التقى محمد الصباغ عائلته لأول مرة منذ 12 عاماً في مطار جدة، بعد رحلة لجوء طويلة وانقطاع سبل الاتصال بين الأهل والأقارب، في الوقت الذي اجتمعت فيه ندى عبد الرحيم مع والدتها وجدتها بعد غياب استمر 9 سنوات أيضاً.
منذ عام 2022، باتت مكة المكرمة مكاناً يلتقي فيه الناس بأحبابهم وذويهم مع تسهيلات الحصول على تأشيرة العمرة للسوريين المقيمين داخل أو خارج سوريا عبر مكاتب سياحية معتمدة من قبل الحكومة السعودية.
ومن نافل القول الإشارة إلى أن الجواز السوري لا يسمح لحامله دخول معظم دول العالم بدون تأشيرة، وبالطبع التقدم بطلب الحصول على تأشيرة لأي دولة أوروبية شبه مستحيل إلا بشروط كثيرة وأموال أكثر.
لكن تيسير شروط الذهاب إلى السعودية لأداء مناسك العمرة أتاح للكثير من السوريين فرصة اللقاء بأقاربهم المقيمين في المملكة، أو في تركيا ودول اللجوء الأخرى في حال كان لديهم جنسيات أخرى أو وثائق سفر خاصة باللاجئين.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" العديد من حالات لقاء العائلات والأقارب بأبنائهم وذويهم في أجواء عاطفية بعد سنوات طويلة من البعد والاغتراب، والذين تحدثوا بإسهاب عن التحديات التي واجهتهم في القدوم للسعودية والتكاليف المترتبة على ذلك فقط لأجل إمضاء أيام مع أحبتهم.
لم شمل
محمد الصباغ (33 عاماً) الذي غادر سوريا عام 2012 بعد اعتقال دام 4 أشهر تعرض فيه لكل أنواع التعذيب في فرع المنطقة العسكري بدمشق، وصل إلى تركيا وبعد عامين انطلق في رحلة لجوء جديدة إلى ألمانيا والتي استقر فيها وتزوج وحصل على جنسيتها أيضاً عام 2023.
وأضاف الصباغ لموقع "تلفزيون سوريا" أنه حاول جاهداً أن يأت بوالده ووالدته إلى ألمانيا أو إلى تركيا بعد حصوله على الجنسية لكن كلا البلدين لا يعطي فيزا دخول للسوريين.
وقال الصباغ: إن "العائلات السورية في حال يرثى له على جميع المقاييس، معظم تلك العائلات لديها أبناء وبنات خارج البلد ولكن لا يستطيعون رؤيتهم لأسباب أمنية بحتة، أي شخص سيعود سيتم اعتقاله وإن لم يمت بأحسن أحواله سيسحب للخدمة الإلزامية في جيش النظام وإن كان قد خدم قبل ذلك يُسحب لخدمة الاحتياط".
وأردف أن "بعض من يعرفهم دفعوا بدل الخدمة الإلزامية في جيش النظام 10 آلاف دولار لرؤية ذويهم عبر الذهاب إلى سوريا بالصيف"، ولكن ذلك فعل خاطئ بحسب الصباغ الذي بيّن أن "دفع البدل للنظام السوري هو جريمة أخلاقية، لأن من يدفع البدل يمول الجيش الذي يقتل أبناء بلده".
ولفت إلى أنه التقى مع أمه وأبيه إخوته في مدينة جدة القريبة من مكة، ثم أدوا معاً مناسك العمرة وبعد أيام بقرب الكعبة زاروا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وقضوا عدة أيام.
وبيّن أن والدته ووالده قدما إلى جدة عبر الطائرة من لبنان في عدة ساعات، أما بقية إخوته فسلكوا طريق البر بالباصات من دمشق إلى الأردن وصولاً إلى السعودية خلال يومين ونصف تقريباً.
وعن الفرحة بلقاء ابنها قالت أم محمد وهي تذرف دموعها لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "هذا اليوم كان يوم السعد بالنسبة لي، أحلى يوم وأغلى يوم على قلبي، يوم لقاء محمد، الله يجمع كل أم بأولادها، والله ما بعطي فرحتي لحدا".
وأضافت أم محمد "انتظار الفيزا كان صعب كتير علينا، يعني بقي الطلب شي 18 يوم، والله كل يوم أتصل وأسأل المكتب لحتى الحمد لله مشي الحال، وأجينا، رغم التكاليف الضخمة والمشقة بالسفر إلى لبنان والانتظار بمطار بيروت شي 9 ساعات، بس الحمد لله كان محمد عم ينتظرنا بجدة".
وأشارت إلى أن "الكثير من الأقارب باتوا يلجؤون إلى نفس الطريقة بالاجتماع بأبنائهم في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، فعدا عن أنها طقوس إيمانية جميلة، إلا أن صلة بالأهل وتجميع ذكريات لا تنسى أبداً".
"لقاء لا مثيل له"
ندى عبد الرحيم (42 عاماً) التي لجأت إلى لبنان عام 2014، وبعد عامين حصلت على حق اللجوء في كندا بصحبة عائلتها، حصلت عام 2022 على الجنسية الكندية، التقت بجدتها ووالدتها وإخوتها في جدة بالسعودية أيضاً، وأدوا جميعاً مناسك العمرة بمكة المكرمة.
