نتنياهو في الأمم المتحدة

2024.10.05 | 06:36 دمشق

51666666
+A
حجم الخط
-A

لم تبدُ دولة الاحتلال الإسرائيلي معزولة أكثر مما هي عليه اليوم، فحين كانت هناك مظاهرات احتجاجية ضدها في نيويورك في أثناء انعقاد اجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت هناك هتافات احتجاجية ومغادرة وفود دبلوماسية من القاعة مع بدء كلمة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إذ كانت القاعة شبه خالية بعد مغادرة وفود دول مثل تركيا وقطر والسعودية وإيران وفلسطين والكويت وباكستان وغيرها.

شكلت الصورة مثالًا لما ينبغي أن يتصاعد كظاهرة في زيادة وتكريس عزلة هذا الكيان المجرم.

وقف نتنياهو على منصة الأمم المتحدة بطريقته المتعجرفة المعهودة، مؤكدًا أمام منظمة دولية أُسست بالأصل لوقف الحروب وحقن الدماء وتحقيق السلم، ليؤكد على مسار استمرار الإبادة الجماعية والتصعيد وتوسعة الحرب وصولًا إلى ما يسميه النصر الكامل. يأتي نتنياهو هذه المرة بمسار تصعيد جديد؛ فإضافة إلى عدوانه على غزة، يخاطب نتنياهو العالم وهو يهاجم لبنان وينذره بحرب وتصعيد أكبر.

مع أن الأمم المتحدة كمنظمة باتت عاجزة عن القيام بدور فعّال تجاه الدول المارقة مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن مشهد انسحاب وفود العديد من الدول من قاعة الجمعية العامة مع بدء نتنياهو لكلمته كان مشهدًا غير مسبوق ويشير إلى حجم العزلة التي يعيشها الكيان الصهيوني حاليًا بعد انكشاف وجهه الحقيقي أمام معظم دول العالم. وحتى أولئك الذين صفقوا لنتنياهو هم أشخاص لا يمثلون وفودًا بل شخصيات تم استئجارها لتصفق له.

عرض نتنياهو خارطة تظهر فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ضمن ما يسمى إسرائيل.

في الحقيقة، كان انسحاب هذه الوفود اعتراضًا منها على وقوف مجرم الحرب نتنياهو ليعطي الدروس يمنة ويسرة ويداه ملطختان بدماء الأطفال والنساء. وكما يحلو لنتنياهو تصنيف الدول إلى محور خير ومحور شر، وبالتأكيد يعتبر نفسه والداعمين له محور الخير، إلا أن الحقيقة هي أن الأولى هو أن يُمنع مجرمو الحرب مثل نتنياهو ووزرائه من اعتلاء سدة المنظمات الدولية. وقد استغل نتنياهو هذه المنصة للهجوم على الأمم المتحدة نفسها ومسؤوليها وعلى محكمة الجنايات الدولية، قائلًا إن الأمم المتحدة أصبحت مهزلة مثيرة للازدراء. وقد مزق ممثل الاحتلال لدى الأمم المتحدة ميثاقها في تصرف فج سابقًا.

إن مشهد العزلة والمقاطعة هو المشهد الذي ينبغي أن يتعزز على جميع المستويات حتى يتم الضغط على دولة الاحتلال، وحتى تصحح المنظمات الدولية والدول المتعددة خطأ الاعتراف بدولة الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وفوق أراضيه.

نحن أمام مشهد عزلة وعجرفة في نفس الوقت؛ فبالرغم من هذه العزلة، لا يزال نتنياهو يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، إذ عرض نتنياهو خارطة تظهر فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ضمن ما يسمى إسرائيل. وأمام هذا التوحش الذي يمارسه جيش الاحتلال، وصف نتنياهو أعداءه بأنهم قتلة متوحشون. والمأساة الأكبر أن نتنياهو يتحدث في الأمم المتحدة في حين هو مطلوب القبض عليه بقرار من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لمسؤوليته عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

إن عزلة الكيان في تزايد، وعندما نجد شخصيات غربية ترفع شعارات من البحر إلى النهر وترى في إسرائيل دولة عنصرية يجب معاقبتها، لا يمكننا أن نستوعب ألا يكون العالم العربي رأس الحربة في تكريس عزلة هذا الكيان الغاصب.

يدرك نتنياهو خطر هذه العزلة، إذ قال إن عزل إسرائيل لا يزال وصمة في حق الأمم المتحدة حتى يتم التعامل مع إسرائيل كباقي البلدان. ومع ذلك، ما لم يقتنع به نتنياهو وحكومته وداعموه هو أن الاحتلال لا يمكن التعامل معه كدولة طبيعية، حتى لو نظر إلى نفسه وتصور نفسه دولة عادية. كل هذه التصورات اعتمدت على واقع ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي تغيرت كثير من ملامحه، وعلى تصورات عسكرية وأمنية تم الترويج لها، لكن ثبت أنها هشة، وحاليًا تلجأ دولة الاحتلال إلى مغامرات عسكرية باهظة الثمن لكي تغطي على هشاشتها، كما فعلت في غزة وبيروت، ومن المؤكد أن عزلتها ستزيد وربما تسير بنفسها إلى مزيد من الفشل.

إن عزلة الكيان في تزايد، وعندما نجد شخصيات غربية ترفع شعارات من البحر إلى النهر وترى في إسرائيل دولة عنصرية يجب معاقبتها، لا يمكننا أن نستوعب ألا يكون العالم العربي رأس الحربة في تكريس عزلة هذا الكيان الغاصب.