توافد السوريون بشكل تدريجي، منذ العام 2011، إلى مصر التي احتضنت مشاريعهم من مصانع ومعامل ومحال تجارية ومطاعم وصولاً إلى المراكز التعليمية المنتشرة في مناطق كثيرة، حيث باتت مقصداً لآلاف الطلبة من السوريين وحتّى المصريين.
وعمِل أصحاب تلك المراكز على افتتاحها في المناطق التي تضم أعداد كبيرة من السوريين مثل "ستة أكتوبر، العبور، الشروق، العاشر من رمضان" في محيط العاصمة القاهرة، إضافةً إلى مناطق في محافظتي دمياط والإسكندرية وغيرهما، وذلك لتخديم السوريين الذين وصلت أعدادهم في مصر -بحسب إحصائيات رسمية- إلى مليون ونصف المليون نسمة.
ومع مرور الوقت لم تعد تلك المراكز مقصداً للسوريين فقط، بل توجّه إليها كثير من الطلاب المصريين وأعداد من الجنسيتين السودانية واليمنية، بحسب ياسمين زيادة، مديرة مركز سوريا الغد التعليمي التابع لمنظمة "سوريا الغد للإغاثة" المرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية.
وأكّدت "زيادة" خلال حديث مصوّر مع موقع تلفزيون سوريا، أنّ افتتاح المراكز السورية جاء بسبب الحاجة إلى وجودها مع ازدياد أعداد السوريين بشكل كبير، وارتفاع أعداد الطلبة في المدارس الحكومية المصرية، وعدم مقدرة السوري على التأقلم بسبب هذه الأعداد واختلاف اللهجات، وارتفاع أقساط المدارس الخاصة مقارنة مع الدخل المحدود لمعظم العائلات اللاجئة".
وتتراوح أقساط معظم المراكز التعليمية السورية بين 900 و1200 جنيه مصري شهرياً، تشمل التنقلات وعلى مدار 7 أو 8 أشهر، في حين أنّ أقساط المدارس المصرية الخاصة تبدأ من 14 ألف جنيه مصري وتصل إلى أرقام أعلى بكثير، لا تشمل التنقلات أو الزي المدرسي وعلى مدار أشهر تعليمية أقل.
محمد برهان -مقيم في منطقة العبور قرب القاهرة- يقول إنّ "قسط طفله البالغ من العمر 9 سنوات في معهد خاص يصل إلى 21 ألف جنيه مصري على مدار 4 أشهر ونصف الشهر، غير شامل المواصلات أو الزي المدرسي.
وأضافت "زيادة" أنّ المراكز السورية بدأت بنظام التقوية والتأسيس، ولكن مع الوقت باتت مراكز كبيرة تضم الآلاف من الطلاب، مشيرةً إلى أنّها غير مرخصة بشكل رسمي من وزارة التربية والتعليم، وهي عبارة عن مركز مجتمعي يمارس فيه أي نشاط لا يخالف قوانين الدولة.
"المنهج المصري حصراً"
وتتبع المراكز السورية المنهج المصري حصراً، ويجب أن يكون الطلاب المسجلين فيها مقيّدين في المدارس المصرية الحكومية أو الخاصة، كأوراق أو قيود وشهادة نجاح وبالتالي تتبع المراكز كأوراق إلى وزارة التربية.
وتضم المراكز السورية كوادر من الجنسيتين السورية والمصرية، كما في مراكز "سوريا الغد"، حيث يعتبر وجود المدرسين المصريين أمر مهم جدا لخبرتهم الطويلة في مناهج بلادهم ومعرفتهم بتفاصيلها, وفق "زيادة".
واعتبرت أنّ كثيرا من العائلات المصرية لجأت لتسجيل أطفالها في المراكز السورية، بسبب ضغط الأعداد في المدارس الحكومية، وارتفاع الأقساط في مثيلاتها الخاصة، ناهيك عن التأسيس الجيد بمادة اللغة العربية والخدمة العالية التي توازي التعليم الخاص على حد تعبيرها.
وهذا ما أكّدته والدة طالبة مصرية في المرحلة الإعدادية لـ موقع تلفزيون سوريا، حيث قالت إنها سجّلت ابنتها في مركز سوري لأنّها وجدت التربية إلى جانب التعليم فيه، وسط اهتمام كما في المدارس الخاصة، وهذا ما اتفقت عليه سيدة سوريّة تُسجّل أطفالها في إحدى المراكز السورية بمنطقة "ستة أكتوبر"، والتي تراها أنها لا تقل عن المدارس المصرية الخاصة من حيث تقديم الخدمات والتعليم للطلاب والتربية واختيار المدرسين والاهتمام بالجانب الديني.
