باعتراف إسرائيلي نادر، وإذعان إيراني رسمي، قصفت طائرات إسرائيلية، من المرجح أنها من طراز إف 35، مبنى القنصلية الإيرانية المكون من أربعة طوابق والملاصق للسفارة الإيرانية بدمشق، بعدة صواريخ في الأول من شهر أبريل الجاري، مما أدى لتدميره بالكامل، ومقتل عدد من قادة وضباط فيلق القدس ومساعديهم على الفور.
وأكدت وكالة رويترز بعد أقل من ساعة من ورود الأنباء العاجلة مصرع العميد حرس محمد رضا زاهدي، قائد عمليات بلاد الشام (سوريا ولبنان) في فيلق القدس. أو ما يطلق عليه "سباه سوريا" والتي تعني باللغة الفارسية قائد فيلق القدس في سوريا.
وادعت مواقع حكومية وشبه حكومية إيرانية في الساعات الأولى للحدث أن المبنى المستهدف هو مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، ويستخدم كـ "مقر لإقامة السفير الإيراني حسين أكبرى"، بالتزامن مع تأكيدات نشرتها وكالة أنباء الطلبة الإيرانية بعدم تعرض أكبري أو عائلته لأي أذى. في المقابل، ذهبت هيئة الإذاعة الإسرائيلية لوصف البناء المستهدف بالمقر العسكري للحرس الثوري الإيراني.
وبعد فترة وجيزة من تقديم السفير الإيراني لإحصائيات تقديرية لعدد القتلى ما بين خمسة إلى سبعة، متذرعاً بعمليات الإجلاء والإخلاء للحصول على أرقام دقيقة، جاء البيان الرسمي للعلاقات العامة للحرس الثوري الإيراني ليؤكد مقتل العميد حرس محمد رضا زاهدي، والعميد حرس محمد هادي حاج رحيمي، واصفاً إياهم بأحد "قادة وقدامى المحاربين في الدفاع المقدس وكبار المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا".
وأوضح بيان العلاقات العامة للحرس الثوري أن الاستهداف الصاروخي لمبنى القنصلية الإيرانية أودى بحياة خمسة آخرين من مستشاري وضباط زاهدي ورحيمي، وهم: (حسين أمان اللهي، سيد مهدي جلادتي، المهندس محسن صدقات، علي آغا بابايي، سيد علي صالحي روزبهاني).
العميد محمد رضا زاهدي.. مسؤول سباه سوريا
من بين القادة والمستشارين الإيرانيين السبعة المقتولين، يبرز اسمان للواجهة، في بيان العلاقات العامة للحرس الثوري، وفي المنافذ الإيرانية الأخرى بطبيعة الحال، وهما العميد حرس محمد رضا زاهدي، والعميد حرس محمد هادي حاجي رحيمي.
ويتحلى العميد محمد رضا زاهدي بتاريخ وسجل ميداني وأمني حافل يظهر موقعه الرفيع في سلسلة هرم القيادة العسكرية الإيرانية على جانبي الحدود.
ويعتبر العميد زاهدي أحد كبار القادة الإيرانيين خلال الحرب العراقية الإيرانية، وتدرجت أنشطته خلال حرب الثماني سنوات مع العراق على مستوى قيادة سرية وكتيبة ثم قائد لواء.
بعد ذلك، تولى قيادة القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني بين عامي 2005 و2008، وأوكلت له مع حفظ المنصب السابق قيادة مقر ثأر الله الأمني التابع للحرس الثوري، والمسؤول عن حماية طهران وتأمينها ضد أي انتفاضات شعبية.
بعد ذلك، تولى رئيس هيئة الأركان أو العمليات في الحرس الثوري الإيراني، قبل أن تبدأ رحلته الميدانية في "الشامات"، وفي سوريا بالتحديد كقائد لسباه سوريا (قائد فيلق القدس بسوريا) عام 2008 - 2009 على الأرجح.
بعد انطلاقة الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011، كان زاهدي المسؤول السابق عن تأمين العاصمة طهران، وصاحب الخبرة الأمنية والقمعية الحافلة، موجوداً بالفعل، ليتم تعزيز مقر فيلق القدس في بلاد الشام الموجود تحت سيطرته من خلال نشر عملاء متخصصين ضد السوريين.
