في ظل استمرار تدفق طالبي اللجوء القادمين من سوريا، تسعى مجموعة مكوّنة من ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، عبر وثيقة مشتركة نُشرت قبل أيام، ورغم معارضة الحكومة وغالبية الأحزاب في ألمانيا للمبادرة، إلا أن بعض السياسيين الألمان يدعون إلى إعادة النظر في العلاقات مع نظام الأسد.
وفي رسالة موجّهة إلى جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، قال ممثلو ثماني دول أوروبية إنّ "السوريين يواصلون مغادرة بلادهم بأعداد كبيرة، ما يشكّل ضغطاً إضافياً على الدول المجاورة، في فترة تزداد فيها حدة التوتر في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتدفق موجات جديدة من اللاجئين".
ومن بين أمور أخرى، تقترح هذه الدول "تعيين مبعوث خاص إلى سوريا لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جميع الأطراف السورية"، بحسب ورقة مناقشة قُدّمت في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل.
وبالإضافة إلى إيطاليا والنمسا، وقّعت على الورقة كرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا، في حين رفضت ألمانيا الانضمام.
غالبية الأحزاب في ألمانيا ترفض التطبيع
وكالة الأنباء الألمانية نقلت عن متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية التي يقودها حزب "الخضر"، أمس الإثنين، أنّه من الواضح أن حكومة النظام السوري "تواصل ارتكاب أخطر جرائم حقوق الإنسان ضد شعبها بشكل يومي، وطالما ظل هذا الوضع، لا يمكن أن نسعى صوب تطبيع العلاقات مع النظام السوري".
ووفقاً لصحيفة "دي فيلت" الألمانية فإنّ "غالبية الأحزاب في البرلمان الألماني ترفض المبادرة"، ويرى المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، نيلس شميد، أنّ النظام السوري، الذي يحافظ على بقائه من خلال تهريب المخدرات واستغلال الموارد القليلة "لا يمكن الوثوق فيه".
وأشار شميد إلى عدم وجود هياكل حكومية فعالة يمكن التعاون معها في سوريا، وبالتالي يشكّك بشأن إعادة التطبيع مع النظام، والاتفاق معه على عمليات الترحيل للأشخاص الذين يتمتّعون بحق الحماية الفرعية في ألمانيا، محذّراً من أن هؤلاء قد يتعرّضون للخطر والاختفاء في سجون النظام السوري.
بدوره، الحزب "الديمقراطي الحر" وهو شريك "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" في ائتلاف إشارة المرور الحاكم، يريد عدم انضمام ألمانيا إلى المبادرة، ومع ذلك، يرى المتحدث باسم السياسة الأوروبية للحزب توماس هاكر، أن "مراجعة السياسة الألمانية وتقييم طريقة التعامل مع سوريا ليس خطأً، إذ "لا يمكن استبعاد التعامل المباشر مع دول مثل سوريا أو أفغانستان لعقود من الزمن".
لكن في نفس الوقت يعتبر "هاكر" أنّ "الحوار مع الأسد هو مسألة معقّدة ومليئة بالتحديات، مما يعني أن أي انخراط إضافي يحتاج إلى توازن دقيق".
ما رأي أكبر كتلة معارضة؟
يورغن هارت، المتحدّث باسم السياسة الخارجية للمجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي (أكبر كتلة معارضة)، يرى أن "مبادرة دول الاتحاد الأوروبي الثمانية مضللة"، ويقول: "لن يكون هناك مستقبل سلمي لسوريا مع الأسد، فهو ليس شريكاً جديراً بالثقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، حيث تُختلس أموال المساعدات على نطاق واسع، كما أن سوريا في ظل الأسد تشكل تهديداً لإسرائيل".
ويُضيف هارت أنّ "أي محاولة لتعزيز أو تحسين موقف ديكتاتور مثل بشار الأسد لا يمكن تبريرها، وعلى الحكومة الألمانية أن تواصل سياستها المناهضة للأسد بشكل أكثر حزماً".
