في السنوات الأخيرة، برز اللوبي السوري في الولايات المتحدة كقوة مؤثرة تسعى لتحقيق تغييرات جذرية في السياسة الأميركية تجاه القضية السورية. يتألف هذا اللوبي من عدد من المنظمات السورية الأميركية التي تعمل بتناغم لتعزيز مصالح الشعب السوري ودعم قضيته في مواجهة النظام.
ومن خلال جهودها المستمرة، تمكنت هذه المنظمات من دفع الكونغرس لإصدار قوانين تستهدف النظام السوري وتفرض عليه عقوبات صارمة بهدف تقليص قدراته على قمع الشعب السوري. كان أبرزها قانون حماية المدنيين في سوريا (قيصر)، وقانون مكافحة الكبتاغون، إضافة إلى قانون مناهضة التطبيع الذي لم يكتب له النجاح بشكل كامل حتى الآن.
وبجانب الضغط السياسي، يلعب اللوبي السوري دوراً حيوياً على الصعيد الإنساني، حيث يسعى لتوفير الدعم والمساعدة للمتضررين من الحرب في سوريا. إذ تقوم هذه المنظمات بتنظيم حملات وجمع تبرعات، وتسعى لتعزيز الدعم الدولي لقضية اللاجئين السوريين والمجتمعات المتضررة داخل سوريا. ومن خلال هذه الجهود المزدوجة، يسعى اللوبي السوري إلى تحقيق توازن بين الضغط السياسي والمساعدة الإنسانية لضمان مستقبل أفضل للشعب السوري والضغط من أجل حل سياسي يضمن العدالة والسلام.
وللحديث عن آلية عمل هذا اللوبي ونشاطاته وآخر مستجدات الملف السوري في أروقة السياسية الأميركية، التقى موقع تلفزيون سوريا مع السياسي محمد علاء غانم، الذي يعتبر أحد أبرز الشخصيات السورية في الولايات المتحدة. وكان الحوار الآتي:
قصة اللوبي السوري في الولايات المتحدة
يقول غانم إن المنظمات السورية الأميركية أو مجموعات الضغط سعت منذ بداية الثورة لنقل صوت الشارع الثائر في سوريا وترجمة مطالبه إلى توصيات سياسية تقدمها وتطرحها على الساسة الأميركيين وإقناعهم بتبنيها. ومنذ بدأ اللوبي العمل في هذا المجال قبل نحو 13 عاماً، حتى اليوم، كان ينظر دائماً إلى ما يقوله الشارع وما ينادي ويطالب به.
وفي سبيل ذلك، جرى عقد الاجتماعات مع الناشطين والفاعلين السوريين، إضافة إلى زيارة الداخل السوري واللقاء مع المدنيين والعسكريين على الأرض واستخلاص مطالبهم وصياغتها بلغة من الممكن أن تلتقي مع المصالح الأميركية ومن ثم طرحها على الساسة الأميركيين والعمل عليها في الولايات المتحدة.
وفي البداية، كانت الفكرة هي مناصرة الشعب السوري، خاصة أن الجالية السورية في الولايات المتحدة هي جالية أميركية من أصول سورية. فأردنا أن نكون صوتاً للسوريين في البلد الذي له الثقل السياسي الأكبر في العالم.
وفي السنة الأولى، طالب اللوبي بشكل أساسي بتقديم الحماية والدعم للمدنيين السوريين الذين كانت آلة الفتك التابعة للأسد تنال منهم، بالإضافة إلى العمل على ضمان شرعية القضية السورية في الولايات المتحدة. لا سيما أنه كان من الممكن حدوث سيناريو آخر يتمثل بتبني الولايات المتحدة لرواية النظام، كالقول إن الثورة تريد تغيير الحكم بالقوة.
لكن الجالية السورية نجحت في إبراز شرعية هذه القضية، وسواء قدمت الولايات المتحدة دعماً كبيراً أو لم تقدم، فإنه لم يخرج أحد من الساسة الأميركيين ويقول إن النظام السوري جيد ومن خرج عليه مخربون. وعلى العكس، فإن أحد الرؤساء الأميركيين وصف بشار الأسد بالحيوان، بمعنى أنه نزع عنه الشرعية بالمطلق.