في خضم ذلك، ذهب بعض قادة منظمة الباسيج والحرس الثوري الآخرين، الذين بات لديهم خبرات عملياتية وميدانية في حملات القمع الحكومية، بتنسيق وتوجيهات من قاسم سليماني إلى مقر سوريا لمساعدة الأسد في قمع الشعب السوري وقيادة العمليات العسكرية المستقبلية تحت قيادة زاهدي، حيث تم نشر بعض هؤلاء القادة مؤقتاً في سوريا والبعض الآخر بشكل دائم.
في المقابل، ينظر لزاهدي على أنه أحد الأعمدة الرئيسية للقيادة الإقليمية لفيلق القدس، أي أنه ضابط قيادي رفيع المستوى من وزن عبد الرضا شهلائي (قائد فيلق اليمن في قوة القدس)، أو من وزن مسكريان (قائد فيلق العراق، أو مقر رمضان المشرف على الميليشيات العراقية).
وتزداد القيمة المعرفية لشخصية زاهدي في سلسلة التراتبية العسكرية في فيلق القدس وعملياته خارج الحدود، عندما نعلم أن الحاجة العملياتية والميدانية له باتت في اطراد متزايد في أعقاب اغتيال قاسم سليماني والوفاة الغامضة لنائبه محمد حجازي، نظراً لخبراته الممتدة في الميدان لفترة طويلة وعلاقاته الإقليمية المتشعبة.
اللواء حاجي رحيمي... خليفة زاهدي بقدم عسكري أعلى منه
إلى جانب مقتل زاهدي، تم الإعلان إيرانياً عن سقوط "اللواء" محمد هادي حاجي رحيمي، الذي تقول مشرق نيوز إنه شغل منصب نائب منسق فيلق القدس في سوريا ولبنان، أي نائب لزاهدي، وهذا ما يضعه في مصاف المسؤول الإيراني الكبير الثالث في قوة القدس.
وتشير بعض المواقع الإيرانية إلى رتبة لواء لحاجي زاده، وهذا ما يضعه في وضع تنظيمي تنفيذي أو قدم عسكري أعلى من قائده المباشر زاهدي نفسه.
من غير المعلوم حتى الآن هل تم التأكيد على رتبة عميد لحاجي رحيمي عمداً من قبل العلاقات العامة للحرس الثوري الإيراني حتى لا تتم المطالبة بمستوى انتقام أعلى مما هو عليه الآن، أم أنه محض مصادفة إخبارية؟!
وفي الوقت الذي تنتشر فيه صور كثيرة للعميد زاهدي على وسائل الإعلام الإيرانية، لا توجد سوى صورتين نادرتين للواء رحيمي، أحدهما مع قاسم سليماني، والأخرى بجانب ضابط الحرس الثوري، وعضو فيلق القدس السابق في اليمن حسن ايرلو.
على ما يبدو، كان رحيمي أحد الأصدقاء المقربين من حسن إيرلو، سفير إيران لدى الحوثيين، والذي توفي في ظروف غامضة في ديسمبر 2021، إذ تنعاه هنا ابنته فاطمة إيرلو على حسابها على موقع X بقولها "أصبحنا أيتاماً مرتين". ومن المحتمل أن إيرلو ورحيمي كانا ينسقان نشاطاتهما المتباعدة إقليمياً مع نظام الأسد نظراً لارتباط كلا الشخصيتين بالساحة السورية واليمنية معاً.
وفي ذات السياق، أكدت وسائل إعلام إيرانية أخرى مقتل العميد حسين أمان اللهي، ابن مدينة اسلام شهر، وتم تقديمه على أنه تولى رئيس أركان فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، فرع سوريا ولبنان، مع عدد قليل من الصور المنشورة عنه.
از آخر مجلس شهدا را چیدند..!
— سیدحسین بهرامی (@sydhsyn89474) April 2, 2024
حضور شهید حسین امان اللهی در مراسم شبهای قدر در حرم مطهر حضرت رقیه سلاماللهعلیها pic.twitter.com/JMl8aGDYQ4