أشاد النقاد بالفنان محمد حافظ لعمله الشهير: "UNPACKED" وهو عبارة عن مجسمات تصور اللاجئين وحياتهم التي تعطلت ولكن ضمن حقائب سفر. وفي مقهى فستق الجديد الذي أقامه في نيو هيفن الأميركية، يقوم هذا الرجل بتصوير بلده سوريا ولكن بصورة مختلفة وجديدة.
ظهر ذلك المقهى في شارع واللي حيث افتتح في أواخر الصيف الماضي بعدما حل محل أحد المقاهي تحت استوديو لوتا، إذ في مطلع عام 2020، ابتعد محمد بعض الشيء عن مهنته في الهندسة المعمارية والتي تتطلب الكثير، وأخذ يجهز معروضاته التي لم تعرض بسبب تفشي الجائحة.
ولهذا كان عندما يتوفر لديه شيء من وقت الفراغ فجأة، يلتقي بصديقيه لوقا وميستينا هانزكوم في استوديو لوتا، ليتحدثوا جميعاً عن فكرة إنشاء مقهى. وهكذا تعاون الثلاثة سوية على إنشاء ما أصبح يعرف لاحقاً باسم مقهى فستق، وهو ملتقى أقيم إجلالاً لمسقط رأس محمد والدول المحيطة بوطنه في الشرق الأوسط.
وعن هذا المقهى يخبرنا محمد فيقول: "إنه مكان يمكن للناس فيه أن يشعروا بأنهم انتقلوا خارج كونيتيكت إلى مكان أثيري ينتمي إلى لبنان وسوريا والمتوسط". ويتميز هذا المقهى بتصميمه وأثاثه الذي يتبع الطراز الباروكي الفرنسي، في إشارة إلى أثر الاستعمار الفرنسي على مدينته الأم، دمشق.
وبالرغم من بدئهم العمل في هذا المكان منذ أواسط شهر آذار الماضي، مع تمكن الجائحة من إغلاق المطاعم والمرافق التي تعنى بتقديم الأطعمة في تلك الولاية، إلا أن محمداً ذكر أنه لم يقلق كثيراً حيال التزامه بمشروع في وقت غريب وغامض، إذ يخبرنا عن ذلك فيقول: "عرفت أن الأمور أصبحت صعبة، إلا أن البيئة التي أتيت منها بيئة مؤسسات، تعلمت منها أن أبني ومن ثم سيأتي الآخرون لمشاهدة ما شيدته، كما أنني أؤمن بقوة التصميم، وقوة العناصر الجمالية وجمال المبنى".
يقدم ذلك المقهى المشروبات الساخنة التقليدية وتلك المثلجة التي تعتمد على قهوة الإسبريسو، إلى جانب القهوة التي تختلف طريقة تقديمها، إما في فناجين أو مع ركوة، بالإضافة إلى الشاي والمتة وأنواع قهوة خاصة بمقهى فستق، وتشمل القهوة السورية مع حب الهال الطازج المطحون، والقهوة التركية والقهوة البيضاء، التي تصنع من الحبوب المحمصة بعض الشيء، والتي أخبرنا عنها محمد بأنها معروفة بشكل كبير في دول الخليج، وتقدم كل تلك الأصناف مع قطع من البقلاوة أو التمر.
أما مجموعة الشاي الفاخرة فتضم أنواعاً من الشاي الأخضر والأحمر والمنكه بالفواكه، وأنواع معقدة وغريبة من اللاتيه، بنكهات مثل نكهة الورد، أو الهيل أو الخزامى، وتزين تلك الأنواع بالتوابل والزهورات المجففة.
ويعرض مقهى فستق أنواعاً من الحلويات المحشوة بالفستق، مثل البودينغ، وتشيزكيك، ومختلف أنواع الكعك، ومجموعة واسعة من البقلاوة، تشمل تلك المفضلة في الشرق الأوسط، إلى جانب الحلويات الرائجة في منطقة المتوسط.
وعن تلك الأنواع يحدثنا محمد ضاحكاً فيقول: "لدي مشكلة عويصة مع ضرسي الطيب"، إذ يفخر أيضاً بالبوظة التي يقدمها هذا المقهى، والتي تمثل اكتشافاً نادراً في الولايات المتحدة الأميركية، وهي تعتمد على وصفة تقليدية تحتاج إلى كثير من العمل اليدوي، حيث يتم ضرب المكونات بعصا خشبية داخل مبرد إلى أن تصل إلى القوام المطلوب، مع إضافة ماء الورد وكثير من الفستق المطحون.