لكن في المقابل، فإن زميله في الحزب ماريو فويغت من ولاية تورينغن، دعا خلال مقابلة مع مجلة "شتيرن" إلى إلغاء الحظر العام على الترحيل إلى سوريا، مطالباً الحكومة الألمانية بـ"الدخول في حوار مع نظام الأسد على غرار بعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى".
أمّا المتحدثة باسم سياسة اللاجئين عن حزب اليسار في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، كلارا بونغر، فقالت لصحيفة "دي فيلت" إنّ "الاتحاد الأوروبي سيفقد مصداقيته إذا اقترب من نظام الأسد، وبالتالي لم يعد بإمكانه مطالبة الدول الأخرى بالالتزام بمعايير حقوق الإنسان".
وبالنسبة لـ"بونغر"، فإنّ "الاتفاقيات الجديدة مع الأسد ستكون غير مجدية، وبغض النظر عما ستنتجه المفاوضات مع النظام، فإن الناس سيستمرون في الفرار بسبب الوضع في البلاد".
اليمين المتطرف يؤيد "التطبيع مع الأسد"
بحسب "دي فيلت" فإنّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف يؤيد انضمام ألمانيا لمبادرة الدول الأوروبية الثمانية بشأن تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهو يدعم "جميع المبادرات التي توقف تدفق اللاجئين من سوريا وتسمح بعودة اللاجئين إلى بلادهم".
ويقول المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب "البديل" ماتياس موسدورف: "يجب على ألمانيا أن تقيم علاقات طبيعية مع سوريا على الفور، وأن تستبدل ترهات القيم برؤية واقعية للوضع، وأن تسعى للتوصل إلى اتفاقات ثنائية مع الأسد لحل مشكلة الهجرة من سوريا".
سوريا ماتزال غير آمنة
يوم الأحد الفائت، أفادت صحيفة "بيلد" بأنّ وزارة الخارجية الألمانية (حزب الخضر) خلصت في تقييم سرّي للوضع إلى أنّ "القتال متفاوت الشدة ما يزال مستمراً في جميع أنحاء سوريا، وبالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير موثوقة تتحدث عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والإعدامات التي طالت العائدين في الماضي"، كما أن الأمم المتحدة ما تزال ترى أن "ظروف العودة الآمنة للاجئين غير متوفرة".
من جهته، شدّد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون على أن سوريا ليست آمنة للسكان ولا حتى للاجئين العائدين، وقال في إحاطة أمام مجلس الأمن، قبل أيام، إنّ "سوريا مليئة بالجهات المسلحة والجماعات الإرهابية المدرجة على قوائم مجلس الأمن وجيوش أجنبية وخطوط مواجهة". مضيفاً أنّ "المدنيين لا يزالون ضحايا للعنف ويتعرضون لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ويعانون من حالة نزوح مستمرة وأوضاع إنسانية مزرية".
التطبيع الدولي مع النظام السوري
ويوم الجمعة الفائت، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، إنّ "روما قرّرت تعيين سفير لها في سوريا لتسليط الضوء عليها"، مما يجعلها أوّل دولة من مجموعة السبع تعيد إطلاق بعثتها الدبلوماسية لدى النظام السوري، منذ العام 2011.
وفي أيار من العام الماضي 2023، وافقت الجامعة العربية على استعادة النظام مقعد سوريا الشاغر، منذ تشرين الثاني 2011، وقبل يومين، قال الكرملين إنّ روسيا تعمل على تنسيق اجتماع بين بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكان الاتحاد الأوروبي قد قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري بعد حملة القمع الوحشية والجرائم التي ارتكبها ضد المتظاهرين، عام 2011، ووفقاً لمراقبين فإنّ مبادرة الدول الأوروبية الثمانية تأتي في إطار سلسلة من عمليات "التطبيع مع الأسد"، كما تأمل بعض دول الاتحاد أيضاً أن يؤدي ذلك على المدى الطويل إلى الحد من تدفق اللاجئين القادمين من سوريا.
يذكر أن هناك ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بالعاصمة دمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر، فيما لم يُقدم أي من شركاء إيطاليا في دول مجموعة السبع وهي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، على خطوة إعادة تعيين سفراء لها في سوريا.