أما آن للتشاؤم أن يترجّل. بعيداً عن بطولة المقاومة الفلسطينية في القتال والتصدي. وبعيداً عن عمليات نوعية تم تنفيذها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. إلا أن القوة ليست صنواناً للعدل والحق.
في معايير العالم القائم ونظامه يبقى الانتصار "لقرار سياسي"، لا لبسالة شعب يطالب بحقه. ما يجري في قطاع غزة، كان قد سبقه ما جرى في سوريا. سوريا التي لم يثبت شعبها الثائر إلا كل معايير الصمود والتحمل والصبر على الأحمال والأثقال والمجازر وعمليات التهجير التي حصلت بطريقة ممنهجة على مرأى العالم. فيما بقي نظام بطش بشعبه بذريعة أن البديل لم يتوفر. ليتبين أن بقاءه يرتبط بمشروع ها هو يبقى ماثلاً أمام أعين الجميع من تهجير سوريا إلى تهجير غزة، وربما إنهاء القضية الفلسطينية.
على الرغم من الهدنة، والدخول في مفاوضات، إلا أن ثمة مشروعاً إسرائيلياً دولياً، لن يكون من السهل التخلي عنه، وإن تم تأجيله. وفي أحد أشكاله يحاكي ما كان مقترحاً سياسياً في السابق بصفقة القرن، في سبيل تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومناطقهم واختلاق مساحة جغرافية لهم وابتداع عاصمة جديدة. ها هو المشروع الذي تأخر سنوات يعاود الإطلالة برأسه، ويمكن تصفح ما يقوله الإسرائيليون وبعض الأميركيين للتأكد من ذلك.
الهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، تدمير ما تبقى من مقومات للحياة فيها، وربما يلتحق المشروع فيما بعد بالضفة الغربية.
لا يمتلك العرب سوى مواقف التنديد، بلا أي رؤية سياسية واضحة لبناء دولة فلسطينية، ثمة مواقف تصدر حول ضرورة الذهاب إلى حل الدولتين، بدون طرح أي سؤال أو تقديم أي جواب حول جغرافية الدولة الفلسطينية المستقلة ولا ديمغرافيتها. بينما لا تملك المقاومة الفلسطينية سوى شجاعة القتال والاستبسال في العمل العسكري بدون القدرة على استثماره سياسياً بما يخدم مشروع الدولة الفلسطينية، لأن القرار الدولي مناقض لمطالب الشعوب، وفق مقتضيات المصالح الاستراتيجية للدول.
ليس هذا الكلام، في سياق الاستسلام، لكنه ضروري لتوضيح الصورة، بحثاً عن إجابات أو عن مشاريع بديلة.
وللأسف، أن ما يجري في غزة كان قد سبقه ما حصل في سوريا التي هجّر نصف شعبها على مرأى العالم بدون أي ردة فعل. فيما لم يعد من أي أثر للدول في لبنان، سوريا، العراق واليمن. وهذا ما يدعو إلى التشاؤم في إمكانية الوصول إلى دولة فلسطينية، خصوصاً بعد كل المجازر التي ترتكبها إسرائيل وعمليات التهجير الممنهجة، والتي على ما يبدو أنها لن تتوقف على الرغم من الهدنة وبانتظار انتهائها. فيما الخوف أصبح مشروعاً بقوة على الضفة الغربية، لا سيما في ظل ضعف السلطة الفلسطينية، وصراعاتها وخلافاتها وانعدام الرؤية السياسية.
كل حرب خاضها العرب في سبيل فلسطين، كانت نتائجها عكسية. وكل ثورة فجرها العرب كانت تواجه بالحمم والبراكين في سبيل القضاء على الأحلام. وبالعودة بالذاكرة، فإن حرب الخليج الثانية، دفع ثمنها الفلسطينيون بقوة. والدخول السوري إلى جانب الأميركيين لتحرير الكويت أسهم بإضعاف الموقف الفلسطيني واستشراس النظام السوري وحافظ الأسد ضد ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما أجبر عرفات على الهرب سياسياً والاتجاه إلى أوسلو، وهي الاتفاقية التي لم يطبق منها شيء وتنامى على ضفافها وما بعد اغتيال إسحاق رابين اليمين الإسرائيلي الذي برز مؤخراً في أبرز تجلياته، والذي يسعى إلى القضاء على الفلسطينيين ككل، وفق معادلة الفلسطيني المقبول هو الفلسطيني المقتول.
ثورات الربيع العربي والتي انطوت على أحلام ومشاريع وطموحات مستقبلية سحقت في مهدها، وسحقها يعكس النتائج الواضحة في قطاع غزة، في استكمال مشروع التدمير والتهجير، والقضاء على ما تبقى من مشرق عربي. أسهم إجهاض الربيع العربي في سحق الشعوب العربية، على وقع تراجع الأدوار السياسية للدول العربية.
تقدّمت إيران، على وقع سياسة أميركية شرق أوسطية أنتجت فوضى أسهمت في تدمير الدول والمجتمعات، وهو ما لا تزال أميركا تغطيه، في مقابل تبرئة إيران من أي مسؤولية والبحث عن التفاوض معها. ما يعني أن المشروع مستكمل، في ظل انعدام أي مؤشر أو رؤية حول تصحيح الأميركيين لخطاياهم في المنطقة، وأقصى ما سيعودون إليه، هو "إيران منضبطة.. إسرائيل آمنة ومستقرة". أما العرب والذين آمنوا يوماً بمعادلة "الأرض مقابل السلام" فجاء من يردّ عليهم بـ"السلام عليكم".