وصلت قافلة المهجرين من قرية أم باطنة في محافظة القنيطرة بالجنوب السوري فجر أمس السبت إلى محطتها الأخيرة، بمخيمات قرية دير حسان بريف إدلب الشمالي، بعد رحلة قاسية، ومعاناة كبيرة، نتيجة عدم السماح لهم بالدخول مباشرة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري، عبر معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب، وبقاء القافلة عالقة لمدة نحو 24 ساعة بين ساترين ترابيين، أحدهما لقوات نظام الأسد، وآخر للجيش الوطني، بالرغم من وجود حالات مرضية ضمن الحافلات، ووقوع حالات اختلاج لدى الأطفال بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ومنع الفيلق الثاني في الجيش الوطني حافلات المهجرين من الدخول إلى مدينة الباب، بعد أن عبرت آخر حواجز نظام الأسد، ووصلت إلى أعتاب معبر أبو الزندين في الساعة السابعة والنصف من مساء يوم الخميس الماضي، ليقضي المهجرون تلك الليلة داخل الباصات، رغم المناشدات والحراك الشعبي والمظاهرات التي نظمها ناشطون في الباب، للمطالبة بإدخال القافلة إلى المدينة.
وتصاعد الحراك الشعبي يوم الجمعة، حيث اتجه عشرات المدنيين والناشطين نحو المعبر، في محاولة لإجبار الفصيل القائم عليه - فرقة السلطان مراد في الجيش الوطني - على إدخال المهجرين، كونهم بحاجة للمواد الغذائية والماء والرعاية الصحية، لكن الفصيل المذكور استقدم تعزيزات عسكرية من مدينة الراعي، وانهال بالضرب على عدد من الناشطين، كما أطلق الرصاص على المتظاهرين.
وتحولت قضية المهجرين إلى مادة للتنافس، وفي حين رفض الجيش الوطني إدخال القافلة، أو أخّر عبورها - لأسباب لم يوضحها - سارع مكتب العلاقات الإعلامية في "حكومة الإنقاذ"، التابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، للإعلان عن استعداد الحكومة لاستقبال المهجرين، وتأمين سكن لهم.
ماذا حصل في معبر أبو الزندين؟
أفاد الناشط الإعلامي، مالك أبو عبيدة، بأن قافلة المهجرين من القنيطرة وصلت إلى محيط مدينة الباب مساء الخميس، ولم يسمح الجيش الوطني بدخولها، ما أثار حفيظة الأهالي، الذين نظموا عصياناً مدنياً، ومظاهرات للمطالبة بدخول الحافلات.
ويروي "أبو عبيدة" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن القائمين على معبر أبو الزندين، تذرعوا بداية بعدم وجود موافقة من الجانب التركي، على إدخال المهجرين، بسبب عدم وجود تنسيق مسبق بين تركيا وروسيا، إضافة للتذرع بعدم وجود تنسيق بين المهجرين أنفسهم، والفعاليات الموجودة في الشمال السوري، وهو ما نفاه "أبو عبيدة"، حيث أكد وجود تنسيق قبل 48 ساعة من انطلاق القافلة نحو الشمال.
وبعد بدء الحراك، تلقى الأهالي وعوداً من القائمين على المعبر بإدخال المهجرين، وقال "أبو عبيدة" إن الحراك تطور إلى عصيان مدني في المعبر بسبب كثرة الوعود والمماطلة، ليرد الفصيل المتمركز في المعبر بإطلاق النار على المدنيين، والاعتداء على عدة ناشطين من ضمنهم عمار نصار.
وأضاف: "بعد ذلك، أعلن القائمون على المعبر وصول الموافقة بدخول قافلة المهجرين، والبدء بإجراءات عبورهم إلى مدينة الباب، مثل فحص كورونا، وأخذ المعلومات الشخصية لكل فرد، وبعد دخولهم توجهوا إلى معبر الغزاوية الذي يفصل بين مناطق الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، برفقة عربات عسكرية تركية".
ما الوجهة الأساسية للمهجرين؟
بعد أن وصلت القافلة إلى مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"، بريف إدلب الشمالي، فُتح باب المقارنة بين طريقة استقبال كل طرف (الجيش الوطني - تحرير الشام)، للمهجرين، وبدأ النقاش حول ما إذا كان القرار بتوجههم إلى إدلب تركياً، أو أن ما جرى محاولة من الهيئة لتلميع صورتها وكسب "نقطة" وتعاطفاً شعبياً على حساب ما بدر من أحد فصائل الجيش الوطني.
وأكد الناشط "أبو عبيدة" أن وجهة القافلة لم تكن محافظة إدلب، وأن التنسيق مع المهجرين أفضى إلى دخولهم لمنطقة ريف حلب الشمالي الشرقي، وهو ما دفع الفعاليات المحلية لتجهيز أماكن لإقامتهم ومساعدات ومبالغ مالية.
وقال إن الجميع تفاجئ بإعلان حكومة "الإنقاذ"، استعدادها لاستقبال المهجرين، وقد أعقب ذلك بدقائق وصول الموافقة التركية على دخول القافلة، وتوجهها إلى إدلب.
هل يوجد تنسيق مسبق؟
حاول موقع تلفزيون سوريا معرفة الأسباب التي دفعت إدارة معبر أبو الزندين، إلى منع دخول المهجرين بشكل مباشر، وفيما إذا كان السبب هو "الإجراءات الأمنية" أو عدم وجود تنسيق، لكن مدير العلاقات العامة في الحكومة السورية المؤقتة، أشار إلى عدم وجود "إضافات" حول الموضوع.
