icon
التغطية الحية

مرسوم اليوبيل الفضي | قصة

2024.01.14 | 15:49 دمشق

قف6ع
+A
حجم الخط
-A

أنعم الله على بلادنا بثلاث نِعَم: الأولى أن رئيسنا ورث الحكم عن أبيه بالسبل المتوافقة مع ثوابت أمتنا؛ والثانية أنه نَهَلَ من عُلومِ الغرب وتَرَك بِدَعَه (كحرية التعبير والديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة)؛ والثالثة أنه اتخذ زوجةً من هذا الغرب نفسه لكي تعينه على مسيرة التطوير والتحديث. ولكن البلادَ، كما هو معلومٌ، تعرضت لمؤامرة كونية، بقيادة الغرب أيضًا، فتصدى لها ببسالة أعادتها إلى ما قبل القرون الوسطى. وبعد أن انتصر عليها – على المؤامرة الكونية وليس على البلاد، لا سمح الله – تجلت عبقرية السيدة الأولى، كما هو معلومٌ للجميع أيضًا، في توفير البطاقة الذكية للمواطنين الذين صمدوا في وجه المؤامرة، ولم يغادروها كما تغادر الجرذانُ السفينةَ الغارقةَ.

ومعلومٌ للجميع أيضًا أن هذه البطاقة الذكية ابتُكرت لتنظيم معيشة المواطنين الأوفياء تنظيمًا تحسدنا عليه أكثر البلدان تطبيقًا لمفهوم الحوكمة الرقمية اليوم. فصار البنزين والمازوت والخبز والسكر والشاي والزيت والأرز وكل مستلزمات العيش الأساسية الأخرى تُشترى بالبطاقة الذكية، وبأسعار مدعومة من الدولة، أدام الله ظِلَّها. ولا يُنكر مزايا البطاقة الذكية إلا مارقٌ جاحدٌ، أعمى الله بَصَرَه وبصيرتَهُ. فقد حدَّت من الهَدْرِ وقضت على السوق السوداء وتلاعُبِ تجار الحروب بأسعار المواد.

وبمناسبة اليوبيل الفضي لزواجهما – ومع استمرار تردِّي الأوضاع المعيشية للمواطنين – دعت السيدة الأولى زوجها وأبناءها إلى عَشاء رومنسي على ضوء الشموع – التي اشترتها أيضًا بالبطاقة الذكية – فأعرب سيادته عن امتنانه لعقيلته لصمودها معه ومؤازرتها له طوال الأزمة التي عصفت بالبلاد. ولما ضمَّهما المَخْدعُ ليلاً – طبعًا، لن أُفشي تفاصيل تلك الليلة الرئاسية؛ عيب، هذه أسرار دولة – ودار بينهما ما يدور بين الأزواج فيما يُسمى حديثَ الوسادة الشهير، خطرت للسيدة الأولى فكرةٌ عبقريةٌ أخرى أرادت أن تُمُنَّ بها على مواطنيها الأوفياء.

