أُبلغ بعض المعلمين السوريين المتطوّعين في المدارس الحكومية التركية، خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بقرار فصلهم والاستغناء عن خدماتهم.
الإبلاغ "الشفهي" بالفصل صدر عن مديري المدارس التركية، التي سبق أن عينتهم فيها "دائرة التعليم مدى الحياة" التابعة لوزارة التربية والتعليم التركية، عقب نقلهم من "مراكز التعليم السورية المؤقتة" التي أغلقت تباعاً خلال تنفيذ خطة دمج الطلبة السوريين في التعليم الوطني التركي، منذ منتصف العام الدراسي 2016- 2017.
وبحسب منشورات تداولتها صفحات تواصل اجتماعي مختصة بالشأن التعليمي السوري والمعلمين السوريين في تركيا، تبيّن أن الفصل طال معلمين مقيمين في مختلف الولايات التركية، ومن كل الاختصاصات التعليمية والشهادات الأكاديمية، ومن الجنسين، كما شمل معلمين سوريين حاصلين على الجنسية التركية الاستثنائية.
أعداد المفصولين وتوزّعهم
تفاوتت أعداد المعلمين المفصولين ضمن كل ولاية تركية، وبهدف الحصول على عدد تقريبي نُشر رابط (فورم) في إحدى المجموعات التعليمية، خاص بالمعلمين المفصولين، يهدف إلى معرفة عددهم وأسباب فصلهم.
وبحسب الذين تواصلوا من خلال الرابط، تبيّن أن عدد المعلمين الذين أفصحوا عن تلقيهم قرار الفصل وصل حتى ساعة إعداد التقرير، لنحو 63 اسماً، موزعين على 21 ولاية، وهي الولايات التي كانت تضم مراكز تعليم مؤقتة في السابق، وتضم حالياً معلمين سوريين متطوعين.
العدد الأكبر جاء من نصيب ولاية إسطنبول (9 معلمين مفصولين)، بينما سُجّل في ولاية شانلي أورفا (7 حالات فصل)، وفي ولاية كيلس (6 حالات)، بينما شهدت بقية الولايات (4 حالات) وسطياً.
ويتوقّع أن يرتفع العدد خلال الأيام القادمة، بحسب المعلّم "مصطفى الحجّي" الذي يشير في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن بعض المعلمين والمعلمات لم يتم إبلاغهم بعد بقرار الفصل، وبعضهم الآخر لا يمتلك الجرأة للإفصاح عن فصله أو إثارة الموضوع أملاً في إلغاء القرار أو الحصول على سبب مقنع.
قرار جائر وأسباب متضاربة
المعلم "الحجي" مدرّس لغة إنكليزية ويحمل إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة حلب بالإضافة إلى دبلوم تأهيل تربوي، وهو أحد الذين طالهم الفصل في إسطنبول؛ يصف القرار بأنه "جائر وصادم ومبني على دوافع شخصية".
ويروي الحجي قصته مع المدرسة التي تم تعيينه فيها من قبل التربية التركية، في بداية العام الدراسي الفائت 2019- 2020، بعد إغلاق مركز التعليم المؤقت الذي كان يدرّس فيه منذ عام 2015.
يقول الحجي: "جاء تعييني مع زميل لي (مدرس تربية دينية) في مدرسة تعليم متوسط –ارتأينا عدم ذكر اسمها- بمنطقة "بهجة شهير" بإسطنبول، وبمجرد مباشرتنا للدوام في اليوم الأول، لم يتقبل المدير فكرة وجود معلمين سوريين متطوعين في مدرسته، وعلى الرغم من وصول كتاب رسمي بتعييننا، فإنه لم يتقبل الأمر مطلقاً وطردنا من المدرسة مراراً حتى لجأنا إلى التربية الفرعية التي فرضت عليه الأمر".
وبدل أن يتقبّل المدير واقع وجود المدرسَين الذي شرحته له المديرية، تفاقم الوضع أكثر من السابق، إذ راح يطلب منهما تارة الدوام لساعات إضافية تخالف ما نصّ عليه العقد التطوعي، وتارة يطلب منهما "مغادرة تركيا إلى الدول الأوروبية" لعدم رغبته بوجود معلمين "سوريين" في المدرسة.
"شرحنا لمديرية التربية ما نعانيه من الإدارة طالبين أكثر من مرة نقلنا إلى أية مدرسة أخرى، (وحصل موقع تلفزيون سوريا على نسخ من الخطابات الرسمية الموجهة للتربية وطلبات النقل من المدرسة)، ولكن المديرية كانت ترفض على الدوام" يقول الحجي، ويردف "وطلبت المديرية منا تقبل الأمر الواقع معللة أن عملية النقل صعبة".
بعد انتهاء العطلة الصيفية علم الحجي بقرار فصله من زميله في المدرسة، الذي أبلغه أن المدير رفع تقريراً للوزارة طالباً فصلهما بحجة الغياب خلال فترة إغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا، منذ منتصف آذار حتى نهاية العام الدراسي في حزيران، بحسب ما أفاد الحجي.
بماذا ردّت المديرية؟
زميل الحجي الذي فُصِل معه وأبلغه قرار الفصل، هو المدرّس "محمد بكّور"، ويحمل إجازة جامعية في العلوم الشرعية.
ومن جهته، يذكر بكور لموقع تلفزيون سوريا أنه لدى مراجعته مديرية التربية الفرعية للاستفسار حول قرار الفصل، تلقّى وعداً بمعالجة الأمر وحل القضية من خلال نقله مع زميله الحجي إلى مدرسة أخرى.
