حمل نظام الأسد الولايات المتحدة بشكل خاص مسؤولية رفعه سعر ربطة الخبز بنسبة مئة بالمئة مبررا ذلك بالحصار الذي أدى إلى صعوبة تأمين مادة القمح، وارتفاع تكاليف نقله ومستلزمات إنتاج رغيف الخبز وأسعار أكياس النايلون المخصصة للخبز والصيانة للمخابز بحسب ما أعلنه زياد هزاع المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز.
واستبق رئيس مجلس الوزراء التابع للنظام حسين عرنوس قرار رفع سعر ربطة الخبز، بتصريح تمهيدي ولافت ويعد سابقة بالنسبة لسياسة الحكومات قال فيه إن كمية القمح المشتراة من البلاد ( 690 ألف طن من القمح) ، منها 300 ألف طن من الحسكة وإن شراء القمح بـ 280 دولارا أميركيا للطن الواحد لا تكفي سوى لشهر ونصف لإنتاج الخبز، والرغيف خط أحمر ولن يُمَسَّ إلا في الحدود البسيطة قس حين ذكر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل أن سوريا بحاجة إلى استيراد ما بين 180 و200 ألف طن من القمح شهريا.
النظام يختلق الذرائع من أجل رفع العقوبات عنه
ورأى المحلل الاقتصادي الدكتور زكريا ملاحفجي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا "أن النظام يهدف من خلال إلقاء اللوم على الخارج رفع عقوبات والحصول على مساعدات بذريعة أزمات الاحتياجات الغذائية التي هي أصلا معفاة من قوانين العقوبات المفروضة. فكل ذلك مناورات قذرة وعبث بمقدرات البلد وقوت الناس من أجل بقائه في الحكم ، وهو أصل كل البلاء والكوارث ويتحدث النظام عن نفاد الطحين في بلد أصلاً ينبغي أنه محقق الاكتفاء الذاتي الغذائي".
وأضاف ملاحفجي أن النظام بدأ الحديث عن نفاد مادة الطحين عقب أزمة الخبز وأزمة الوقود لا سيما بعد نفاد العملة الصعبة من المصرف المركزي وصرف كل الموارد باتجاه الحرب وتسليم وبيع الثروات والمعابر المائية لحلفائه ثم المتاجرة السياسية بقوت الناس، وبينما يرفض الروس بيع النظام القمح فإنه يزج بالموارد للحروب ويصرح عن قرب النفاد ويطلب رفع العقوبات فيضحي بالمواطن عبر نهب قدرات البلد للحرب.
وقال الدكتور مهيب صالحة عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة العربية الدولية سابقا إن العقوبات الأميركية في قانون قيصر أصبحت ذريعة النظام لرفع أسعار المواد الأساسية، وتابع "مع كل زيادة في أسعار السلع والخدمات ومع كل رفع جزئي أو كلي لدعم السلع الأساسية يلقي النظام اللوم على الخارج، في حين بدأت سلسلة تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية قبيل بدء عرض قانون قيصر على الكونغرس الأميركي بعدة أشهر وانعكست آثاره على السوق المحلية بشكل سريع ومفاجئ سواء بالنسبة لمضاعفة تكاليف الإنتاج والاستيراد أو النقل وغيرها أو الارتفاع الجنوني للأسعار".
وأضاف الدكتور صالحة "اليوم لا يتجاوز احتياطي البلاد من القمح 45 يوماً ما ينذر بكارثة غذائية يرافقها تذمر شعبي عارم لا تدرك الحكومة عواقبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإن وقائع السوق ومعدلات التضخم العالية تفضح فشل السياسات الحكومية الذريع في مواجهة الكوارث الاقتصادية التي في جزء كبير منها هي سببها ومفتعلها إذ إن هذه السياسات لا تخدم سوى قلة قليلة من المتنفذين والمتمولين والتجار الكبار، وطالما لم تدخل المسألة السورية مرحلة التسويات النهائية لجميع ملفاتها وبدء مرحلة إعادة الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم للمشاركة في إعادة الإعمار فإن الكارثة الاقتصادية سوف تستمر بوتائر أعلى وأسرع قد تدخل البلد في حالة موت سريري اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ".
المسؤولون الأميركيون يرفضون اتهامات النظام
ويرفض المسؤولون الأميركيون قبل صدور قانون قيصر في حزيران الماضي وبعده، اتهامات النظام بأن العقوبات التي أقرت بموجب قانون قيصر تطال السوريين، إذ أكد جويل رايبورن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لموقع تلفزيون سوريا في آب الماضي أن القانون يستهدف النظام حصرا ، وأن النظام هو من يروج إلى أن القانون يطال السوريين وقال: النظام هو من دمر سوريا اقتصاديا وقتل الالاف وهجر مئات الالاف وليس الأميركيين ..وهناك فريق كبير في واشنطن يتابع انعكاس العقوبات على سوريا ، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة "ستزيد مساعداتها الإنسانية للسوريين".