وبشكل عام، عمل اللوبي مع ناجين من المذابح الكيماوية وساعدهم على تقديم شهاداتهم في الكونغرس والأمم المتحدة. كما عمل على أشياء كثيرة، بعضها استجابت لها الولايات المتحدة وبعضها لم تستجب لها الإدارة الأميركية، مثل المطالبة بإنشاء منطقة حظر طيران، لكن إدارة أوباما رفضت ذلك وقامت فيما بعد بإقامة برنامج تسليح وتدريب جزء من المعارضة السورية، ومن ثم تم إجراء برنامج آخر لتسليح السوريين الراغبين في قتال تنظيم "داعش"، ولكن هذا الأمر فرطت به المعارضة السورية لأنها أرادت أن يكون البرنامج لمكافحة تنظيم داعش والنظام في آن واحد. وبالنهاية، ذهب البرنامج إلى وحدات حماية الشعب التي أصبحت لاحقاً "قوات سوريا الديمقراطية - قسد".
وهناك أشياء ربما لا يعلم الشعب السوري أننا استطعنا الحصول عليها، وكان من الممكن أن تمكن السوريين تمكيناً كبيراً وتجعل لهم شأناً وتجعل منهم شركاء لوزارة الدفاع الأميركية. ولكن للأسف، قيادات المعارضة فرطت بهذا الأمر بسبب قصر النظر، حيث كان لها شروط وطالبت الولايات المتحدة بتنفيذها مقابل الدخول في تلك الشراكة. لكن البنتاغون صبرت قرابة سنة ومن ثم نقلت البرنامج إلى وحدات حماية الشعب.
نقطة تحول
بعد سقوط حلب، حدث تغيير في الاستراتيجية، إذ اتجه النظام وروسيا وإيران إلى القول إن الأسد انتصر عسكرياً وإن الأمر حُسم ويجب أن تعود المياه إلى مجاريها وأن يحدث تطبيع للعلاقات مع النظام وتقديم الأموال لإعادة إعمار سوريا وكأن شيئاً لم يكن في سوريا، ولم يقتل النظام مليون مدني ولم يخنق الأطفال بالغاز ولم يلق البراميل على رؤوس المدنيين. لذلك، غيرت الجالية السورية من استراتيجيتها نحو منع ذلك من الحصول وتضييق الخناق على النظام، حيث بدأت العمل على مشروع قانون حماية المدنيين في سوريا "قيصر" الذي تم إقراره أواخر عام 2019.
مشروع مناهضة التطبيع مع الأسد وسبب رفض بايدن له
في عام 2018، دخلنا في مرحلة جديدة، حيث بدأت بعض الدول تسعى لإعادة العلاقات مع النظام السوري. لذلك، بدأنا سراً العمل على مشروع قانون مناهضة التطبيع، والذي خرج للعلن العام الماضي حيث تمت إجازته بأغلبية ساحقة وبدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ووصل إلى مراحل متقدمة. وحين شارف على النهاية، وبسبب مفاعيل القانون الحقيقية التي من شأنها أن تغير السياسة الأميركية تجاه سوريا، تدخلت إدارة بايدن وطلبت من مجلس الشيوخ عرقلة الأمر، لأن هذه الإدارة هي التي أعطت الإذن للدول التي طبعت مع النظام للقيام بذلك، والمشروع يعاكس ما قامت به، وإذا أُقر وأصبح قانوناً فسيغير السياسة الأميركية، وهو الأمر الذي تكرهه الإدارة.
ورغم العرقلة، فإنها لم تستطع أن تدمر المشروع، إنما أعاقته، ولكن هذه الإعاقة لم تصل إلى مستوى ما واجهه قانون "قيصر" من عراقيل كبيرة. ولكن بعد أكثر من ثلاث سنوات استطاع اللوبي السوري تذليل العقبات وإقراره، وبالتالي مشروع قانون مناهضة التطبيع عمره تقريباً سنة وشهران وما زالت هناك فرصة كبيرة لإقراره.
