icon
التغطية الحية

مسؤولون أميركيون: عندما تخسر روسيا مسيّراتها تخطط إيران للتدخل

2022.07.18 | 18:45 دمشق

ضباط شرطة أوكرانيون يتفحصون مسيرة روسية سقطت في كييف في شهر آذار الماضي
ضباط شرطة أوكرانيون يتفحصون مسيرة روسية سقطت في كييف في شهر آذار الماضي
نيويورك تايمز - ترجمة ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كشف البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضي أن روسيا تسعى لشراء مئات الطائرات المسيرة المسلحة وغير المسلحة المخصصة لعمليات المراقبة من قبل إيران، وذلك لتستخدمها في حربها ضد أوكرانيا، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على حاجة موسكو لملء الفجوة الخطيرة التي تعاني منها على أرض المعركة، إلى جانب عثورها على مورد للتقانة القتالية الأساسية على المدى البعيد، وذلك بحسب ما ذكره محللون مستقلون وآخرون من وكالة الاستخبارات والجيش الأميركي.

فقد قدم جيك سوليفان وهو مستشار الأمن القومي لدى الرئيس بايدن بعض التفاصيل المتعلقة بالتقييم الاستخباري الذي كشف عنه أمام الصحافة يوم الإثنين الماضي، والذي ذكر من خلاله ما إذا كانت تلك الشحنات قد بدأت تصل أم لا. إلا أن مسؤولين أميركيين آخرين ذكروا بأن إيران كانت تستعد لتزويد روسيا بثلاثمئة طائرة مسيرة عن بعد، وبأنها ستبدأ تدريب القوات الروسية على طريقة استخدام تلك الطائرات ابتداء من هذا الشهر.

إذ استنزفت روسيا معظم أسلحتها الموجهة بدقة بالإضافة إلى العديد من طائراتها المسيرة التي استخدمتها لمؤازرة المدفعية في غاراتها بعيدة المدى خلال حملة القصف التي استمرت لأشهر في أوكرانيا. وفي تلك الأثناء، دمرت الدفعات الأولى من قاذفات الصواريخ المتعددة الأميركية المحمولة على الشاحنات أكثر من عشرين مستودعاً روسياً للذخيرة، إلى جانب تدمير عدد من مواقع الدفاع الجوي ومراكز القيادة الروسية بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون، وهذا ما جعل موسكو بحاجة ماسة إلى مواجهة الأسلحة الغربية الجديدة المتطورة بصورة أسرع. وهنا دخلت إيران على الخط بما أنها رائدة في مجال تطوير المسيرات منذ عقود خلت.

Jake Sullivan, President Biden’s national security adviser, during a press briefing last week.

جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لدى الرئيس بايدن في إحاطة صحفية خلال الأسبوع الماضي

يذكر أن إيران قامت بتوريد تقانة المسيرات إلى حزب الله في لبنان، وإلى الحوثيين في اليمن ليقوموا بشن هجمات ضد السعودية والإمارات، وكذلك للميليشيات الشيعية في العراق بما أنها تنفذ غارات ضد القوات العراقية والأميركية.

وحول ذلك يعلق صموئيل بينديت وهو مختص بالمسيرات الروسية وغيرها من الأسلحة لدى مؤسسة CNA للتحليل والأبحاث في آرلينغتون بولاية فيرجينيا، فيقول: "إن روسيا تتحول إلى حليف يقوم بإرسال المسيرات إلى بيئات معقدة وبأعداد هائلة، ولكن في الوقت الذي مايزال فيه لدى الروس مسيرات، نكتشف بأنهم لا يمتلكون كل الأنواع التي يحتاجونها منها".

يؤكد اتفاق روسيا مع إيران على الأهمية المتزايدة للمسيرات في الحرب الحديثة، ليس فقط مع عمليات مكافحة التمرد والإرهاب فحسب بل أيضاً ضمن النزاعات الكلاسيكية التقليدية. إذ في ساحة معركة متنازع عليها مثل أوكرانيا، تصبح عملية تبادل وابل من نيران المدفعية عنصراً حاسماً لنجاح العملية العسكرية أو فشلها، وهنا تلعب المسيرات دوراً محورياً.