  • ما رأيكَ، يا حبيبي، لو نظَّمنا حياةَ المواطنين الزوجية العشوائية؟
  • وهل تركنا فيها شيئًا لم ننظمه حتى الآن؟
  • نعم.
  • ما هو؟
  • متى ينام الزوجُ مع زوجته!
  • وكيف لنا أن ننظم هذه العملية؟
  • هل نسيت أنني مختصة بتقنية المعلومات؟
  • لا. لم أنسَ، لكن لا أعرف كيف يمكننا أن نضبط أمرًا بهذه الخصوصية...
  • المسألة بسيطة جدًا. أولاً، نُنْشئ موقعًا على الإنترنت نسميه العِفَّة الرقمية أو Digital Chastity بالإنجليزية. ثم نُلْزِم جميع الأزواج والزوجات بالتسجيل في هذا الموقع خلال مدة أقصاها ستة أشهر، وكل من يتخلف عن التسجيل بعد هذه المهلة يخضع للمساءلة القانونية والغرامة المالية الرادعة.
  • ثانيًا؟
  • وثانيًا، نتعاقد مع شركة غربية أو يابانية على تصنيع أحزمةِ عِفَّةٍ ذاتِ أقفالٍ رقميةٍ تكفي مواطنينا المتزوجين الباقين في حضن الوطن. ونشترط أن تُصْنَع هذه الأحزمة من جلد بقري طري وأن تكون مزودة بفتحتين تكفي لقضاء الحاجتين نَمْبَر وَنْ ونَمْبَر تُو، وأن تكون الأقفال الرقمية قابلة للربط بحساب المواطن المتزوج والمواطنة المتزوجة في موقع العِفَّة الرقمية. وسنُلزم كلَّ المتزوجين والمتزوجات بارتداء هذه الأحزمة دومًا إلا في أوقات معلومة...
  • لماذا لا نتعاقد مع شركة روسية أو صينية، مثلاً؟
  • الروس والصينيون حلفاؤنا أصلاً، والتعاقد مع شركة يابانية أو غربية قد يكون مدخلاً لإعادة العلاقات بيننا وبينهم في المستقبل.
  • أحسنتِ، لكن ما أعرفه من قراءاتي الأكاديمية الواسعة التي لا تخفى عليكِ أن أحزمة العِفَّة شاع استخدامُها في أوروبا في القرون الوسطى، وقد بَطُلَت هذه الممارسة في القرن التاسع عشر!
  • ألَم تُعِد البلادَ عمليًا إلى العصور الوسطى، يا حبيبي؟
  • طيب، ما الغرض من هذه الأحزمة؟
  • كما قلتُ لكَ من قبل، الهدف هو تنظيم العلاقات الزوجية العشوائية! فإذا أراد الزوجُ أن ينام مع زوجته، فما عليه إلا أن يدخل إلى التطبيق على جواله (أو جهاز الحاسب، إن كان من الموسِرين)، فتأتي رسالةٌ إلى جوَّال زوجته المسجَّل في التطبيق. فإذا وافقتْ، يُرسِل التطبيقُ إلى كل منهما كود تفعيل لفتح الحِزامين وخلعه خلال دقيقتين بحدٍ أقصى. وعلى كل منهما أن يرتدي الحزام من جديد خلال ساعة ...
  • لماذا خلال ساعة؟
  • تكفيهما ساعةٌ لإنجاز الواجب الوطني (أي، نعم، إنه واجب وطني)، والاستحمامِ (لا أريد أن أستخدم كلمة "اغتسال" لأنها très vulgaire أو old fashioned)، وارتداءِ الحزام من جديد.
  • ماذا لو لم يرتَدِ كلاهما الحزام خلال هذه الساعة؟
  • أتظنني بلهاء مثل ابنة خالتك؟ لن تفوتني هذه الحركات. سنُلْزم كل متزوج ومتزوجة بارتداء الأحزمة خلال ساعة من الممارسة، وإلا فرضنا عليهم غرامةً كبيرةً رادعةً، وحرمناهم من التَّمَاس شهرًا كاملاً، وألبسناهم الأحزمة قسرًا. وهنا لا بد من إنشاء جهازٍ لشرطة العِفَّة الليلية للسهر على تطبيق القوانين (وهكذا، بالمناسبة، نوفر وظائف لعدد من الشباب العاطلين عن العمل).
  • ولكنهم يستطيعون أن يدخلوا إلى التطبيق و...
  • قلتُ لك إنني لستُ بلهاءَ مثلَ ابنة خالتك. فقد تهيَّأتُ لكل احتمال.