وقالت عبد الرحيم لموقع "تلفزيون سوريا" إن لقاء والدتها وجدتها وإخوتها كان حلماً صعب المنال بالنسبة إليها، ولكن مع تيسير فيزا العمرة كان الأمر يسيراً إلى حد بعيد، خصوصاً أن عائلتها تقيم في جدة منذ أكثر من 13 عاماً.
وأضافت أنها حاولت زيارتهم بعد خروجها من سوريا إلى لبنان، ولكن كانت الزيارات مغلقة حينها والوضع المادي صعب جداً، ولكن الحمد لله بعد الحصول على الجنسية الكندية أصبح الأمر يسيراً للغاية.
ولفتت إلى أن "السوريين موجودون اليوم في كل بقاع العالم، ولم شملهم في مكة المكرمة، أمر غاية في الروعة. بالنسبة لي كان لقاء لا مثيل له، يعني أمي لم تكن تعرف أولادي إلا عبر اتصالات الفيديو والصور، لا يمكن تشبيه التواصل المباشر الذي حصل بين أمي وجدتي وأبنائي".
جدتها أم عمر البالغة من العمر 82 عاماً قبلت أن تحكي لموقع "تلفزيون سوريا" بضع كلمات عن لحظات اللقاء الأولى قائلة: "بصراحة لا يمكن وصف فرحتي بلقاء ندى وأطفالها، أمنياتي أن يلم الله شمل السوريين بكل مكان وأن نرجع إلى سوريا قريباً جميعاً وأن تكون لقاءاتنا في بيوتنا هناك".
وأضافت أم عمر بعيون دامعة "كانت أمنيتي قبل وفاتي أن أرى ندى وأبناءها وأعانقهم، وبعد تحقق الأمنية الأولى، بقي أن أعود إلى سوريا وأعيش ما تبقى لي من العمر هناك، سوريا لا تستحق ما جرى فيها بس الله عالظالم".
كيف يحصل السوري على تأشيرة العمرة؟
أول ما يحتاجه المقيم في مناطق سيطرة النظام السوري لأجل الذهاب إلى العمرة، هو الكثير من الأموال، حيث تصل كلفة العمرة للشخص الواحد بدءاً من 12 مليون ليرة سورية وصولاً إلى 25 مليون ليرة، بحسب حسام الآغا العامل في مكتب سياحي بدمشق.
وقال الآغا في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" إن تأشيرة العمرة من مناطق سيطرة النظام السوري تعد من بين الأصعب بالنسبة للسوريين، حيث أننا مضطرون لإرسال جوازات السفر إلى الأردن أو لبنان لاستخراج التأشيرة، وهو ما يزيد التكاليف على الجواز الواحد من 200 إلى 300 دولار بالحد الأدنى وسعر التأشيرة نحو 200 دولار وإجرة المكتب قرابة 100 إلى 200 دولار بحسب كل مكتب، وبذلك يتراوح سعر تأشيرة العمرة من داخل سوريا بين 600 إلى 750 دولاراً.
وأردف أن هناك العديد من رحلات العمرة بدأت تنطلق من دمشق إلى السعودية عبر باصات النقل، وهي رحلات شبيهة بالتي كانت تنظمها مكاتب السياحة والحج والعمرة في سوريا قبل عام 2011، حيث ينطلق الباص من دمشق إلى الأردن وصولاً إلى السعودية، حيث يقيمون في مكة المكرمة قرابة 9 أيام وفي المدينة المنورة 4 أيام.
وأشار إلى أن تأشيرة العمرة بحاجة إلى كفيل مواطن أو مقيم من المملكة العربية السعودية أو مكتب يتعهد فيه كفيله أو ضامنه بعدم مخالفة الزائر أو المعتمر لشروط الإقامة ومدتها.
وتسببت مخالفات تأشيرة العمرة للعديد من السوريين خلال الأشهر الماضية بإيقاف السفارات والقنصليات السعودية إصدار تأشيرة العمرة للسوريين أكثر من مرة ثم إعادة فتحها مجدداً.
ولتخفيف التكاليف يعمد السوريون الذين حصلوا على تأشيرة العمرة لعدم الذهاب في حملات وأفواج، خصوصاً من لديهم أقارب في المملكة حيث يقيمون في بيوتهم، فيبقى عليهم أجرة طريق الباص والذي يبدأ بـ 100 دولار من دمشق إلى الرياض أو جدة (و100 دولار أخرى من جدة إلى دمشق)، وبذلك تخف عليهم أجرة الفنادق والتي لا تقل عن 30 دولاراً في اليوم الواحد.
أما بالنسبة للمقيمين في تركيا، فشرط الحصول على تأشيرة العمرة للسوريين هو وجود إقامة سياحية أو عائلية أو طلابية صالحة وجواز سفر لا يقل عن 6 أشهر وصورتين بخلفية بيضاء وتكلفة لا تقل عن 200 دولار والرد يكون خلال أسبوع إلى 10 أيام عمل، وبالغالب تكون النتيجة إيجابية، بحسب أحمد الوافي العامل في مجال السياحة بإسطنبول.
وأضاف الوافي لموقع "تلفزيون سوريا"، أن من لديهم وثيقة الحماية المؤقتة "الكمليك" لا يحق لهم الذهاب للعمرة والعودة إلى تركيا، الاستثناء يشمل حجاج بيت الله الحرام فقط في موسم الحج بالتعاون بين دائرة الهجرة التركية واللجنة السورية للحج (التابعة للائتلاف الوطني السوري).