يرى كثير من السوريين أن كل القرائن، تشير إلى أن نظام الأسد هو من يقف وراء المجزرة، التي ارتكبت بحق عسكريين ومدنيين، خلال حفل تخرج دفعة من ضباط النظام في "الكلية الحربية" بمدينة حمص، وراح ضحيتها أكثر من مئة قتيل (حوالي نصفهم من النساء والأطفال)، وأكثر من مئتين وسبعين جريحاً، وأن المسيرات المستخدمة إيرانية الصنع، ما يشي بأن جهات إيرانية اشتركت مع نظام الأسد في تنفيذ الجريمة المروعة، وبالتالي فهي لا تخرج عن سياق توظيفها في حربه المستمرة، منذ 2011، ضد غالبية السوريين.
ما يدعم اتهام نظام الأسد بارتكاب هذه المجزرة، هو أن مدينة حمص تشهد استنفاراً أمنياً وعسكرياً، في كل مرةّ يجري فيها تخريج دفعة من الضباط، سواء في الكلية الحربية أم في غيرها من الكليات والمقار العسكرية، فضلاً عن أنها تقع في الجهة الغربية من مدينة حمص، ويجاورها عدد من الكليات والمنشآت العسكرية الأخرى، مثل كلية الشؤون الفنية وكلية المدرعات وكلية الإشارة ومدرسة الرياضة والإعداد البدني، ولا تبعد عنها كثيراً كلية الدفاع الجوي وأفواج من جيش النظام، فضلاً عن أن مدينة حمص، مثلها مثل باقي المدن السورية، تعجّ بالعديد من فروع أجهزة أمن واستخبارات النظام، وبالتالي كيف أمكن لعدد من المسيرات الوصول بسهولة كبيرة إلى هذه المنطقة الحساسة، واختراق كل أنظمة الدفاع الجوي، وأجهزة الرصد، بما فيها الأجهزة الروسية، وخاصة الرادارات، وفي مناسبة شهدت حضور وزير دفاع النظام إلى جانب مسؤولين آخرين. وهنا تطرح أسئلة أخرى عن أسباب غياب أجهزة إعلام النظام عن تغطية تفاصيل الحدث، وكذلك عن أسباب مسارعة وزير دفاع النظام والوفد المرافق له إلى مغادرة الحفل، فيما سارع الإعلام الروسي إلى تحديد وقت مغادرته الكلية قبيل وقوع المجزرة بوقت قصير.
يُبنى توجيه الاتهام إلى نظام الأسد على سوابق عديدة، لجأ فيها إلى ارتكاب جرائم ومجازر بحق سوريين من مختلف الانتماءات والمواقع حينما كان يتعرض لمآزق وأزمات، إذ سبق أن قام هذا النظام بتدبير وتنفيذ تفجير مبنى الأمن القومي السوري في دمشق، أو ما عُرف بتفجير "خلية الأزمة" في 18 تموز/ يوليو 2012، والذي قتل فيه وزير دفاع النظام في ذلك الوقت، داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، زوج بشرى شقيقة بشار الأسد، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي، ورئيس الخلية، معاون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية حسن تركماني، في حين أن وزير الداخلية محمد الشعار نجا بأعجوبة منه، وكذلك الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بخيتان. وشكل هذ التفجير حدثاً مفصلياً، اتجه بعده النظام نحو الإمعان في الحل العسكري التدميري ضد السوريين.