ويوضّح المعلّمان أنهما بقيا يتابعان مسألة النقل، كما وعدتهما التربية، إلا أنهما صدما في نهاية المطاف بأن اسميهما تمت إزالتهما من قيود المدرسة، بدون أي سابق إنذار أو علم بما كان يجري، وبدون إخطار رسمي بالفصل.
الفصل بحسب بكور والحجي "يخلو من أي حجة مهنية أو مبرر أخلاقي، لا سيما أننا لم نتغيب يوماً عن المدرسة إلا حين طُلب منا ذلك أثناء جائحة كورونا، ككل المعلمين الآخرين، بالإضافة إلى أننا وقعنا على تجديد العقد السنوي الاعتيادي في منتصف أيلول الماضي".
المعلم المتطوع ومنظمة "اليونسيف"
بلغ عدد المعلمين السوريين الموزعين على المدارس التركية بعد إغلاق المراكز المؤقتة، 12 ألفاً و352 معلماً. ما يقرب من ثلثهم تم توزيعهم على مدارس "إمام وخطيب" لتدريس مبادئ اللغة العربية للطلبة الأتراك بالإضافة للسوريين المدمجين، وبقية المدرسين تم توزيعهم على مختلف المدارس التركية الأخرى بصفة "مشرفين وموجهين" على الطلبة السوريين الموجودين داخل المدارس التركية.
وخطوة توزيع المعلمين جاءت بالاتفاق بين وزارة التربية التركية ومنظمة "اليونسيف" التي تكفّلت بدفع مرتبات شهرية (بدل تطوّع) للمعلمين السوريين منذ البدء بخطة دمج الطلبة السوريين، في بداية العام 2017.
وبلغ بدل التطوّع في السنة الأولى 900 ليرة تركية، وارتفع تدريجياً بصورة سنوية ليبلغ اليوم 2030 ليرة تركية يتم تحويلها من مكتب المنظمة في تركيا لحساب المعلمين عبر مؤسسة (ptt).
ومع تعرّض المعلمين للفصل، يكونون قد فقدوا موردهم الوحيد الذي يمكنهم من دفع أجور منازلهم على أقل تقدير.
مصير ينذر بالفجيعة
يعلّق مصطفى الحجي على قرار فصله الذي يصفه بأنه "تعسفي وظالم وغير منطقي" متسائلاً: "ماذا أفعل الآن وأنا المعيل الوحيد لعائلتي، خاصة في ظل كورونا وقلة فرص العمل؟".
في حين أن المعلّم "أحمد الأحمد" المقيم في "كيلس" وأحد المفصولين حديثاً، يكشف لموقع تلفزيون سوريا عن مدى انزعاج وغضب مدير مدرسته التركي حين علم بقرار فصله، مؤكداً أن علاقته مع الكادر التعليمي والإداري جيدة جداً ولم يَشُبها سوء خلال السنوات التي قضاها معهم.
ويلفت الأحمد إلى أن المدير تلقّى اتصالاً من تربية كيليس طلبت فيه إبلاغ المعلم الأحمد بضرورة مراجعة المديرية، وحين راجع الأحمد المديرية أبلغوه بقرار فصله "شفهياً" دون ذكر أي سبب على الإطلاق.
ولدى إخبار مدير المدرسة بموضوع القرار، يقول الأحمد: "صُدم المدير من سماع الخبر وأعرب عن شديد انزعاجه من قرار الفصل الوارد من الوزارة في العاصمة أنقرة، والذي يخلو من أي ذكر لأسباب الفصل".
ويعاني الأحمد من شلل في إحدى ساقيه، وله طفلة مريضة بالسرطان "وتتطلب مني السفر كل 3 أشهر للعلاج في أنقرة، ولا أدري ماذا أفعل الآن وقد انقطع مصدر دخلي الوحيد بالإضافة إلى عدم تمكني من العمل في مهنة أخرى غير مهنتي في التعليم".
ويختم الأحمد: "معاش اليونسيف كان يكفيني لدفع آجار منزلي وفواتيري بالكامل، ماذا أفعل الآن والشتاء على الأبواب؟ حسبنا الله ونعم الوكيل".
مسؤولون أتراك يبادرون للحل
المدير السابق لمخيم "نيزيب" للاجئين السوريين والمسؤول في منظمة IHH الإغاثية التركية، جلال ديمير، قال في منشور على حسابه في (فيس بوك) إنه تواصل مع "دائرة التعليم مدى الحياة" بهدف متابعة قضية المفصولين.
وأكّد في منشوره أن قائمة بأسماء المعلمين المفصولين سيتم رفعها إلى الدائرة للنظر فيها.
ولفت ديمير إلى أن قرارات الفصل الأخيرة تخص معلمين بذاتهم ولا تنطبق على البقية، مشيراً إلى وجود أسباب عديدة ذكر منها: عدم الالتزام بالدوام، ونقص في الأوراق الشخصية، والتعامل غير المناسب، وأمور متعلقة بالقضاء، والإخلال في بنود العقد الأخلاقي، بالإضافة إلى التغيب عن المدرسة بدون إذن، وعدم وجود شهادة اللغة التركية مستوى A2.
ويعد ديمير من الشخصيات التركية المقرّبة من اللاجئين السوريين، وغالباً ما يتابع قضاياهم ويطرح الإشكالات التي يتعرضون لها أمام الجهات المعنية.