icon
التغطية الحية

مناورة حزب الشعب الجمهوري برفض تمديد مهام الجيش التركي خارجيا.. الأسلوب والغايات

2021.10.29 | 13:51 دمشق

20210608_2_48659656_65879753-e1624378333118.jpg
إسطنبول - صالح عكيدي
+A
حجم الخط
-A

عارض حزب الشعب الجمهوري CHP، أكبر أحزاب المعارضة التركية، يوم الثلاثاء الماضي مذكرة تمديد عمليات ما وراء الحدود في كل من سوريا والعراق، ضمن التصويت الذي طرح في البرلمان التركي. لينضم بذلك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعدما كان الأخير الصوت الوحيد المعارض للمذكرة بين أحزاب المعارضة الرئيسية.

لم تمنع هذه المعارضة المذكرة من المرور ضمن البرلمان التركي، فأصوات الائتلاف الحاكم المتمثل بحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية تكفي لتمرير المذكرة في البرلمان، لكنها شكلت تطوراً غير مسبوق في السياسة الداخلية التركية. إذ حتى يوم أمس، لم يعارض حزب معارضة رئيسي (ما عدا حزب الشعوب الديمقراطي الكردي HDP لأسباب واضحة) ملفاً بهذا الثقل من منظور الأمن القومي ذي الحساسية العالية في الفكر الجمعي التركي.

تمثل هذه المعارضة للمذكرة، التي تعطي الشرعية الداخلية لوجود الجيش التركي في كل من سوريا والعراق، مناورة سياسية لا تخلو من المخاطر، فأردوغان ومعه الائتلاف الحاكم سيستغلون هذا الموقف لإعادة كسب أصواتٍ خسروها من المعسكرات القومية المشربة بالروح العسكرية. لذا اتسمت خطوة حزب الشعب الجمهوري بالحذر المدروس، فأعلن الحزب عن معارضته فقط قبل سويعات من مناقشة البرلمان، ولم يبذل أي جهد لسحب أحزاب معارضة إضافية لصفه، ودعم معارضته بقائمة مكتوبة من الأسئلة الموجهة للحكومة. 

أسئلة يصعب إجابتها

انتقى حزب الشعب الجمهوري بعناية 14 سؤالاً يوجهها للائتلاف الحاكم، ليبرر عبرها موقفه المعارض من المذكرة. وجاءت الأسئلة بصيغة مختصرة -ليسهل تداولها، ومجردة من سياقها – فيما يبدو لتبسيط إلقاء اللوم على الحكومة التركية.

وتساءل بعضها عن وجود سياسية واضحة للحكومة التركية في الشأن السوري بشكل عام، وعن التغيرات التي طرأت في السياسة منذ تاريخ تمرير أول مذكرة عبر البرلمان عام 2014، بالإضافة للسياسة التي تتبناها الحكومة لمنع موجات لجوء جديدة من سوريا.

وتساءلت مجموعة أخرى من الأسئلة عن مصير المنطقة الآمنة التي روجت لها الحكومة التركية منذ سنوات – بطول 145 كم وعمق 30 كم، وعن مشروع نقل اللاجئين السوريين إلى المنطقة نفسها.

واستفسرت بعض الأسئلة من ضمن القائمة، عن الآلية التي تؤمن فيها الحكومة أمن عناصر الجيش التركي وعن الجهات التي تستهدفها مؤخراً. كما سألت عن الطريقة التي ردت فيها الحكومة التركية على روسيا بعد حادثة استهداف الجيش التركي التي راح ضحيتها 33 عنصراً.

وركزت بقية الأسئلة على مسار مباحثات أستانا، من مصير الدوريات المشتركة على الطريقين الدوليين M4 وM5، وكذلك الوعود التي قطعتها الحكومة التركية بتطهير إدلب من "العناصر الإرهابية"، مرورا بالسؤال عن عدد أبراج المراقبة التي أفرغها الجيش التركي والسبب وراء ذلك.

طبيعة الأسئلة التي تداولها الإعلام التركي يوم أمس التي لا تعارض وجود الجيش التركي بشكل مباشر في سوريا بل تركز على مساءلة فاعلية السلطة التركية هناك، بالإضافة لعدم بذل جهد حقيقي لتجييش الرأي العام ضد المذكرة مسبقا؛ تكشف عن استراتيجية الحزب ضمن هذه المناورة. فحزب الشعب الجمهوري يلعب بحذر على وتر إحراج الحكومة التركية وإظهارها بمظهر المتخبط حتى في أكثر ملفاتها نجاحاً وثباتاً من المنظور الشعبي التركي -ملف الأمن القومي- إذ تحسب للسلطة الأقوى التي حكمت البلاد منذ عقود حسمها في خلق بيئة آمنة من التهديدات القومية.

مكاسب سياسية داخلية

أما المكاسب التي يسعى حزب الشعب الجمهوري لتحقيقها عبر هذه المناورة الجريئة فتكمن في محورين.

  1. الأول بيروقراطي: فمعارضة المذكرة استناداً إلى أسئلة مدروسة قد يلفت انتباه أقوى مؤسسة في الدولة التركية: الجيش، وبالتالي تقوية قنوات تواصل الحزب معه. ويأتي هذا السعي المفترض بعد سنوات منذ أن بدأ الجيش التركي بذل الجهود لإرضاء الحكومة التركية، لاستعادة الثقة التي تضررت مع محاولة الانقلاب الفاشلة.
  2. أما المحور الثاني فكان على الصعيد الشعبي، متمثلاً بكسب أصوات من القاعدة الشعبية الكردية التركية، والتي تتركز فيها أعلى نسبة معارضة لعمليات الجيش التركي في الشمال السوري. فقرار حزب الشعب الجمهوري رسم ابتسامة الرضى على الكثير من الجالسين في أحد المقاهي الكردية وسط إسطنبول، والتي ساقتني الصدفة لشرب الشاي فيها أثناء مشاهدة بث نقاش المذكرة في البرلمان عبر التلفاز مع الحاضرين.

ارتبطت التحركات التركية في الساحة السورية ارتباطاً وثيقاً بمجرياتها السياسية الداخلية. ومع اقتراب انتخابات 2023 المصيرية تزداد التوقعات المشيرة لخطوات حاسمة تقدم عليها الحكومة التركية في سوريا، لما ستحققه من مكاسب شعبية.

فهل يعطي نقد حزب الشعب الجمهوري المعارض الحكومةَ التركية المزيد من الدفع بهذا الاتجاه؟