تعمل نساء سوريات شمال غربي سوريا في قيادة سيارات الأجرة، وتوصيل النساء والأطفال مقابل أجور بسيطة تؤمن دخلا لعائلاتهن، وقد لاقت هذه الظاهرة قبولاً واسعاً وانتقادات أيضا، حيث أقبلت كثير من النساء على التعامل مع تلك السائقات بدلاً من التعامل مع رجال التكاسي العامة.
قيادة التاكسي شمالي سوريا.. عمل للمرأة وخصوصية
وبحسب مدرِّبة القيادة الحاصلة على دبلوم مدرب محترف والمعتمدة من مديرية النقل السيدة (هدى قره محمد) فإنها قد درّبت كثيرا من النساء اللواتي لجأنَ بعد التدريب إلى شراء سيارات للعمل عليها، وقالت لموقع تلفزيون سوريا: "هناك نساء يفضّلن أن يكون سائق التكسي امرأة حفاظاً على خصوصيتهن ولأريحية المعاملة مع المرأة، كما أن هناك كثيرات تعملن في المناوبات المسائية في المشافي البعيدة عن مكان سكنها فتقوم بطلب توصيل من النساء اللواتي امتهنّ القيادة، ما يجعلها تشعر بالأمان والحرية أكثر".
بينما وضّحت المدرِّبة المعتمدة لدى مركز ثقة (روض عرجة) أن بعض النساء قد تعرضن للتحرُّش من قِبل أصحاب التكاسي الرجال، سواء التحرش المباشر أو الغير المباشر، وأضافت: "تعرضت بعض النساء لمختلف أنواع التحرش أثناء صعود تكسي يقودها ذكر، من خلال ألفاظ تحرشية أو نظرات عبر المرايا وأحياناً بلمس يدها أثناء استلامه الأجرة منها، ما جعل المرأة السورية تعتمد على نفسها في معظم الأمور".
معظم تلك السائقات يعملن على القيادة بهدف كسب رزق أطفالهن، هذا ما أشارت إليه السيدة السائقة (رغداء كاشور) التي أفادت لموقع تلفزيون سوريا: "أقوم بتربية أطفالي الأيتام وحدي، وحالتي المادية متدنية، فكرت بالعمل ضمن مهنة معقولة، فخطر ببالي أن أشتري سيارة وأقوم بنقل السيدات بالأجرة، في البداية قمت بمراسلة المدربة هدى قره محمد التي بذلت قصارى جهدها لتعليمي القيادة، فيما بعد قمت بشراء سيارة وبدأت بالعمل عليها".
تنقل رغداء الطلبات ضمن منطقة معرة مصرين وما حولها، وبحسب رغداء فإنها واجهت اعتراضات من قِبل أهلها وعائلتها على عملها، ولكنها أصرَّت على العمل، كما رافقتها بعض الانتقادات التي تجاوزتها، حيث أردفت: "في بداية عملي لاحظت استغراب الناس من عمل امرأة في توصيل الطلبات، ولكن بعد أن تعرَّفت عليَّ النساء عن قرب أصبحت كثيرات منهن يطلبن مني أن أقوم بإيصالهنّ إلى الأماكن التي يردن الذهاب إليها".
وتسعى رغداء إلى شراء سيارة كبيرة تساعدها في توصيل الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم.
انتقادات ومضايقات ذكورية
انتشرت في الآونة الأخيرة انتقادات واسعة حول قيادة النساء، حيث يؤمن بعض الرجال أن النساء اللواتي يمتهنَّ قيادة السيارات هنَّ المسبب الرئيسي لكل حادث في المنطقة، علماً أن كثيرا من الرجال يلاحقون السيدات السائقات لمحاولة إرباكهنَّ، وقد أكّدت هذا السيدة ميس عبد الكريم اقزيز التي قالت: "كنت إحدى المرات أقود باتجاه ساعة إدلب وكان الطريق من حقي بحسب أنظمة السير، لكن أحد السائقين الذكور حاول أن يزاحمني في الطريق وعندما لم أستجِب له أساء إليَّ بألفاظ غير لائقة، وذات مرة ركنت سيارتي جانباً لأنتظر زبونة؛ حينها جاء سائق تكسي عمومي وطلب مني أن أبتعد عن المكان لأنه يقوم بركن سيارته في نفس المكان".