وأنا واثق من أن القانون سيتم إقراره، لأن عدد المشرعين الذين رعوا مشروع القانون والذين صوتوا بالإيجاب عليه يكاد يكون كل أعضاء مجلس النواب. معنى ذلك أن هناك قطاعات واسعة جداً في واشنطن غير راضية عن سياسة إدارة بايدن في سوريا، وهي صوتت لتغييرها. ورغم أن البيت الأبيض يستطيع أن يغير هذا الأمر شيئاً ما، فإنه لا يستطيع أن يمنعه لأن الدعم له في واشنطن كبير.
وهنا أشير إلى أن هذا الدعم لم يأت من فراغ، ولم يكن جاهزاً وقدّم على طبق من ذهب، إنما تمت صناعته عضواً عضواً. بمعنى أنه كان هناك عمل حثيث لقرابة سنة وتواصل حثيث جداً ويومي مع أعضاء مختلفين في الكونغرس واجتماعات في واشنطن وفي باقي الولايات لحين ضمان نجاح التصويت بأغلبية ساحقة، وعندذلك تم الطلب من رئيس مجلس النواب أن يطرحه للتصويت.
لو لم نبذل هذه الجهود ولم نبنِ تحالفاً مع الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين لدعم مشروع القانون، لم يكن ليكون موجوداً.
تحديات تواجه اللوبي السوري في أميركا
التحديات التي تواجه العمل السياسي السوري في الولايات المتحدة تنبع من ثقافتنا نحن السوريين. بمعنى أن الشعب السوري بشكل عام حُرِم منذ انقلاب البعث من ممارسة السياسة والنشاط الاجتماعي عموماً، لذلك كان معتاداً على العمل الخيري أكثر من النشاط السياسي، خاصة في الولايات المتحدة التي تواجه سياستها معارضة كبيرة لمواقفها ودعمها لأطراف معينة وتصرفاتها في العراق ودول أخرى. لذلك ينظرون للحكومة الأميركية بعين الشك والريبة، وهذا كان عائقاً، كون الغالبية لم تكن تريد أن تعمل ولم تكن مؤمنة بأن هذا العمل مجدٍ وتعتبره مضيعة للوقت والمال.
لكن كانت هناك فئة قليلة متنورة، وهذه الفئة أدركت أن عليها واجباً ليس كباقي الواجبات الملقاة على عاتق السوريين في باقي الدول، لأن النشاط في الولايات المتحدة من الممكن أن يؤثر على القرار الدولي بشكل عام وفي مصير الشعب السوري بشكل عام. هذه الفئة المتنورة كانت على الخطوط الأمامية في البداية، وهي التي عملت وساعدت ودعمت، وشيئاً فشيئاً حين أثبتت المنظمات السورية نجاعتها وظهرت نتائج ملحوظة، بدأت قطاعات أوسع تسمع عن العمل وتهتم به وتسعى لدعمه.
ورغم مرور أكثر من عقد من الزمن، ما زلنا في مرحلة يوجد فيها عدد كبير من السوريين الذين لا يؤمنون بالعمل وبجدواه وينظرون بعين الشك والريبة إلى كل شيء له علاقة بالسياسة بشكل عام والتعاون مع حكومة الولايات المتحدة بشكل خاص.
ولكن أيضاً، عدد المؤمنين بالعمل وبجدواه والفهم السياسي والإدراك السياسي أصبح أعمق، وبالتالي هناك تقدم في هذا المجال. الثقافة بشكل عام كانت عقبة، ولكن تم قطع شوط كبير وصار العمل أكثر حرفية ومهنية، وباتت هناك أنواع مختلفة من المنظمات في الولايات المتحدة برخص مختلفة، وكل منها مسموح له أن يعمل في شق معين.
