قبل سبع سنوات وفي مثل هذا اليوم (31 من أيار) انسحب المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي من مهمته كمبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، محمّلا بفشل ذريع، كان ينسبه بشكل واضح إلى تعنّت نظام الأسد بموقفه الرافض للحل، لكن انتهاء مهمته وفق دبلوماسيين جاء بالدرجة الأولى اعتراضا على إجراء بشار الأسد "انتخابات رئاسية" عام 2014، وتجديده سبع سنوات لنفسه، علم حينئذ الإبراهيمي أنها الضربة القاضية لجهوده في التوصل إلى حل في الملف السوري.
بين الأخضر الإبراهيمي وغير بيدرسن بشار الأسد يُمرر ما يريده
قال الأخضر الإبراهيمي عن انتخابات 2014 إنها "تنسف مفاوضات السلام الرامية لوضع حد للنزاع"، متهما نظام الأسد باللجوء إلى "مناورات تسويفية لتعطيل المحادثات".
وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون أسفه لاستقالة الإبراهيمي، ووقف كي مون محتارا وفق تعبيره، يبحث عمّن يكمل المهمة في سوريا إلى أن عثر على ستيفان دي ميستورا في تموز 2014، حينئذ انتهت فورة الغضب الأممي والغربي من بشار الأسد الذي بدأ سبع سنين أخرى في مكايدة حاملي الحلول لسوريا.
اليوم يتكرر المشهد في 2021، فقبل أيام جدد بشار الأسد لنفسه ولاية رئاسية جديدة، قابلها رفض أميركي وأوروبي وتخوف معتاد من الأمم المتحدة وأمينها أنطونيو غوتيرش.
لكن موقف المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا، غير بيدرسن جاء مختلفا عن سلفه الإبراهيمي، إذ اكتفى الدبلوماسي النرويجي بالقول إنه "أحيط علما بالانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم في سوريا تحت مظلة الدستور الحالي"، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لا تشارك في تلك الانتخابات ولا تفويض لديها بذلك.
لم يحمل تصريح بيدرسن أي غضب تجاه هذا الإصرار من قبل النظام على نسف العملية السياسية، ولا يبدو أنه متحمس لتكرار موقف الإبراهيمي، بل كرر بيدرسن في تعليقه على الانتخابات موقف الأمم المتحدة الذي تلجأ إليه للتهرب من اتخاذ رد حاسم على خروقات الأسد، هذا الموقف بات واضحا وهو التأكيد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الصادر في كانون الأول 2015.
وفي الأساس تنص الفقرة الرابعة من القرار 2254 الذي جاء في 16 مادة على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، أما اللافت في القرار فهو أنه يدعم قيام انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بدستور جديد، فـي غضون 18 شهرا تحـت إشراف الأمم المتحدة، ويعني هذا الكلام أن بشار الأسد نسف أيضا حتى هذا القرار عبر تجديده لنفسه سبع سنوات جديدة.
التباين في أداء المبعوثين يقوي ورقة نظام الأسد
عند الحديث عن المبعوثين الأممين الأربعة إلى سوريا لا بد من ذكر التباين في مواقفهم وأدائهم، هذا التباين الذي لا شك أنه زاد من معاناة السوريين خلال العشر سنوات الماضية، إذ لم تأت مواقفهم بشكل موحد كي يسهل عليهم اختراق الجدران الصلبة التي يضعها نظام الأسد وداعميه (روسيا وإيران) في وجه مسيرة الحل السياسي.
فقد كان لكل واحد منهم (كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا وغير بيدرسن) طريقته الخاصة في التعاطي مع القرارات الدولية ذات الصلة بالحل السوري، ولعل أخطرهم وأكثرهم ريبة كان وفق مراقبين، دي ميستورا الذي أثبتت مواقفه أنه ينساق إلى رغبات النظام وروسيا، ويأتي بمواقف متعالية على المعارضة السورية السياسية.
ففي زمنه شهدت سوريا عمليات تهجير قاسية على الشعب السوري، بدءا من حلب وصولا إلى ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية والجنوب السوري وريفي حماة وإدلب، عمليات التهجير هذه جاءت من بوابة اجتماعات أستانا وخرائط خفض التصعيد الروسية.
إضافة إلى أن دي ميستورا كان عراب إحداث اختراقات في جسم المعارضة عبر فتح المجال لتوسعتها بشخصيات محسوبة في الأساس على النظام أو رروسيا أو جهة دولية أخرى كـ منصتي "موسكو" و"القاهرة"، ومع هؤلاء ابتكر هذا المبعوث الأممي فكرة السلال الأربع لتنفيذ بيان جنيف1 الذي يعد أهم قرار في مسيرة الثورة السورية؛ لأنه حصل على تأييد معظم اللاعبين الدوليين، بما فيهم روسيا، لكن سلال دي ميستورا زادت من تعقيدات تنفيذ هذا القرار الذي في الأصل يخضع منذ إصداره لتباين صارخ في فهمه بين أميركا وروسيا، فكلا الدولتين لديها طريقة في تفسيره.
وبالعودة إلى غير بيدرسن المبعوث الثاني الشاهد على إصرار الأسد على سحق العملية السياسية بضربة "الانتخابات الرئاسية"، فالرجل يبدو أنه مستمر في منصبه وينوي الاستمرار في اجتماعات "اللجنة الدستورية" هذا المسار الذي فشل في تحقيقه دي ميستورا، في الوقت الذي يؤكد فيه سوريون بأنها – أي اللجنة الدستورية- أداة يستخدمها النظام لإطالة أمد الأزمة، حيث يبرع فيها بالمماطلة.