  • كيف؟
  • حين يرتكب هؤلاء الخَوَنةُ مخالفةً، سنغلق حسابَهم في موقع العِفَّة الرقمية فورًا مدةَ شهر كامل، وهذا يعني أن الأحزمة التي ألبسناهم إياها قسرًا لتقاعسهم عن لبسها خلال ساعة لن تُفْتَحَ قبل انقضاء مدة الحرمان وتسديد المخالفة.
  • وهل سَنُلزِم جميع المتزوجين بأوقات محددة من الليل أو النهار لممارسة حقوقهم الزوجية – عفوًا، واجباتهم الوطنية؟
  • طبعًا، لن نُفعِّل التطبيقَ إلا ما بين التاسعة مساءً والثالثة فجرًا كل ليلة. أما ساعات النهار فنريد أن يُخصصها الإخوة المواطنون والأخوات المواطنات لإعادة الإعمار وبناء الوطن.
  • هل سنعامل جميع الفئات العُمْرية سواسيةً فيما يتعلق بهذا الأمر؟
  • طبعًا، لا. فالشباب والمتزوجون حديثًا لهم نِصابٌ معلومٌ كل أسبوع. وسنأخذ في الحسبان عدة عوامل كالعمر والحالة الصحية ومدة الزواج لحساب النصاب المناسب لبقية الفئات. وسنشكل لجنة من الأطباء وعلماء النفس وأساتذة كليات التربية والاجتماع والاقتصاد المنزلي لتحديد هذا النصاب.
  • ماذا لو قصَّر أحدهم عن أداء الواجب في اليوم المعلوم أو أراد زيادةً عن الحد المسموح به؟
  • إذا قصَّر الزوجُ بسببِ مرضٍ أو الزوجةُ لعُذرٍ شرعيٍّ، فلا بد أن يُرسل إلى إدارة الموقع تقريرًا طبيًّا مصدَّقًا من الجهات الصحية المعتمدة، وإلا فعليهما غرامة يدفعانها لخزينة الدولة. أما إذا أرادا تجاوز الحد المسموح به، فعليهما أيضًا أن يدفعا تبرعًا لخزينة الدولة.
  • ولكنْ لدينا مواطنون متزوجون من أكثر من واحدة...
  • لا مشكلة. سيوفر التطبيق لهؤلاء المُعَدِّدين خيارات الزوجة الأولى والثانية والثالثة، وهكذا. وبقية الإجراءات هي نفسها. وبهذا نضمن العدل بين الزوجات، إذ لن يتمكن الزوج من فتح حِزام زوجته الثالثة، مثلاً، إلا في ليلتها.
  • ماذا لو أرادت إحدى الزوجات أن تتبرع بليلتها لِضُرِّتها عن طيب خاطر، مثلاً؟
  • لا، لن نسمح بهذه الممارسات المزاجية إطلاقًا. فنحن دولة مؤسسات! والمؤسسات الحديثة قائمة على الرقمنة. وهذه ستوفر لنا إحصائيات لا يُستهان بها عن أنشطة مواطنينا الترفيهية ومنحنيات الصعود والهبوط في هذه الأنشطة على مدار العام.
  • وهل ستُلزميني أيضًا بحزامك هذا؟
  • أنت أول مَن سيرتديه!
  • وماذا عن وزرائي وكبار مسؤولي دولتي الذين لدى بعضهم عشيقات؟ أخشى أن ينقلبوا عليَّ إن ألزمتُهم بأحزمة عفتك وقوانينك الصارمة هذه.
  • انقلاب؟ كِشْ بَرَّة وِبْعيد! في هذه الحال، لا بد أن نستثني هؤلاء حفاظًا على مصلحة الدولة العليا.
  • ما المطلوب مني الآن؟
  • أن تُصْدِر مرسومًا بهذا الشأن وتوعز للجهات المعنية ببدء الإجراءات اللازمة لتنفيذه خلال سنة على الأكثر.

وبعد أن أنهت حديثها، ارتدت إزارًا شفّافًا ونوَّسَتِ الأضواء، فهاج لديه عِرْقُ الشِّعْر، فقال بلثغةٍ لو سمعتْها مارِلِن مونرو لما اختارت سِواهُ عشيقًا:

أرى الإزارَ على لبنى فأحثُدَهُ *** إنَّ الإزارَ على ما ضَمَّ مَحْثُودُ

ثم... لا، لن أبوح بأسرار الدولة... ثم قال لها قبل أن يَغُطَّ في نوم لذيذ: تصبحين على مرسوم رئاسيٍّ، يا حبيبتي!

كلمات مفتاحية