في أول خطوة من نوعها، تنوي السلطات الهولندية إلغاء تصاريح الإقامة وفرض حظر دخول البلاد لثلاثة لاجئين سوريين يقضون عقوباتهم حالياً، ولكن اعتبار سوريا "بلدا غير آمن" جعل إعادتهم إليها أمرا صعبا.
وذكرت وسائل إعلام هولندية أن دائرة الهجرة والجنسية "IND" تريد إلغاء تصاريح الإقامة الخاصة وفرض حظر دخول على ثلاثة سوريين يقضون عقوباتهم في السجن.
كيف يتعامل القانون الهولندي مع اللاجئين السوريين المدانين؟
وبحسب ما ذكرت صحيفة "دا كانتيكينيغ" الهولندية فإن رجلان أدينا بتهمة "الشروع في القتل" أما الثالث فُحكم عليه بالسجن والعلاج الإجباري بتهمة القتل، والقضايا الثلاثة منفصلة تتعلق بإجراء "الترحيل" وهذا يعني أنه يجب على الثلاثة مغادرة هولندا بمجرد إطلاق سراحهم.
ويعيش الثلاثة في هولندا منذ أكثر من خمس سنوات وقد جاءت عائلاتهم من سوريا إلى هولندا، بعد أن فروا من سوريا بسبب الخطر المباشر على حياتهم، وكانوا ضحايا الاختطاف والاعتداء كما قُتل شقيق أحدهم على يد قوات النظام السوري.
ووفقاً لتقرير رسمي صدر مؤخراً عن وزارة الخارجية الهولندية، ما تزال سوريا تشكل خطورة كبيرة على العائدين إليها، وهذا التقرير الرسمي هو الأساس الذي تقوم على أساسه مصلحة الهجرة والتجنيس بتقييم طلبات اللجوء وتقرر الترحيل.
وبالنسبة للسوريين الثلاثة فهذا يعني أنهم غير مجبرين على المغادرة إلى سوريا، لكن لا يُسمح لهم أيضاً بالبقاء في هولندا ما يعني بقائهم في هولندا بشكل "غير قانوني" بمجرد خروجهم من السجن.
ويعني بقاؤهم بشكل غير قانوني أنه لا يحق لهم الحصول على أي شيء ولا يمكنهم الحصول على تأمين أو الحصول على منزل، كما أنهم لا يتلقون "إعانة اجتماعية"، اثنان من الرجال الثلاثة في أوائل العشرينات من العمر وينتظرهم "مستقبل مجهول".
معايير دائرة الهجرة والتجنيس لترحيل اللاجئين
وتستخدم دائرة الهجرة والتجنيس "IND" معيارين لتحديد الشخص الذي يشكل تهديداً للأمن القومي وبالتالي يمكن ترحيله من الدولة، الأول هو طول مدة عقوبة السجن على الشخص الذي ارتكب جريمة، حيث يجب ألا تقل المدة عن ثلاث سنوات.
وتحدد النيابة العامة العقوبة وبالتالي تتخذ الخطوة الأولى نحو الترحيل، وكمعيار تقييم ثانٍ، تستخدم "IND" معادلة معقدة بناءً على مدة الإقامة، محسوبة من تاريخ دخول تصريح الإقامة إلى تاريخ الجريمة، ومقدار العقوبة التي فرضتها المحكمة الهولندية.
اقرأ أيضا: سوريون في هولندا قلقون على مستقبلهم بعد استقالة الحكومة
وكلما طالت مدة بقائك في هولندا وحصلت على تصريح إقامة، يجب أن تكون مدة العقوبة أطول لإنهاء إقامتك.
وبناءً على هذين المعيارين، سحبت دائرة الهجرة والتجنيس "IND" سبعين تصريح إقامة من عام 2020 إلى النصف الأول من هذا العام، وفي كثير من الحالات، يتم مع فرض حظر دخول مشدد ويعني ذلك أنه لا يُسمح لأي شخص بدخول هولندا لمدة عشر سنوات ويسحب تصريح الإقامة بأثر رجعي من تاريخ الجريمة ويدخل حظر الدخول حيز التنفيذ بمجرد إطلاق سراح الشخص من السجن.
وتقول "IND" إن وضع بلد المنشأ لا يؤثر على قرار سحب تصريح الإقامة، ما يهم هو أن شخصاً ما قد ارتكب جريمة خطيرة في هولندا أو في أي مكان آخر، ونتيجة لذلك سحبت IND تصريح إقامة اللجوء بعد أن تم النظر في المصالح الفردية.
ماذا يعني الترحيل القسري؟
و"الترحيل القسري" يعني أن النظام القانوني الهولندي يعامل الأشخاص الحاصلين على تصريح إقامة بشكل مختلف حيث أنه بحال كان لديك جواز سفر هولندي، فلا يمكن ترحيلك من الدولة ويمكن أن يُفهم الترحيل بعد عقوبة السجن على أنه "عقوبة مزدوجة".
وبحسب النيابة العامة، فإن إبعاد الأجنبي هو إجراء إداري غير عقابي بطبيعته، وقال متحدث باسمها بحسب ما ذكرت الصحيفة الهولندية "إنه بالأحرى شكل من أشكال الإكراه الإداري".