لدينا جماعات تجمع المال للمرشحين السياسيين، وأخرى تلتقي المرشحين الرئاسيين والمرشحين للكونغرس. وبالتالي أصبح العمل يضاهي العمل الذي تقوم به الأقليات الأخرى في الولايات المتحدة، مثل اللوبي الأرمني وغيره. وهذا الأمر إلى مزيد من التحسن، لأنه مع مرور الأيام يثبت هذا العمل نفسه ويثبت نجاعته، والدليل على ذلك أن الأسد لم يصدر عنه أنه منزعج من المعارضة السورية وعملها، إلا أن عمل المنظمات السورية الأميركية أزعجه جداً وتحدث صراحة عن ذهاب السوريين إلى الكونغرس. هذا سيؤدي إلى استقطاب عدد أكبر من السوريين في الولايات المتحدة.
القوانين والتشريعات التي يعمل اللوبي السوري على تمريرها
الاستراتيجية دائماً تتبدل وتتغير بحسب معطيات الوضع السياسي والوضع في سوريا. فمثلاً، حين حول النظام سوريا إلى دولة مصنعة ومصدرة للمخدرات، بادرنا لمعالجة هذا الأمر سياسياً ضمن ما نستطيع. عملنا لسنتين حتى استطعنا إجازة مشروع قانون الكبتاغون.
إن وضع هذا الأمر على الأجندة الأميركية جرى بجهد سوري محض، حيث كانت إدارة بايدن مهملة لهذا الأمر بالمطلق ولا تلتفت له لا في التصريحات ولا في أجندة وبرنامج عملها. فأجبرناها بمفعول القانون أن تغير ذلك بعد إجازة "قانون الكبتاغون 1" الذي أجيز نهاية عام 2022، ومن ثم ألحقناه بعدة أشياء منها قانون الكبتاغون 2 وبمادة أخرى أضيفت إلى ميزانية وزارة الدفاع لها علاقة بالكبتاغون. كذلك تم فرض عقوبات على أقارب بشار الأسد من الضالعين بهذه التجارة وأصبح هذا الأمر موجوداً على أجندة العمل الأميركية.
نحن دوماً نسعى بحسب الحاجات في سوريا، وهناك أمور من زاوية أخرى، حين أرادت إدارة بايدن اقتطاع ميزانية منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، سعينا لتصحيح هذا الأمر وعلى أعلى المستويات، ونسعى دائماً لزيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تقدم للشعب السوري. استطعنا إضافة مادة إلى ميزانية وزارة الدفاع هذه السنة تجعل من منطقة شمال غربي سوريا منطقة مستحقة لنوع مختلف من الدعم يسمى إعادة الاستقرار، والذي هو مختلف عن الدعم الإنساني.
بعد إقراره نهاية هذا العام، ستصبح المنطقة مستحقة لهذا النوع من الدعم الذي كان يقدم طوال السنين الماضية بشكل حصري لمنطقة شمال شرقي سوريا وحرمت منه منطقة الشمال الغربي رغم وجود ملايين الناس ورغم حصول الزلزال.
هذا النوع من الدعم مختلف، يسعى لمساعدة الناس على إنشاء أعمال ووظائف وشق طرق وجسور، وقضية التعليم ودفع رواتب المدرسين وكل المشاريع التي تدرج تحت بند إعادة الاستقرار.
وبشكل عام، نحن نسعى لمساعدة السوريين مع تضييق الخناق على النظام والحفاظ على شرعية القضية مستمرة ومنع حكومة الولايات المتحدة من أن تصبح في يوم من الأيام حليفة للنظام. هذا العمل مهم جداً قامت به الجالية السورية، بالإضافة إلى نشاطها غير السياسي، وتحديداً الإنساني، كإنشاء قطاع صحي في المناطق المحررة وإنشاء مستشفيات ومستوصفات وإرسال الأطباء والفرق والبعثات الطبية. إضافة إلى عمل الجالية الإنساني، حيث يوجد عدد كبير جداً من المنظمات الإنسانية التي قدمت مئات الملايين خلال الفترة الماضية.
