بعد مرور عامين على التحقيقات، نظمت الجمعية المفتوحة لمبادرة العدالة ومنظمة الأرشيف السوري الحقوقية، أشمل تقرير استقصائي ظهر حتى اليوم حول مركز الدراسات والأبحاث العلمية في سوريا، وهو كيان يحتل جوهر برنامج الأسلحة الكيماوية بسوريا، حيث قدمت تلك المنظمتان تقريراً لفريق التحقيق وتقصي الحقائق الذي شكلته منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والذي يمثل هيئة تقص أممية، تعتمد على الآلية المستقلة والمحايدة والآلية المستقلة لدراسة جرائم الحرب في سوريا، كما تم تقديم هذا التقرير للمدعي العام الفرنسي عن جرائم الحرب، ولوحدة جرائم الحرب لدى مكتب النائب العام في ألمانيا، ولوزارة العدل الأميركية يوم الإثنين الماضي.
ويحتوي هذا التقرير على معلومات جديدة هو تنسيق وترتيب حكومة الأسد للهجمات التي استخدمت فيها مادة السارين وهو غاز أعصاب محرم ويعتبر استخدامه بمثابة جريمة حرب. وإضافة لذلك، يشتمل التقرير على معلومات تم الحصول عليها من قبل منشقين عن الحكومة وتسلط تلك المعلومات الضوء على محاولة سوريا إخفاء المواد التي تتصل بالأسلحة الكيماوية عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وذلك عبر نقلها من مقرات تابعة لمركز الأبحاث والدراسات العلمية في سوريا إلى مقر عسكري تابع للجيش السوري وذلك في عام 2013. ويقدم هذا التقرير أيضاً خيوطاً استقصائية تتصل بمواقع قام النظام من خلالها بتطوير وإنتاج الذخيرة الكيماوية التي استخدمت في الهجمات الفتاكة على بلدة اللطامنة في عام 2017.
صحيفة لوموند الفرنسية: نظام الأسد لم يفكك ترسانته الكيماوية
بعد اتفاق حل الترسانة الكيماوية لنظام الأسد، وادعاء حلها وتسليمها لمنظمة الأمم المتحدة لتفكيكها، عادت صحيفة لوموند لتكشف أن النظام في سوريا لم يتخل عن هذا البرنامج وأنه ما زال مستمراً فيه بالرغم من ادعائه حل البرنامج وتسليم ترسانته كاملة.
ونشرت صحيفة اللوموند الفرنسية، مقالاً بعنوان " الغوص في غياهب البرنامج الكيماوي السوري". تحدث عن إخفاء أسلحة، واغتيال موظفين "مشكوك فيهم"، واستيراد سري لمواد مؤثرة عصبياً. إذ كشف التقرير كيف التف النظام على اتفاق حل ترسانته النووية. وأشارت الصحيفة إلى بداية تمزق الحجاب الذي كان يغطي برنامج النظام في سوريا ويخفي تصنيعه للأسلحة الكيماوية.
وأضافت الصحيفة أنه في يوم 19 تشرين الأول / أكتوبر قامت منظمتان غير حكومتان متخصصتان بمكافحة التهرب من العقوبة في النزاع السوري، بتقديم تقرير حول آلية عمل برنامج تفكيك الترسانة الكيماوية السورية هذا.
وحصلت جريدة اللوموند على نسخة حصرية من التقرير، وأشارت إلى أن التقرير مؤلف من 90 صفحة، يكشف من خلالها تلاعب النظام بمنظمة منع الأسلحة الكيماوية المسؤولة عن مراقبة حل الترسانة الكيماوية السورية.