ويقول باسكال لودر، المحامي المختص في القانون الجنائي وقانون الهجرة "لا يُنظر إلى عقوبة الترحيل على أنها "عقوبة مزدوجة" بين زملائها المحامين وذلك بسبب أن أحد شروط تصريح الإقامة هو "عدم تهديد النظام العام".
وبحسب الصحيفة الهولندية فإن السؤال الذي يطرح على السوريين الثلاثة هو هل تم أخذ الترحيل المحتمل في الاعتبار أثناء المحاكمة، وقالت النيابة العامة في ردها إن "المدعي العام يأخذ ملابسات القضية الفردية بعين الاعتبار في كل قضية جنائية"، لكن في هذه الحالات الثلاث لا يوجد شيء في الوثائق يمكن قراءته عن العواقب المحتملة على وضع إقامة المحكوم عليهم لا من قبل النيابة العامة ولا من قبل المحامين الجنائيين.
ويقول مكتب المحاماة كرومبفوتس: "لا تأخذ المحاكم الجنائية بشكل عام النتائج في الحسبان"، ويمثل المكتب الرجال السوريين الثلاثة دون مقابل في إجراءات الترحيل.
وبحسب باسكال لودر، فإن الأمر متروك للمحامي الجنائي لإثارة القضية في الجلسة.
إقامة غير شرعية أو الترحيل
وسوريا وفقاً للمفوضية الأوروبية، ليست آمنة بما فيه الكفاية بعد، وتقول المفوضة الأوروبية إيلفا جوهانسون: "لا يمكن إعادة أي شخص إليها"، وهذا أيضاً موقف الحكومة الهولندية في الوقت الحالي فلا يزال هناك عنف ضد المدنيين.
وقال آخر تقرير رسمي عام لوزارة الخارجية عن الوضع في سوريا إن "آفاق العودة الآمنة والكريمة والطوعية لا تتحسن" وبحسب الوزارة، لا تزال حقوق الإنسان تنتهك بشكل منهجي في البلاد.
أما بالنسبة للرجال السوريين، هذا يعني إقامة غير شرعية في هولندا وهناك خيار آخر هو العيش خارج أوروبا، ولكن مع إجراءات اللجوء الحالية، من غير المؤكد ما إذا كانت الدول الأخرى ستصدر تصريح إقامة لهم.
الدول الأوروبية الرغبة بإعادة اللاجئين "آخذ في الازدياد"
وبحسب الصحيفة الهولندية فإن عدد البلدان الأوروبية التي ترغب في إعادة اللاجئين "آخذ في الازدياد"، وتتبع الدنمارك سياسة لجوء متشددة منذ سنوات.
ويريد رئيس الوزراء الدنماركي خفض عدد طالبي اللجوء إلى الصفر، وفي الوقت الحالي تعتبر الدولة الاسكندنافية هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تخطط لإعادة اللاجئين السوريين بعد أن أعلنت مدينة دمشق "آمنة" في نيسان / أبريل 2019.
ولا يمكن إعادة اللاجئين إلى سوريا إلا إذا أعلنت هولندا أن سوريا "آمنة" ويتعلق هذا بالأشخاص الذين ليس لديهم تصريح إقامة دائمة بعد، لأنهم كانوا في هولندا منذ أقل من خمس سنوات أو لم يجتازوا بعد اختبار الاندماج.
ويقول الأستاذ المساعدة في قانون الهجرة مارسيل رينمان (جامعة أمستردام الحرة): "يجب تقييم الأمر لكل شخص فيما إذا كان بإمكانه العودة بأمان إلى سوريا".
وعملياً، الترحيل إلى سوريا ليس ممكناً بعد، ولا حتى من قبل الدنمارك، لأن ذلك يتطلب التعاون مع بلد المنشأ وكانت هولندا قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد في عام 2012، ومع ذلك، يخشى رينمان أن تبع الحكومة الهولندية قريباً الدنمارك في إعلان (أجزاء من) سوريا آمنة، حتى تتمكن من إلغاء تصاريح الإقامة على هذا الأساس "تزداد الدعوة في المجتمع لاتباع نهج أكثر صرامة تجاه اللاجئين".
وهولندا ليست الدولة الوحيدة في أوروبا التي لديها قانون للترحيل فهناك دول أوروبية أخرى كالدنمارك والسويد.
وأعطت الانتخابات الأخيرة في السويد كتلة من أربعة أحزاب يمينية أغلبية، وشكّل أولف كريسترسون من حزب المحافظين الليبراليين المعتدلين حكومة يمينية، تغاضى عنها حزب الديمقراطيين السويديين المناهض للهجرة، ستعمل الحكومة الجديدة على تشريع يسهل عليها ترحيل طالبي اللجوء الذين انتهكوا القانون.
بدورها، أعلنت وزارة العدل والأمن العام النرويجية، نهاية شهر أغسطس آب، عن خطط لترحيل مدانين بجريمة تصل عقوبتها إلى السجن لأكثر من عامين. وتتوقع الحكومة اتخاذ قرار بشأن هذا بحلول نهاية تشرين الثاني نوفمبر.
أما التشريع الألماني المتعلق بالترحيل فيركز بشكل أساسي على طالبي اللجوء الجنائيين الذين ما زالوا يخضعون لإجراءات اللجوء أو الذين لم يحصلوا على تصريح إقامة، وفي بلجيكا أيضاً طُرد 52 مجرماً من البلاد في عام 2017 وحده بعضهم ولد في بلجيكا.