الجالية عملت عملاً جباراً وكبيراً على شتى القطاعات والمستويات، ولكن العمل السياسي هو الأهم رغم أهمية العمل الإنساني في مساعدة الناس على البقاء على قيد الحياة. ولكن في النهاية يجب أن يكون هناك عمل سياسي، لأنه بوسعه أولاً أن يحصل على مبالغ ضخمة جداً من الممكن أن تقدمها حكومات لا يقدر الأفراد العاديون على تقديمها. كما أن العمل السياسي من شأنه في يوم من الأيام، إذا تطور وأصبح أفضل، أن ينهي المأساة السورية والحاجة أصلاً للمساعدات الإنسانية وعدم تحويل سوريا إلى قضية إنسانية ونسيان أنها قضية سياسية. فالمأساة الإنسانية في سوريا هي ناتجة عن القضية السياسية، وبالتالي العمل على حلها وإنهائها وفتح صفحة جديدة لسوريا وتمكين أبنائها من العيش بكرامة هو العمل الأهم.
موقف إدارة بايدن من سوريا
بالنسبة لإدارة بايدن، للأسف أهملت الملف السوري، وتقريباً وضعته على الرف وغضت الطرف عن التطبيع. بل أعتقد أنها أعطت إذناً بقضية التطبيع. لذلك، نحن انتظرنا سنة تقريباً حين كانت هذه الإدارة جديدة وكنا ننتظر منها تبيان استراتيجيتها في سوريا. وبعد ذلك أدركنا أنها تريد قتل الملف السوري، ولذلك مباشرة بادرنا للعمل واستطعنا في السنتين الماضيتين خلق صوت سياسي أميركي رسمي من الحزبين ومن قطاعات كبيرة جداً معارضة لسياسة الإدارة، وليس فقط بالكلام بل بالقوانين، وهو غير راضٍ عنها. ويتحدث عن دول العالم ويقول لها إن الإدارات في الولايات المتحدة تتعاقب، بمعنى أنه إذا صار تغيير فلا تحسبوا أن السياسة الأميركية في سوريا هي ما تقوم به إدارة بايدن.
هذا الأمر هو ما نريده نحن، فعلى سبيل المثال حين يكون لدينا مشروع قانون ويصوت عليه 389 شخصاً من الحزبين بالإيجاب، وهو مشروع معارض لسياسة الإدارة، نفهم أن قطاعات واسعة في واشنطن غير راضية عن سياسة شخص واحد. وهذا الأمر يعتبر من أهم الإنجازات التي حققتها الجالية السورية في العامين الماضيين. وهذا الأمر يحتاج إلى الاستمرار في العمل، واستمرار الصوت الرسمي الأميركي بحاجة إلى أن يحاط بالعناية دائماً لأنه من الممكن أن تحدث انشقاقات. فهناك لوبي مناصر للثورة، ولوبي مناصر للنظام، والحرب سجال بيننا وبينهم. وأعتقد أن هذه الإدارة فهمت أن سياستها في سوريا غير مقبولة، لذلك اضطرت إلى التراجع شيئاً ما.
صلاحية قانون قيصر
بالنسبة لصلاحية قانون قيصر، فهي تنتهي مع نهاية هذا العام ونحن نسعى لتجديد القانون لأن شروطه ودواعيه ما زالت موجودة ولم تنتفِ، ولذلك يجب أن لا يُرفع سيف قيصر عن رقبة النظام.
ولأن كثيرين لم يقرؤوا نص القانون، فهم يعتقدون أن سبب البلاء هو قانون قيصر وليس النظام الذي دمر البلاد ودفع رؤوس الأموال إلى الهجرة منها. ولكن القانون حال بين النظام وبين الحصول على الجائزة الكبرى التي ينتظرها، وتقاسم غنائم المذبحة السورية على من عملوا معه بالتنكيل بالسوريين. كما أنه أدى إلى تدهور اقتصاد النظام بشكل كبير لدرجة أننا رأينا للمرة الأولى منذ خلاف حافظ ورفعت الأسد في الماضي حدوث انقسام داخل العائلة نفسها حين نشب الخلاف بين رامي مخلوف وبشار الأسد. هذا الخلاف لم يكن لينشأ لولا أن النظام تعرض لضائقة مالية.