يُبنى توجيه الاتهام إلى نظام الأسد على سوابق عديدة، لجأ فيها إلى ارتكاب جرائم ومجازر بحق سوريين من مختلف الانتماءات والمواقع حينما كان يتعرض لمآزق وأزمات
تأتي المجزرة مع استمرار انتفاضة أهالي السويداء المستمرة ضد النظام منذ نحو شهرين، والتي تطالب بإسقاطه، وتطبيق القرار الأممي 2254، ووضعته في مأزق كبير، إلى جانب ارتفاع منسوب الانتقادات لممارساته، وتسببه بأوضاع معيشية كارثية للسوريين الموجودين في مناطق سيطرته، وظهور تململ بدأت ملامحه تخرج إلى العلن لدى بعض أبناء الساحل السوري، لذلك فإن هذا العمل الإرهابي يعزز إمكانية أن يكون النظام هو من دبرها بالتعاون مع أطراف إيرانية، كي يستخدمه ذريعة لتحويل أنظار حاضنته عن أوضاعهم الكارثية، والتغطية على انتفاضة السويداء، وبما يمكنه من إعادة ضبط حراك مناطق سيطرته، والتأكيد على أن الخطر ما يزال يداهمها، وأنه هو الضمان لأمن حاضنته الاجتماعية، على الرغم من كل الكوارث التي سببها.
لم يتأخر المحتجون في السويداء من توجيه أصابع الاتهام إلى النظام وإيران، فهي يعون جيداً ممارسات وألاعيب النظام، واستسهاله إراقة دماء السوريين، وقد سبق أن فضحوا اتفاقه مع تنظيم الدولة "داعش"، الذي تولى بموجبه تسهيل نقل المئات من عناصر هذا التنظيم الإرهابي إلى محافظتهم، مقابل شنهم هجمات دامية على أبناء المحافظة، عقاباً لهم على رفضهم إرسال أبنائهم إلى جيش النظام، كي يستخدمهم النظام وقوداً في حربه على السوريين.
لا يصمد اتهام نظام الأسد "التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة"، كونه اتهاما جاهزا لديه، وقابلا للتدوير والتوظيف، وقد استخدمه طوال سنوات عديدة للتستر على جرائمه وفظاعاته، التي لم تتوقف، واتخذه ذريعة كي يقصف المدنيين في المناطق الخارجة عن سلطته في الشمال السوري، استمراراً للنهج الإجرامي الذي يتبعه منذ الثورة السورية عام 2011.
يكشف واقع الأمر أن التنظيمات المقصودة (هئية تحرير الشام وأخواتها والفصائل السورية المدعومة من تركيا)، التي يريد نظام الأسد تلبيسها الجريمة، لا تمتلك مسيرات قادرة على قطع مسافات طويلة تمكنها من الوصول إلى حمص، ولا حمل كميات كبيرة من المتفجرات، والجهة الوحيدة التي تمتلكها هي إيران، وبالتالي، فإن محاولته التعمية والتستر على جريمته هي محاولة فاشلة بكل المعايير.
يريد نظام الأسد من هذه الجريمة خلط الأوراق في سوريا، والعودة إلى ورقة الشحن والتجييش الطائفي، التي سبق أن بنى عليها سرديات كثيرة، حيث لم يتوانَ عن اتهام كل من يعارضه، وخرج محتجاً على ممارساتها الاستبدادية، بالإرهاب، وتفنن في خلق طرق القتل الطائفي، ومارس أشكالاً من التطهير المذهبي، والتهجير القسري، فضلاً عن البراميل المتفجرة التي ألقى بوساتطها أطناناً من المتفجرات على رؤوس المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، بل ولم يتردد في استخدام الأسلحة الكيمياوية في ارتكاب المجازر. وكان يلقى كل الدعم والإسناد من نظام الملالي الميليشيوي في طهران، ونظام الاستبداد الروسي (البوتيني)، اللذين ساهما إلى جانب إسرائيل في حمايته، ومنع سقوطه في أكثر من مناسبة.
لم يواجه نظام الأسد أي رادع دولي أو أممي حيال الجرائم التي ارتكبها، لذلك استهل إراقة دماء السوريين، وها هو يتغول في ارتكاب مجزرة بحق ضباط، كان سيتخدمهم إما لقتل سوريين آخرين، أو لحماية مصانع المخدرات وطرق تهريبها، وليس من أجل قتال إسرائيل واسترجاع إقليم الجولان الذي تحتله منذ عقود عديدة.