ومع وصول القافلة إلى محيط مدينة الباب، أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن تشكيل لجنة لمتابعة الملف، مؤلفة من ياسر الحجي، ممثل رئيس الحكومة المؤقتة، وعبد الغني شوبك رئيس مجلس محافظة حلب الحرة، وعبد المجيد الفارس رئيس مجلس القنيطرة الحرة، ومحمد جلو ممثل وزارة الإدارة المحلية.
ومن مهام اللجنة التنسيق مع إدارة معبر أبو الزندين، ومع فرق الدفاع المدني السوري ومديرية الصحة ومنظومة الإسعاف لتأمين وصول المهجرين، وتقديم الاحتياجات اللازمة لهم.
وقال عبد المجيد الفارس، رئيس مجلس محافظة القنيطرة الحرة، لموقع تلفزيون سوريا: "قبل ثلاثة أيام من التهجير تواصلت مع الدكتور نصر الحريري رئيس الائتلاف وأعلمته بالأمر، وتواصلت مع الحكومة المؤقتة ومع محافظ حلب، والمجلس المحلي في مدينة جرابلس، كونه كان متوقعاً دخول القافلة عن طريق معبر جرابلس".
وتابع: "بعد التواصل مع أهل أم باطنة، أخبروني بأن الجانب الروسي أعلمهم، بأن الدخول سيكون عن طريق معبر أبو الزندين، ولذلك تواصلت مع المجلس المحلي في الباب، وقد أبدى استعداده للمساعدة، وتجهيز أماكن الإقامة واللوجستيات اللازمة".
هل تتصيد "تحرير الشام" بالماء العكر؟
فسّر كثيرون استقبال "هيئة تحرير الشام" للقافلة، على أنه محاولة من الهيئة لتأليب السكان في شمال غربي سوريا، على الجيش الوطني، وإظهار نفسها أنها الفصيل المنظّم، الذي يتخذ قراره من تلقاء نفسه، دون تلقي إملاءات من أي جهات أخرى.
وأوضح "الفارس" أن المكان المقرر لنقل المهجرين إليه، كان منطقة اليزيدية بالقرب من الباب، حيث تم تجهيز بناء لهم هناك، واستدرك بالقول: "لكن قبل دخول القافلة بدقائق، علمنا بأن المسؤول التركي قرر توجيه الحافلات إلى إدلب".
ويعتقد "الفارس" بوجود تنسيق تركي مع حكومة "الإنقاذ" بهذا الخصوص، وقال "إني حاولت جاهداً سؤال كل المسؤولين والمعنيين، ولكن للأسف ليس لديهم جواب، وما فهمته أن القرار تركي".
وذكر مدير العلاقات الإعلامية في حكومة "الإنقاذ"، ملهم الأحمد، لموقع تلفزيون سوريا، أن الحكومة استقبلت المهجرين، وأمنت مساكن لهم.
وبيّن مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري، حسن الدغيم، أن الجيش الوطني لم يرفض استقبال المهجرين من محافظة القنيطرة في "المناطق المحررة"، بل بذل كل جهده في تأمينهم.
وأشار خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن "تداخل الاعتبارات الإنسانية مع السياسية يربك المشهد ويدفع للوقوع بالخطأ في بعض التقديرات، فسياسياً ليس من السهل فتح باب التهجير للروس، لكي يهجروا ويطردوا من شاؤوا من شعبنا ويفرغوا البلاد للمجنسين الإيرانيين، ولو استسهلوا هذا لقاموا بعمليات تهجير يومية إذا ما وجدوا الأمر سهلاً ويسيراً".
وفي الوقت نفسه؛ ليست قوافل المهجرين هي المكان المناسب لإيصال الرسائل والاعتراض على العدو الروسي، بحسب "الدغيم"، الذي قال: "ونحن بكل صراحة نقدم الاعتبارات الإنسانية والثورية على السياسية، ولهذا قرر الجيش الوطني استقبال أهلنا المهجرين".
وأشار إلى أن "ما حدث من إشكاليات، هي نتيجة احتكاكات وتصرفات غير مسؤولة من بعض العناصر الذين تم تسليمهم للشرطة العسكرية والجهات القضائية لمحاسبتهم".
وعن ذهاب المهجرين لمحافظة إدلب، أكد "الدغيم" أن ذلك حقهم الطبيعي، وهي "أرضهم وفيها أهلهم وأقرباؤهم، وقد كان هناك تنسيق مسبق بين بعض العائلات لتصل إلى هناك".
وقال إنهم بمجرد وصولهم إلى إدلب، بطبيعة الحال، لو أرادوا في اليوم الثاني، التجول في المناطق المحررة طولها وعرضها، فلهم ذلك بحرية تامة".
وانطلقت قافلة المهجرين من القنيطرة، التي تضم 150 شخصاً (عوائل 30 مقاتلاً) من أهالي قرية أم باطنة بريف القنيطرة الأوسط، نحو الشمال السوري صباح الخميس الماضي، بموجب اتفاق توصلت إليه اللجنة المركزية في درعا بالإضافة إلى وجهاء من محافظات درعا والقنيطرة ودمشق، مع قوات الأسد في 15 أيار الجاري، نص على تهجير 30 شخصاً مع عائلاتهم، مقابل الإفراج عن شخصين من أهالي القرية معتقلين لدى قوات النظام، وذلك بعد أن هدد العميد "طلال العلي" رئيس فرع "سعسع" التابع للمخابرات العسكرية باقتحام القرية، إذا لم تتحقق مطالبه بتهجير المطلوبين وتفتيش البيوت والمزارع.