وتشير الصحيفة إلى اعتماد التقرير على تحليل مصادر مفتوحة واستعمال بيانات مستخرجة من سجل الأمم المتحدة وبالأخص اعتماده على شهادة خمسين موظفا سوريا انشقوا في السنوات الأخيرة، معظمهم كانوا موظفين في مركز الدراسات والبحوث العلمية، وهو الهيئة الحكومية المكلفة بتطوير التسليح السوري المشروع وغير المشروع، وهو ما يعطي كلامهم قيمة عالية جداً.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المصادر كشفت عن التركيبة غير المعروفة حتى الآن لهذا المجمع العسكري الصناعي، كما كشفت عن الخطط المتبعة من النظام ليضلل منظمة منع الأسلحة الكيماوية والمحافظة على قدرات هجومية في المجال الكيماوي.
وأوضحت الصحيفة أنه تم نقل قسم من مخزون الأسلحة والمواد الفتاكة إلى قواعد الحرس الجمهوري وهي قوات النخبة للنظام، بالإضافة إلى حوادث اعتقال وفي بعض الأحيان اغتيال الموظفين الذين يتم اعتبارهم "مشكوكا بهم". وإنشاء شعبة سرية لاستيراد المنتجات التي تدخل في تركيب العناصر السامة العصبية كالسارين.
وفي شهر تموز/يوليو منحت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حكومة الأسد مهلة مدتها تسعون يوماً للكشف عن مستودعات الأسلحة الكيماوية التي تضم منتجات وذخائر وأجهزة استخدمت في الهجمات التي نفذت على بلدة اللطامنة في 2017 حيث تم تطويرها وإنتاجها وتخزينها وحفظها بصورة عملية استعداداً لشحنها وتسليمها، وطلبت من سوريا أيضاً الإفصاح عن كل الأسلحة الكيماوية التي توجد بحوزتها في الوقت الراهن، بالإضافة إلى معامل إنتاج السلاح الكيماوي وغيرها من المرافق ذات الصلة. وفي الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، رفع المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقريراً أفاد بأن سوريا لم تمتثل لما طلب منها، ولم تقم بالتزاماتها المنصوص عليها في معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية.
وذكر ستيف كوستاس وهو كبير المختصين بالقانون لدى مبادرة العدالة بأن: "بحثنا أظهر بأن سوريا تحتفظ ببرنامج سلاح كيماوي قوي. لذا يجب أن تصر الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على محاسبة النظام في سوريا لعدم التزامه بصورة متواصلة بمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، كما ينبغي على الدول الأعضاء أن تطالب بدعم الجهود الساعية لمساءلة مرتكبي تلك الجرائم من الناحية الجنائية".
وأضاف هادي الخطيب مؤسس منظمة الأرشيف السوري بالقول: "لا بد أن تتم مقاضاة سائر مرتكبي الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا بصورة جنائية في نهاية الأمر، سواء أحصل ذلك عبر الأسس القانونية للنظام القضائي العالمي، أو ضمن محكمة دولية، أو غيرها من الآليات، أي أنه لا بد من محاسبة مجرمي الحرب".
يذكر أنه وقعت أكثر من 200 هجمة بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب السورية، معظمها حدث بعد هجمات السارين الشنيعة التي نفذتها حكومة الأسد في عام 2013 على مناطق المعارضة بريف دمشق، ما أدى لمقتل 1300 شخص تقريباً. وهنا تجدر الإشارة أنه خلال الحرب في سوريا قتل آلاف المدنيين بينهم أطفال بالأسلحة الكيماوية، كما أصبح عدد كبير ممن تعرضوا لتلك الهجمات يعانون من إعاقات وحالات نفسية سببها الصدمة وذلك على المدى البعيد.
وفي اجتماع من المقرر أن يعقد ابتداء من 30 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 4 كانون الأول/ديسمبر، ستناقش 193 دولة عضو في مؤتمر الدول الأطراف لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية عواقب عدم التزام سوريا بمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وهذا المؤتمر يتمتع بصلاحية الخروج بتوصيات حول إجراءات شاملة يمكن للدول أن تتخذها ضد حكومة الأسد كما يمكنه إحالة القضية للجمعية العمومية في الأمم المتحدة.
المصدر: جاستيس إينيشياتيف / صحيفة لوموند