وعلى لسان حلفاء النظام وفي مؤتمرات صحفية علنية، خرجوا وقالوا إن قانون قيصر يحول بينهم وبين تطبيع الأمور مع النظام وجعلها كما كانت في الماضي. فنعتبر ذلك نجاحاً كبيراً.
وحتى لا يقول قائل إن هذا القانون يؤثر على الشعب، نحن في كل شيء نعمل عليه يهمنا أمر الشعب السوري جداً ونقوم به لأجل الشعب السوري، ولأجل أن لا يتم تغذية آلية القتل التي قتلت مليون سوري حتى تعود بعد بضع سنين وتقتل مليون سوري آخر. لذلك، كل ما نقوم به وكل مشروع قانون نعمل عليه نتحرى ونحرص أشد الحرص أن لا يمس الشعب السوري والمساعدات الإنسانية التي يتم استثناؤها من كل شيء نعمل عليه.
وأكبر دليل على ذلك حين وقع الزلزال علقت الولايات المتحدة جميع العقوبات المفروضة على النظام لمدة ستة أشهر، ومع ذلك استمر انهيار الليرة السورية وبدلاً من أن يتحسن الوضع الاقتصادي الذي كان النظام يرجع تدهوره إلى العقوبات، تدهور بشكل أكبر لأن السبب الحقيقي هو فساد النظام وسوء إدارته وتولية اللصوص لمفاصل الدولة وسيطرة ضباط الأمن على المفاصل الاقتصادية والتشبيح على رجال الأعمال ودفعهم للهجرة، وهو ما أدى إلى تدهور الاقتصاد.
محاولات اختراق اللوبي السوري في أميركا
بالنسبة لجهود أسماء الأسد لاختراق اللوبي السوري في الولايات المتحدة، لا أعتقد أن هذا الأمر حقيقي أو له أساس من الصحة. ولو جرت هناك محاولة اختراق حقيقية لكنت أول من يعلم بها. وحقيقة لا أعلم ما هو المقصود بكلمة اختراق، ولسنا قلقين بشأن هذا الموضوع.
علاقة اللوبي السوري مع مؤسسات المعارضة الرسمية
بالنسبة لمؤسسات المعارضة السورية، في بداية الحراك الثوري السوري كان هناك تواصل كبير جداً مع الائتلاف في بداياته، ولكن سرعان ما انفضت الجالية السورية عن هذه الجهات لأنها لم ترقَ إلى مستوى اللحظة التاريخية السورية وكانت مشغولة في النزاعات الداخلية. علماً أننا سعينا لدعمها وسعينا لافتتاح مكتب للائتلاف في الولايات المتحدة، واستمر هذا الدعم حتى عام 2015 حيث توقف التنسيق الحقيقي حتى وقت قريب.
وفي الآونة الأخيرة، حضرنا للمرة الأولى المؤتمر الذي عقدته هيئة التفاوض في جنيف مؤخراً، ورأينا أن هناك محاولة جديدة للعمل ولمسنا أن هناك جدية في العمل، وهذا الأمر يسرنا. بالتالي، فإن الدعم يمكن أن يعود وتنسيق الجهود بين السوريين يمكن أن يتم استئنافه طالما أن هناك جهة لديها عمل حقيقي. فنحن جاهزون لمد يدنا لها.
على المستوى الشخصي، كنت سعيداً بحضور مؤتمر هيئة التفاوض لأنني لمست أن هناك جدية في العمل ونشاطاً حقيقياً، وهذا أمر جيد ومن شأنه أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2015.
توقعات السياسة الأميركية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة
نحن الآن قد لا نستطيع التكهن بالمستقبل، لكن من الممكن أن نكون مقبلين على تغيير في شهر تشرين الثاني المقبل. فإذا جرى تغيير في الإدارة بعد الانتخابات الأميركية، فمن الممكن أن تشهد سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا تغييراً كبيراً لأن الإدارة المقبلة سيكون لها أجندات أخرى وأولويات أخرى ونظرة أخرى للعالم. الجالية السورية الآن تتواصل مع الحملات الانتخابية لحملة بايدن وترامب، وجرت اجتماعات معها، وهناك محاولة لرصد هذا التغيير إن جرى والتعامل معه بما فيه مصلحة الشعب السوري.