وفي بداية افتتاح المقهى، كان محمد يقدم أطباقاً خاصة لوجبة الغداء، والتي وصفها بأنها تشبه: "طبخ الأمهات في البيوت"، ولكن مع تفاقم الأمور وزيادة تفشي الجائحة، اكتشف محمد بأن الناس يفضلون قائمة ثابتة، كونهم يبحثون عن أشياء مألوفة بالنسبة لهم يمكنهم أن يطلبوها من المقهى ثم يأتون سريعاً ليجلبوها.
وهكذا أقام مقهى فستق علاقة شراكة مع مخبز هول جي حتى يزوده بخبز طازج ومافن وكرواسان بصورة يومية، على أمل إعادة تجهيز القائمة الخاصة بمقهى فستق بنهاية شهر شباط حتى يتمكن من تقديم عناصر جديدة مثل السندويش والبانيني وأنواع مختلفة من الشوربات، كما يحب محمد أن يعرض أطباقاً خاصة في أيام عطلة نهاية الأسبوع، إلا أنه سيقوم بإطلاق القائمة الدائمة قبل كل شيء.
وبما أن القيود المفروضة بسبب انتشار كوفيد-19 ماتزال تؤثر على ارتياد أي مكان والجلوس داخله، لذا يتطلع محمد إلى الوقت الذي يمكن لزبائنه وضيوفه فيه أن يمضوا وقتاً طويلاً للتسلية داخل هذا المقهى، حيث يمكن للأصدقاء أن يلتقوا ويتحدثوا، كما يمكن للطلاب أن يقوموا بكتابة واجباتهم المنزلية، وذلك عندما يرحب هذا المكان بضيوفه من جديد حتى يقيموا تجمعاتهم واستقبالاتهم.
ويعلق محمد على ذلك بالقول: "لقد تم تصميم المكان بكامله من أجل المناسبات الاجتماعية، ولهذا فهو مكان أكثر من آمن، وسيتحول إلى مركز ثقافي يستقطب كثيرا من الناس".
هذا ويتلهف محمد لاستعراض "كرم الضيافة الموجود في حمضنا النووي وجيناتنا، والذي اشتهرنا به". إذ بوجود الخطاب السياسي الذي يرسم صورة سلبية عن المسلمين، والسوريين واللاجئين، خاصة خلال السنوات الأخيرة، يريد محمد للناس أن يكتشفوا الخبرة العربية في مجال الأطعمة والمشروبات التقليدية إلى جانب تعلمهم فكرة التعايش.
إذ يسهم الجدار الذي تظهر عليه أجهزة راديو معتقة في تعزيز فكرة القواسم المشتركة حسب رأي محمد، وذلك لأن الضيوف المنحدرين من أصول إيطالية أو يونانية مثلاً قد يتوقفون ليتعرفوا على جهاز الراديو الذي كان أحد أجدادهم يقتنيه، وعندها سيشعرون بهذا الخيط المشترك الذي يربط تلك الشعوب عندما يسمعون من محمد بأن عائلته كان لديها الجهاز عينه.
ويختتم محمد تلك الفكرة بالقول: "لا أنزعج إذا أتى أحدهم إلى هذا المكان واعتقد بأننا نشأنا في خيام ولم تصل إلينا الحضارة مطلقاً، فهذا لا يثير جنوني ولا أفقد أعصابي بسببه، بل يجعلني أعمل بجد أكبر حتى أتمكن من تغيير تلك الفكرة. ولهذا يجب على المرء أن يكون دقيقاً في هذا الموضوع، بل يجب عليه أن يتعامل معه بلطف وحسن ضيافة ومودة، وأن يسمح للآخرين بإجراء التغيير المنشود. فأنا لا أريد أن ألقي خطبة أشرح من خلالها لأحدهم عن المكان الذي أتيت منه، هذا باختصار جوهر كل ما أفعله، سواء أكان الأمر يتصل بفن العمارة أو بالفنون أو بمقهى فستق".
المصدر: نيو هيفن ريجستر