زار وفد روسي قاعدة جوية وسط إيران مرتين على الأقل خلال الأسابيع الخمسة الماضية، وتحديداً في 8 من حزيران و5 من تموز، من أجل تفقد وضع المسيرات التي يمكن تزويدها بأسلحة، بحسب ما ذكره سوليفان في تصريح نشره البيت الأبيض، ثم نقلته شبكة سي إن إن.

وقد عاين الروس مسيرات من طراز شهيد-191 وشهيد-129 بحسب صور التقطتها الأقمار الصناعية وقدمها البيت الأبيض مع تصريح سوليفان لصحيفة نيويورك تايمز.

يذكر أن أوكرانيا كان لديها أسطول من المسيرات قبل بدء الحرب، كما استخدمت مئات المسيرات التي زودتها بها الولايات المتحدة وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي، وعلى رأسها تركيا، لتدمر مئات الدبابات وعربات الجنود المصفحة الروسية بحسب ما ذكره مسؤولون عسكريون أميركيون.

إلا أن محللين يرون بأن المعدات الروسية المضادة للمسيرات والحرب الإلكترونية التي تشنها روسيا والتي تعتمد على أجهزة التشويش جعلت النجاح الذي حققته المسيرات الأميركية والتركية في تراجع.

وقد خلص تقرير صدر مؤخراً عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، إلى أن أوكرانيا كانت بحاجة إلى مزيد من المعدات الخاصة بالحرب الإلكترونية لتتصدى بمفردها للنظم الروسية المتطورة، وذلك لأن مسيرات المراقبة الأوكرانية التي ساعدت على استهداف الجنود الروس لم تصمد لأكثر من أسبوع قبل أن تسحقها الدفاعات الروسية أو تسقطها بحسب ما ورد في ذلك التقرير.

According to satellite imagery released by the White House, a Russian delegation viewed Iranian Shahed-191 and Shahed-129 drones at an airfield in central Iran in June.
صور ملتقطة بالأقمار الصناعية تظهر معاينة الوفد الروسي لمسيرات إيرانية في قاعدة جوية تقع وسط إيران خلال شهر حزيران.

 

ولذلك ناشدت أوكرانيا ومن يدعمها من النواب في الكونغرس الولايات المتحدة وحلفاءها لتقديم المزيد من المسيرات الأكبر حجماً والتي بوسعها أن تحمل المزيد من الأسلحة وأن تبقى في السماء لفترات أطول، مثل طائرة غراي إيغل، غير أن المسؤولين الأميركيين أجلوا تلك المقترحات في الوقت الراهن، مخافة أن تتحول تلك الطائرات إلى هدف سهل للدفاعات الجوية الروسية، ولئلا يعتبرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمثابة خطوة تصعيدية.

كانت روسيا تمتلك ترسانة ضخمة من المسيرات عندما دخلت الحرب، إلا أن احتمال تسليم إيران لمئات الطائرات المسيرة، المسلحة وغير المسلحة قد يساعد الكرملين على ملء الفراغ الحاصل في صفوف الأسطول الذي تعرض لخسائر فادحة خلال الحملة العسكرية التي امتدت لخمسة أشهر تقريباً.

فقد خسرت روسيا العشرات من طائرات التجسس أمام الدفاعات الجوية الأوكرانية، وبسبب الهجمات الخاطئة والتشويش خلال المرحلة الأولى من النزاع. إذ تعتبر طائرات المراقبة والتجسس أساسية لشن حرب برية طاحنة استقر عليها وضع الحرب أخيراً. إلا أن قطاع صناعة العتاد الدفاعي الروسي عانى كثيراً قبل أن يتمكن من إنتاج مسيرات مسلحة فعالة بكميات كبيرة، إلى جانب الطائرات المسيرة عن بعد التي بوسعها أن تحلق على ارتفاعات أعلى فوق الأهداف لساعات طويلة بحسب ما ذكره محللون.

