تتخبط الحكومة اللبنانية فيما بينها في ملف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وذلك مع عودة الخطة التي وضعتها تحت عنوان "الترحيل الآمن" إلى النقطة صفر مع قرار وزير الخارجية عبد الله بو حبيب التنحي عن رئاسة الوفد الرسمي الذي كان من المفترض أن يحدد موعداً لزيارة دمشق عملاً بتكليف صادر عن مجلس الوزراء، بعد الزيارة التحضيرية التي قام بها وزير المهجرين عصام شرف الدين.
وقد اثار اعتذار بو حبيب بلبلة داخلية حيث استغرب عدد من الوزراء ضمن الوفد خطوة بو حبيب المتزامنة مع قرار الاتحاد الأوروبي بإبقاء النازحين في لبنان، لا سيما أن بو حبيب برّر اعتذاره بسبب "انشغالاته الكثيرة واجتماعاته المتواصلة".
زوبعة ردود الفعل على قرار وزير المغتربين، واتهامه بإضاعة الوقت وعرقلة الجهود المبذولة لإعادة اللاجئين، دفعت بالأخير يوم الثلاثاء إلى التراجع عن موقفه، إذ اجتمع مع القائم بأعمال سفارة النظام السوري في لبنان علي دغمان، بناءً على توجيهات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حيث أبلغه برغبة الحكومة تشكيل وفد من وزارة الخارجية والمغتربين لزيارة دمشق وإجراء مشاورات سياسية إقليمية ودولية، والبحث بالقضايا المشتركة ومنها قضية اللاجئين، إلّا أن ذلك لم يزل الالتباس الحاصل في موقف وزير الخارجية والعودة عنه فيما بعد.
مصالح خارجية أم حسابات سياسية؟
وفي حين تحاول الحكومة اللبنانية "إنعاش" هذا الملف بعد إفشال بو حبيب مهمة الوفد قبل أن تبدأ، إلّا أن اعتذار الأخير أتى ليزيد من الالتباسات حول موقفه، ما فتحَ الباب أمام اجتهادات عدة في تفسيره، خصوصاً أنه جاء بعد أيام قليلة من إعلان نص قرار "البرلمان الأوروبي"، الذي لم تهدأ حوله عاصفة الردود اللبنانية باعتباره دعماً لبقاء السوريين في لبنان، وتمهيدا لتوطينهم.
وبينما أكد بو حبيب أنّ انكفاءَه عن تَرؤس الوفد يعود إلى زحمة مواعيد وارتباطات، اعتبر البعض أن هذا التفسير غير مُقنع وأن موقف بو حبيب يعود بالدرجة الأولى إلى حسابات سياسية وهو ما دفعه إلى العودة عن قراره يوم أمس.
في السياق، لم يرق لوزير المهجرين عصام شرف الدين الذي يتابع ملف اللجوء تنحي وزير الخارجية ومن ثم تراجعه ليعلن ذهابه إلى دمشق خصوصاً بعد زيارته إلى القائم بأعمال النظام السوري في لبنان علي دغمان.
وقال شرف الدين لموقع تلفزيون سوريا إن ”موقف الوزير بو حبيب ليس بالمستغرب، ولكن الضرر الحاصل عن التأخر بإعلان التنحي أو الذهاب هو الحاصل على أرض الواقع"، وتابع: "كنا نتمنى لو كان قراره سلباً أو إيجاباً جاء في اليوم الأول للتكليف، لا سيما أنه على علاقة مميزة مع البرلمان الأوروبي ولديه مصالح خاصة يبدو أنه يبدّيها (يفضلها) على مصلحة الوطن".
ورأى أن "وزير الخارجية يدّعي أن عليه ضغط سفر وارتباطات وكأن هذا الملف ثانوي لا يستحق إضاعة يوم أو يومين من وقته".
وأكّد شرف الدين أن "ما حصل ليس بذلك الثقل الذي يؤثر على عرقلة هذا الملف، أو فرملة القرار بتعيين رئيس آخر للوفد، لكنّ المشكلة تكمن في أنّه تسبَّب في إضاعة فترة شهرين من الوقت، بعد التّكليف". لافتا إلى أنه "في حال تنحيه، سيتم التباحث يوم الإثنين خارج جدول أعمال مجلس الوزراء بتعيين رئيس جديد يقرره رئيس الحكومة ونحن نوافق عليه، وبالتالي نحن مستمرون بقرار زيارة سوريا".
وشدّد على أن "ملف اللجوء لم يعد إلى نقطة الصفر، ففي مثل هذه القضايا المفصلية والتاريخية يكون هناك أناس ضعفاء النفوس يرضخون لإملاءات خارجية والتاريخ سيحاسبهم"، مشيرا إلى أنه "ثمة أربعة أسماء مقترحة لرئاسة الوفد بدلا من الوزير بو حبيب، في حال بقي على قراره بعدم ترؤس الوفد".
