والحزب، مشيراً إلى أن حضور أي عمل مسرحي في تلك الفترة كان أشبه بـ "العقوبة".
جاء ذلك في ندوة حوارية مفتوحة عقدها منتدى حرمون الثقافي في إسطنبول، أمس الجمعة، استضافت الممثل والمخرج المسرحي نوّار بلبل الذي تحدث فيها عن المسرح السوري وأدواره وهواجسه، وسط حضور واسع من المهتمين بالشأن الثقافي والفني.
تناولت الندوة محاور عدة، أبرزها تطور المسرح السوري قبل عام 2011 وبعده، والتحديات التي يواجهها المسرح في الوقت الراهن. وسلطت الضوء على الأدوار المتعددة والمهمّة للمسرح في إثارة الأسئلة حول الحياة السياسية والاجتماعية والشخصية، وقدرته على التفاعل مع القضايا المسكوت عنها.
تدهور المسرح بعد مجازر حماة (1982)
قدّم بلبل ملخصاً عن تاريخ المسرح السوري، مشيراً إلى أن بداية الثمانينيات شهدت نهضة مسرحية حقيقية. وقال: "كان المسرح في سوريا بداية الثمانينيات مسرحاً حقيقياً، إذ كان يقدّم ويرفع ويطور"، وأضاف أن هذا الازدهار لم يستمرّ طويلاً، "فبعد ثورة حماة، بدأ المسرح يدخل في حالة من الفلترة والتعقيم والبسترة، وتحول إلى مسرح تزييني أكثر منه مسرحًا فاعلاً"، وفق تعبيره.
ولفت بلبل إلى أن مرحلة التسعينيات شهدت تدهور الحالة المسرحية، قائلاً: "في الفترة من 1995 حتى بداية الثورة السورية، كان حضور عرض مسرحي أشبه بعقوبة"، وعزا ذلك إلى السياسات التي اتبعها "حزب البعث العربي الاشتراكي" في سوريا.
وفي معرض حديثه عن أهمية المسرح، استشهد بلبل بالمقولة الشهيرة: "أعطِني مسرحاً أعطيكَ شعباً"، موضحاً أن هذه المقولة تحمل معاني أعمق مما يبدو للوهلة الأولى. وأضاف: "أعطِني مسرحاً يعني أعطني بنية تحتية؛ معاهد مسرحية، مسارح، أرضية لتشكيل المسرح، حرية، وديمقراطية..." وأكد العلاقة التبادلية بين المسرح والمجتمع، قائلاً: "المسرح يعلّم الناس، والناس هي التي تصنع المسرح".
إشكالية الحضور المسرحي لدى السوريين
تطرّق بلبل إلى تجربته في العروض خارج سوريا، مشيراً إلى أنه قدّم مسرحية (مولانا) في 80 عرضاً، كما قدّم مسرحية "إيغاليتيه" قبل أيام قليلة في مدينة إسطنبول التركية، وقبلها في مدن أوروبية أخرى، لكنه أبدى أسفه لعدم اهتمام السوريين في الخارج بحضور العروض المسرحية، وقال متسائلاً: "اليوم، السوريون غير مهتمّين بحضور عرض مسرحي، ولا نعرف أين الخلل، وما الذي يجذب الجمهور السوري الموجود في مختلف دول العالم".
وشدّد بلبل على أهمية التفكير النقدي بعد مشاهدة العروض المسرحية. ورأى أنه من الضروري أن نتأمل في العرض المسرحي بعد مشاهدته، علينا أن نفكّر فيه بعمق، ولو لليلة واحدة على الأقل، فإذا لم يترك العرض أثراً يدفعنا إلى التفكير، فهذا يعني أننا -صنّاعَ المسرح- لم ننجح في مهمتنا الأساسية، وهي تحفيز الجمهور على التفكير النقدي.
أثارت الندوة تفاعلاً ملموساً لدى الحضور الذين شاركوا في طرح الأسئلة وسلّطوا الضوء على العديد من القضايا المرتبطة بالمسرح السوري، داخل البلاد وخارجها. وأكّد الحوار الدور الحيوي للمسرح في تشكيل الوعي المجتمعي وقدرته على معالجة القضايا الحساسة بطرق إبداعية ومبتكرة، كما شدّد على ضرورة دعم المسرح السوري في المهجر.