ومنذ أن غزا الجيش الروسي أوكرانيا في شباط الفائت، اقتصر استخدامه للمسيرات على ما تحول إلى حرب بالمدفعية بصورة أساسية. وهكذا تحولت أي طائرة صغيرة غير مسلحة إلى نعمة كبيرة كونها تساعد على استهداف القوات الأوكرانية على عجل، مع نقل الإحداثيات إلى أسلحة روسية بعيدة المدى والتي تشمل مدافع الهاوفتزر والهاون.

ويعلق على ذلك رائد في الجيش الأوكراني اسمه كوستيانتين رفض الكشف عن كنيته لاعتبارات أمنية، فيقول: "لابد وأنهم يطورون مهاراتهم" ويقصد بذلك استخدام الجيش الروسي للمسيرات.

في حين ذكر الجنود الأوكرانيون في الدونباس، ذلك الإقليم الواقع شرقي البلاد والذي أصبح بؤرة تركيز الحملة العسكرية الروسية، بأن مدفعيتهم كانت تستهدف على الفور من قبل النيران الروسية المضادة، وقد عزوا أحد أسباب ذلك إلى استعانة روسيا بالمسيرات.

 

An artillery team with the 93rd Brigade with Russian equipment captured in the Sumy region of Donbas, Ukraine, in May.
طاقم مدفعية روسي مع عتاده بعد أسره في منطقة الدونباس خلال شهر أيار

 

فقد غيرت المسيرات الروسية طريقة تحرك القوات الأوكرانية حول ساحة المعركة إلى حد بعيد، إذ أصبحت تلك القوات تركن مركباتها تحت الأشجار أو غيرها من السواتر مع إخفاء أجزاء المدفعية لديها لتجنب اكتشافها من قبل طائرات المراقبة التي تحلق فوقهم.

ولكن حتى بعد عمليات التمويه المناسبة، نشرت القنوات الإعلامية الروسية العديد من الفيديوهات التي أظهرت معدات أوكرانية لحظة استهدافها وتدميرها بوجود مسيرة تحلق في الأجواء فوقها.

إلا أن التفوق الروسي في حرب المسيرات قد تراجع خلال الأسابيع الماضية برأي بينديت ومحللين عسكريين آخرين، وذلك بعد إسقاط أوكرانيا لنحو 50 مسيرة روسية، أو بسبب تعرضها لإطلاق نيران عرضي من قبل روسيا نفسها، أو بسبب التشويش.

وبالنتيجة، بقي الطلب عالياً على النماذج الاستهلاكية الجاهزة ومسيرات الهواة المعدلة المضادة للتشويش. وقد ذكر محللون بأن كلا الجانبين يعتمد على حملات جمع التبرعات لتعويض ما فقد من المعدات.

إلا أن روسيا وإيران لزمتا الصمت منذ أن كشف سوليفان عن ذلك الأمر.

 

كما رفض ديميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين يوم الأربعاء الماضي أن يصرح ما إذا كانت موسكو تخطط لشراء مسيرات إيرانية أم لا، وذكر بأن بوتين لم يخطط لمناقشة الأمر خلال رحلته المرتقبة إلى طهران التي ستتم في بحر هذا الأسبوع.

إلا أن محللين غربيين، وبعض المحللين الروس ذكروا بأن الكرملين اعترف بقيمة المسيرات في العديد من النزاعات التي قامت في مناطق مختلفة من العالم وامتدت لسنوات، ومنها النزاع القائم في سوريا، إلا أن روسيا لم تكن مستعدة لتلبية حاجتها الماسة من تلك المسيرات في أوكرانيا.

Dmitri S. Peskov, the Kremlin’s spokesman, last year.
ديميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين خلال السنة الماضية

 

غير أن يوري بوريسوف، الذي بقي حتى الأسبوع الماضي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء الروسي، ذكر في مقابلة أجرتها معه مؤسسة إخبارية روسية خلال الشهر الماضي بأنه كان ينبغي على الجيش الروسي نشر مسيرات في مناطق القتال بشكل أشد عدوانية، حيث قال: "أعتقد بأننا دخلنا في عملية جدية لنشر المركبات من دون جنود في وقت متأخر، وهذا هو الهدف".