ووصف شرف الدين قرار البرلمان الأوروبي بأنه "تعسفي وجائر ولديه مدلول سياسي، فهم يعتبرون لبنان مستعمرة"، مضيفاً: "الاتحاد والبرلمان الأوروبي يخطئان، نحن نطالبهم بسحب هذا القرار وسوف نعمل على ذلك، وكان من المفترض على نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية استدعاء السفراء لطلب الاعتذار منهم وسحب القرار"، مؤكدا على أن "القرار الأوروبي لم يؤثر على عمل الحكومة في ملف اللاجئين إنما يؤثر فقط على ضعفاء النفوس" وإنه "يحفزهم أكثر على التعاون مع الحكومة السورية في هذا الملف الإنساني من خلال إعادة المليونين نازح إلى بلادهم".
فشل محتم
على الرغم من أن الظروف بشكل عام لم تنضج بعد لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، يصرّ لبنان على تنفيذ خطته متحديًا إرادة المجتمع الدولي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) الرافضة للمطلب اللبناني حول تشكيل لجنة ثلاثية تضم لبنان والنظام السوري والمفوضية، علما أنه من الاستحالة تنفيذ خطة من هذا النوع على مستوى ثنائي، أما الأهم فهو عدم جاهزية سوريا لاستقبال اللاجئين، لوجستياً وجغرافياً وأمنياً.
في السياق، رأى مستشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” العميد المتقاعد والنائب السابق وهبي قاطيشا، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن اعتذار وزير الخارجية عن ترؤس الوفد في بادئ الأمر، يعود لأمرين، أولاً ضغط سياسي من التيار الوطني الحر على الوزير، تجنباً لخلق أي نقطة خلاف مع النظام السوري، وثانياً، ثمة ضغط من الحكومة اللبنانية بحد ذاتها فهي تدور بالفلك السوري، وبالتالي لا نية حقيقية لديها بالتحدث مع النظام بشأن إعادة النازحين.
وأضاف: "نتيجة لضغط الحكومة والتيار جاء اعتذار بو حبيب الطامح اليوم لأن يكون رئيساً للجمهورية في ظل الفراغ الرئاسي".
لا نية لإعادة اللاجئين
وعن خطة الحكومة المتعلقة باللجوء السوري، قال قاطيشا إن "جميع المواقف هي مظهرية وشعبوية لا توصل لنتيجة، وهي فقط لذر الرماد في العيون تجاوباً مع تصاعد الحملات السياسية ولمطالب من قبل السياديين بعودة السوريين بأي طريقة ممكنة، ولكن عملياً لا نية لإعادتهم قبل أن نقر بفشل هذه الخطة ".
وأكد أن النظام السوري "يتاجر بالنازحين ويستغلهم من خلال الضغط على لبنان والدول العربية والأوروبية لحل الأزمة السورية لتقاضي الأموال لإعادة الاعمار، فهو صحيح يبدي استعداده للتعاون مع الدولة اللبنانية في الملف إلّا أن الحقيقة مغايرة".
تخبط لبناني
من جهته، رأى عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله، أن "تخبط الدولة اللبنانية في التعاطي مع هذا الملف واضح، خاصة بعدما سمعناه من ردود فعل على قرار البرلمان الأوروبي، لذلك المطلوب إيجاد استراتيجية موحدة لبنانية واقعية منطقية للتعاطي مع هذا الملف على قاعدة عدم تحميل فقط المجتمع الدولي المسؤولية، إنما أيضا النظام السوري مسؤول عن عدم تسهيل عودة النازحين فهناك مسؤولية مشتركة ولكن ذلك لا يمكن من دون أن يكون هناك رؤية مشتركة في لبنان".
ورأى عبد الله أن "الاتحاد الأوروبي وسوريا غير جاهزين بعد، وثمة مماطلة من قبل الجانبين"، مشيراً إلى أن "المجتمع الدولي يحاول تأجيل معالجة الوقت حتى تتم التسوية السياسية في سوريا فهو لديه معايير محددة ولكنه للأسف بذلك يحمّل الدول المضيفة أعباء إضافية خاصة لبنان الذي يمر بأزمة غير مسبوقة، وفي الوقت نفسه النظام السوري يستخدم النازحين كأداة في محاولة لاستعادة الشرعية الدولية".
وشدّد على أن "الحكومات المتعاقبة فشلت بالتعاطي مع ملف النازحين منذ البداية، إذ فشلنا بوضع استراتيجية وخطة موحدة منذ 2011".
ومؤخراً شن الوزير بو حبيب هجوما على اللاجئين السوريين في لبنان قائلا إن "لبنان لا يمكن أن يتحول إلى بقعة واسعة للنازحين السوريين (..) نستقبل 1.5 مليون نازح سوري منذ بدء الصراع في سوريا، الأمر الذي أثر على اقتصادنا المحلي ومجتمعنا".
وتستمر معاناة اللاجئين السوريين في لبنان بسبب الضغوط التي تمارسها السلطات اللبنانية لإجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري.
وهاجمت عدة أطراف سياسية لبنانية قراراً صدر عن البرلمان الأوروبي يفيد بأن شروط العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم غير متوفرة، مشيراً إلى أن اللاجئين في لبنان فئة ضعيفة.
واعتبرت الأطراف السياسية اللبنانية أن قرار الاتحاد الأوروبي بدعم بقاء اللاجئين السوريين في لبنان هو قرار تعسفي ومسيّس، حسب ادعاءاتهم.