رسائل للشعب السوري
الشعب السوري الآن صار موجوداً في جميع أرجاء العالم، ولم يعد الحال كما كان في الماضي عندما كان السوريون موجودين في الداخل فقط. وفي كل يوم تطالعنا إنجازات جديدة للسوريين كالتفوق الدراسي والعلمي والنجاح التجاري وغير ذلك. نحن ننظر إلى هذه الكوادر بأنها هي من ستبني سوريا المستقبل.
الرسالة للسوريين جميعاً هي: رغم أن النجاح الفردي مهم جداً، فإنه لن يضمن العزة والكرامة. السوريون الذين خرجوا وصاروا في جميع أرجاء العالم يعلمون أنه في النهاية، مهما بلغ مستوى النجاح الفردي، فإنه إن لم يكن اسم السوريين عزيزاً ومكانة السوريين عزيزة في الدول، فستبقى شعوب الأرض تنظر لنا نظرة غير جيدة. لذلك، الشيء الأهم هو النجاح الجماعي. نحن بحاجة لإتقان فن العمل الجماعي وممارسة ذلك، لا سيما أن أحد أهم أخطاء السوريين هي أنهم لا يجيدون العمل بعضهم مع بعض. على عكس النظام ومَنْ يعملُ معه، فهم يعملون بشكل جماعي بشكل جيد جداً، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لبقائهم حتى الآن.
نحن بحاجة لتغيير هذه الديناميكية، وهي لن تتغير مهما بلغ النجاح الفردي. فنحن بحاجة لاستعادة مكانة السوريين ومكانة الشعب السوري وتغيير نظرة العالم تجاههم، وهذا لن يكون إلا عن طريق العمل الجماعي.
الرسالة الأخرى هي أن العمل السياسي مهم جداً. السوريون الذين تركوا الحبل على الغارب ولم يبالوا حين تسلّم شخص مثل حافظ الأسد السلطة، للأسف دفعنا جميعنا ثمن ذلك، والثمن كان باهظاً، وكانت مذبحة سورية لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً. لذلك، العمل السياسي كونه يخص الشأن العام يجب أن لا يُترَك هكذا مَشاعاً، بل يجب أن يهتم به السوريون، وأن لا يكون التركيز فقط على التجارة والربح وجمع الثروات، لأن هذه الثروات يمكن أن تُدمّر بين عشية وضحاها ما لم يحافظ الشعب على نفسه سياسياً. نحن بحاجة إلى جيل جديد ليس فقط من الأطباء والمهندسين، وإنما جيل يفهم السياسة الدولية ويتقن العلوم السياسية والعلاقات الدولية والحقوق والقانون، لأن هؤلاء نستطيع أن نبني بهم دولة.
العمل السياسي والعودة إلى ما كنا عليه قبل قتل حزب البعث للحياة السياسية في سوريا عام 1963 هو أمر مهم جداً. يجب على العائلات السورية أن تحرص على أن يكون هناك فرد واحد في كل أسرة صغيرة متوجه إلى هذا التوجه، لأن تكرار الخطأ نفسه وتكرار القول إن السياسة نجاسة، سيجعلنا كالخراف التي يُسمَح لها أن ترعى شيئاً ما فتسمن شيئاً ما ومن ثَمَّ تُنحَر كما نُحِرنا عام 2011. على السوري أن لا يقول "عليّ نفسي" لأن البلاء حين ينزل يعمّ الجميع ولا يخصّ أفراداً معيّنين.
السوريون شعب ولَّاد ونحن فينا الخير وقادرون على أن نُصلح ما أفسده طغاة هذا العصر من النظام وأعوانه. نحن قادرون على استرجاع بلدنا التي سُرقت قبل أكثر من نصف قرن ودُمّرت وسُوّيت بالأرض، وإعادتها إلى المكانة الدولية التي تستحقها.