إلا أن الولايات المتحدة لم تجد ما يشير إلى قيام إيران بنقل أي طائرة مسيرة إلى روسيا، بحسب ما ذكره مسؤول عسكري أميركي رفيع في إحاطة قدمها البنتاغون يوم الجمعة الماضي، ولكن مسؤولين ومحللين أميركيين يعتقدون بأن للصفقة الواضحة التي عقدتها موسكو مع إيران دوراً كبيراً في قلب مجرى الأحداث لصالح أكبر مزود للأسلحة في العالم.

 

إذ يقول ستينغر وهو محلل استراتيجي يعمل لدى مركز نيو أميركا بواشنطن وهو ممن كتبوا بشكل كبير عن الطائرات المسيرة: "اعتادت روسيا على بيع المعدات العسكرية لدول مثل إيران وليس العكس".

بيد أن إيران لم يصدر عنها سوى تعليقات مدروسة حول هذا التعاون العسكري مع روسيا، فسرتها بعض القنوات الإعلامية الإيرانية على أنها تأكيد على قيام صفقة المسيرات تلك.

إذ يوم الثلاثاء الماضي، أعلن ناصر كناني وهو الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية أمام الصحفيين بأن: "التعاون العسكري بين إيران والاتحاد الروسي بالنسبة للتقانة الحديثة سبق الحرب في أوكرانيا، ولم يتغير كثيراً في الوقت الحالي".

إلا أن النوع المحدد للمسيرات التي طلبتها روسيا من إيران بقي مجهولاً، بالرغم من أن صور الأقمار الصناعية التي نشرها البيت الأبيض تقدم أدلة دامغة حول نوعها.

إذ خلال السنوات الماضية، شنت إيران ووكلاؤها هجمات عديدة على القوات الأميركية الموجودة في العراق وسوريا بمساعدة المسيرات المسلحة التي يعتقد مسؤولون أميركيون أنها صممت وصنعت في إيران، وفي العشرين من تشرين الأول الماضي، أطلقت إيران خمس مسيرات وصفتها بأنها انتحارية على قاعدة التنف العسكرية الأميركية الواقعة جنوبي سوريا، على الرغم من انفجار اثنتين منها عند الاصطدام كما هو مخطط لهما.

Nasser Kanani, a spokesman for Iran’s Foreign Ministry, said his country’s military cooperation with Russia on new technology predated the war in Ukraine.

ناصر كناني الناطق باسم الخارجية الإيرانية

اعتقد قادة عسكريون أميركيون وقتها بأن هجمات نفذت بمسيرات مماثلة في مطلع العام الماضي قد نفذتها ميليشيات مدعومة من قبل إيران في العراق.

إلى جانب المسيرات، تمتلك إيران ترسانة متطورة من الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن أن تمد روسيا بها، ومنها تلك الصواريخ التي استخدمت في الهجوم على القواعد الأميركية في العراق قبل عامين والذي أسفر عن إصابة عدد من الجنود الأميركيين.

إلا أن البنتاغون لم يستثمر بشكل كبير في المسيرات الانتحارية، والتي يمكن أن يساعدها صغر حجمها على نقلها بوساطة حقيبة ظهر، لكن البنتاغون قام بشراء مسيرات قصيرة المدى تعرف باسم سويتش بليد، وقد أجاز الرئيس بايدن نقل 100 مسيرة من هذا النوع من ترسانة البنتاغون إلى أوكرانيا في شهر آذار الماضي، إلى جانب نقل 120 مسيرة من نوع فونيكس غوست التي وصفها المسؤولون في شهر نيسان الماضي بأنها شبيهة بسويتش بليد، ثم أعلن البنتاغون في أيار الماضي بأنه قدم 700 مسيرة من طراز سويتش بليد لأوكرانيا منذ بداية ولاية الرئيس بايدن.

 

المصدر: نيويورك تايمز