تنقل السائقة (ميس) الطلبات إلى كافة أنحاء محافظة إدلب، وقد واجهت مضايقات من الذكور الذين يلاحظونها في الطرقات، كما أفادت: "تواجهني كل يوم انتقادات من الرجال الذين لا يؤمنون بدور المرأة، يقومون بمضايقتي أحياناً عن طريق حركات تتمثّل بمحاولات إخافتي أثناء القيادة، لذلك يتوجب على كل امرأة تقود السيارة أن تنتبه لمثل هذه التصرفات الصبيانية، دائماً أحاول أن أجعل ردة فعلي مدروسة تجنّباً لحصول أي حادث".
وبحسب ميس فإن الشرطة تقوم بمحاسبة من يقوم بإزعاج السيدات غالباً، كما تتمنى ميس لو أن هناك قانون سير يخالف الرجال الذين يقومون بمضايقة السائقات.
في حين بدأت السيدة: (إيمان حسن عز الدين) المهجّرة من مدينة حماة بعملها في مهنة القيادة في مدينة الباب انطلاقاً من متعة القيادة إلى جانب الحاجة المادية، وقد أفادت: "أعتبر أنني أقوم بتأمين حاجات منزلي وأولادي، بعد أن قام بعض الأشخاص الذين يمتلكون مكتب سيارات بإعطائي سيارة لأعمل عليها، وعندما يقوم أحد الزبائن بطلب شراء السيارة؛ يقومون بأخذها وإعطائي سيارة بديلة، سمعت انتقادات كثيرة مثل: (أنني أتشبه بالرجال) وغيرها".
وأوضّحت إيمان أن العمل في القيادة هو خيارها الوحيد لكسب لقمة عيشها، بعد وفاة زوجها حيث أصبحت المعيل الوحيد لأبنائها، وأردفت: "كل النساء بقولوا لي (نيالك يا أم عبد الغني)، بس أنا مو نيالي أبدا..! ما بيعرفوا بشو عم عدي وحس..".
تقبل اجتماعي لعمل المرأة
المدربة روض قالت لموقع تلفزيون سوريا إنها تلاحظ في الآونة الأخيرة إقبال كثير من النساء على تعلم القيادة، في ظل تقبُّل المجتمع -نوعاً ما- لعمل المرأة وتوظّفها، فهي تحتاج سيارة تنقلها إلى مكان عملها وتعيدها إلى منزلها دون التعرض لأي إساءة أو مضايقة، حيث هناك نساء يخضعن للتدريبات من أجل خدمة أنفسهن والاعتماد على سياراتهن الخاصة.
وتؤكد روض أن النساء اللواتي يقدن السيارات هنّ نساء يلتزمن بقوانين السير ويتمتعن بالهدوء كما تكون السائقة متيقِّظة دائماً تجنُّباً لحدوث أيّة مشكلة، بحُكم أن أي مشكلة أو خطأ يحدث أثناء قيادة المرأة سيجعل كل النساء السائقات يتعرضن للتنمر واستنكار أمر قيادتهن للسيارة بالمجمل، وبرأي روض فإن عصر السرعة يحتاج قضاء معظم الأعمال بسرعة، ونوَّهت إلى أن النساء يمتهنّ القيادة للحاجة وليس للترفيه.
وبرأي المدربة ميس فإن التطور الكبير الذي يشهده العالم جعل قيادة المرأة للسيارة أمرا بديهيا وليس ترفيهيا وشكليا، لأن عمل المرأة بات ضرورياً لاسيما بالنسبة للنساء اللواتي فقدن أزواجهن، وتؤكد ميس لموقع تلفزيون سوريا أن القيادة ليست حكراً على الرجال ولن تكون كذلك.