ويعجز النظام عن الانتقال من اقتصاديات الحرب والعنف إلى اقتصاديات منتجة ومن تحويل الموارد من عسكرية إلى إنتاجية، بينما لا تزال عجلة الإنتاج متوقفه يضاف إلى هذه الأزمات عامل الكورونا وتراجع سعر صرف الليرة وخروج ثروات البلاد الرئيسية عن سيطرة النظام في شرق الفرات وشمال سوريا ، وسداد الديون المترتبة عليها لروسيا وايران إضافة الى العقود التي استحوذوا عليها وازدياد الفساد.
لماذا كشف عرنوس أسرار الأمن الغذائي؟
وكان من المثير للإستغراب التصريحات التي أدلى بها رئيس حكومة النظام حسين عرنوس حول نفاد مخزون القمح خلال شهر ونصف، إذ يعد ذلك جزءا من الأمن الغذائي وليس معهودا لدى الحكومات أن تكشف مثل هذه المعلومات لأن من شأنها تهديد الاستقرار، إلا أنه من الواضح أن حديث عرنوس يهدف إلى ابتزاز الخارج وتحميله المسؤولية عن ممارسات النظام، بغض النظر عن انعكاس مثل هذه التصريحات على السوريين.
وكتب الدكتور نور الدين منى وزير الزراعة السابق والخبير لدى منظمة الأغذية والزراعة العالمية على صفحته على فيس بوك "إن التصريح الرسمي الحكومي يفتقد إلى أبسط المعارف الحقيقية في عالم الأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي؛ والأمن السياسي للدول. ولا أعتقد أن مسؤولاً سياسياً في أي بلد في العالم.. يُصرِّحُ بهذا الوضوح؛ ويكشف أوراقه عن مخزون الأمن الغذائي في بلده...فالكشف عن هذه الأسرار وبهذه الطريقة؛ وهذه البيانات والمعلومات؛ يترك أثاراً سلبية أيضاً من الهلع والخوف وزعزعة الاستقرار بين المواطنين؛ لتأمين الرغيف السوري. وللأسف بدأت بوادر ذلك !".
وأضاف الدكتور منى "ورد في تصريح رئيس الحكومة أن سعر الطن من القمح 280 دولارا أميركيا، بينما تشير بيانات بورصة القمح والسعر العالمي اليوم يترواح السعر بين 220 و240 دولارا للطن حسب نوع القمح ( قاسي – طري )؛ ومكان الإنتاج ومصدره. وهنا يتبادر إلى الذهن، كيف تدفع سوريا 280 دولار؟ والفرق هو أكثر من 40 دولارا للطن. أين يذهب هذا الفرق؟ ".
وقال الدكتور منى إن "المناقصات التي تمَّ على أساسها الشراء من روسيا هو 200 دولار ( قمح طري ).. بينما كان السعر العالمي وقتها بين 180-190 دولارا للطن الواحد. فأين تذهب أيضا هذه الفروق، ومن المستفيد؟".
اقرأ أيضا: بعد مضاعفة سعر الخبز في سوريا رسمياً.. المعتمدون يضاعفونه أيضاً
قلق وتوتر بين الأهالي بسبب أزمة الخبز
سادت مناطق سيطرة النظام حالة من القلق والتوتر، على خلفية أزمة الخبز وهو المادة الرئيسية للغذاء التي مازال من الممكن للأهالي الحصول عليها مقارنة مع مواد غذائية أخرى كاللحوم والأرز وغيرها، وهي التي حرم غالبيتهم منها بسبب عدم قدرتهم على شرائها، حيث بدت بودار الأزمة واضحة من خلال طوابير الأهالي أمام أفران العاصمة دمشق، نشرتها وسائل إعلام ومواقع إلكترونية، في حين توقفت عدة أفران للخبز عن العمل في غوطة دمشق الشرقية ومحافظة درعا ومن بينها أفران بلدات معربا وناحتة حسبما ذكر موقع تجمع أحرار حوران.
وبرأي سمير طويل الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي فإن النظام يبرهن كل يوم أنه يتخلى عن الأهالي ويرفع الدعم بشكل تدريجي، ورفع سعر الخبز سيزيد الأعباء عليهم مشيرا إلى أن نسبة التضخم ستتجاوز حدود الـ 3500 بالمئة وهو الفرق بين كتلة الرواتب وبين الأسعار بالسوق.
وأضاف طويل " حاول النظام في الفترة الماضية تنشيط السوق السوداء وإذلال الأهالي، من خلال الطوابير وعدم تزويد الأفران بمخصصاتها ومن الممكن يتبع خطوة زيادة سعر الخبز رفع الدعم عن هذه المادة وبقية المواد الأخرى إذ مهد لهذه الخطوة بأن أعطى منحة للعاملين بالدولة لامتصاص فورة المواطنين".
وتزداد أوضاع الأهالي سوءا بحيث تجاوزت نسبة الفقر نحو 90 في المئة من سكان سوريا، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" عن ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، في حزيران الماضي ،في حين قدرت جيسيكا لوسون من برنامج الأغذية العالمي لوكالة فرانس برس ارتفاع سعر السلة الغذائية التي يعتمدها برنامج الأغذية العالمية بنسبة 107 في المئة، بينما قالت إليزابيث بايرز المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي إن عدد من يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون خلال بضعة أشهر.
اقرأ أيضا: أزمة الخبز في سوريا.. عقوبة للسوريين وتمرير للصفقات