صعوبات قليلة ورواتب خجولة
تسجيل أوراق الطلاب السوريين الموجودين في المراكز السورية بالمدارس المصرية، يعدّ أكبر عائق يواجه الأهالي، خاصة بعد إصدار الحكومة المصرية، العام الفائت، قراراً يمنع تسجيل السوريين في المدارس الحكومية ليختصر الأمر على الخاصة منها، والذي يعتبر مكلفاً جدّاً.
وكان تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الحكومية مقابل دفع رسوم بسيطة، لكن التسجيل في المدارس الخاصة يكلف الكثير نظراً لارتفاع أسعارها ومن شبه المستحيل أن تجد مدرسة خاصة بأسعار مقبولة، حيث تحمل المراكز السورية على عاتقها السعي في تسجيل الأوراق، في حين يتحمّل الأهالي الأعباء المادية.
ومن المشكلات التي تعاني منها كوادر المراكز السورية: انخفاض الرواتب مقارنة مع الغلاء المعيشي، حيث تبدأ الرواتب من 2000 جنيه مصري (سعر صرف الدولار الواحد في البنك المركزي يعادل 31 جنيهاً، بينما يصل في السوق السوداء إلى 70 جنيهاً للدولار)، وتصل إلى 6000 جنيه في حال كان المدرّس ذو خبرة طويلة، حيث يأخذ نصاب حصص كامل.
وفي هذا الشأن قالت ياسمين زيادة، إنّ الأقساط في المراكز السورية تعتبر قليلة كونها تخدم الجالية السورية التي لجأت إلى مصر بظروف خاصة، وهذا الأمر انعكس على الرواتب بشكل كبير والتي تعتبر قليلة مقارنة بالوضع المعيشي، وسط مساعٍ لتحسينها قدر المستطاع.
بدورها أضافت إيناس محمد -معلمة سورية في منطقة "العاشر من رمضان"- أنّ المدرسين والمدرسات يتجهون إلى الدروس الخاصة بعد انتهاء دوام المدارس، حيث يبدأ سعر الساعة من 50 جنيهاً مصرياً إلى 300 وربما أكثر، بحسب المرحلة التي يتم تدريسها، في حين يعمل آخرون على بيع الألبسة أو الأدوات المدرسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لسد احتياجاتهم التي لا يغطّيها راتب المدرسة.
وخيار الدروس الخاصة ليس الوحيد، بل عمد بعض المدرّسين والمدرّسات إلى ترك التدريس في المدارس والعمل على إعطاء دروس "أون لاين"، كما تفعل المدرّسة أسماء علي -خريجة جامعة عين شمس/ قسم اللغة العربية- حيث لجأت إلى هذا الأمر بعد أربع سنوات من التدريس في المراكز السورية.
وقالت "علي" إنّها توجّهت للتدريس عبر الإنترنت بسبب ضعف المرتبات في المراكز السورية، وأنّه في حال كان التعليم لدول أوروبا، فالدفع بالدولار الأميركي، مشيرةً إلى أنّ هذا المجال "يعتبر أخف جهدا وأقل وقتا، ويستطيع الشخص التحكّم بالأوقات، فيحدّد ساعات مناسبة له ولا مشكلة من الاعتذار وتعويض الحصص في أوقات أخرى".
وتابعت: "نسبة كبيرة توجّهت للتعليم عبر الإنترنت، وهذا المجال يتطور باستمرار ويصبح أجمل وأنفع وأمتع مع الوقت"، مردفةً: "عمِلت في أكثر من منصة والجميل أنك تعتبر شريكا تأخذ نسبة على كل طالب، وينسبون النجاح لك ولهم، وليس لأنفسهم فقط".
ليس هناك إحصائية لأعداد الطلاب المسجّلين في المراكز السورية نظراً لانتشارها في مناطق مختلفة على امتداد مصر، لكنهم بالآلاف، وتخرّج منها العديد من الطلاب الذين حصلوا على علامات شبه كاملة في الشهادة الثانوية العامة المصرية على مدار السنوات الماضية، لكونها تتّبع المنهج المصري وتضم كوادر من أبناء البلد وتعمل على إعداد دورات بشكل متكرر لتأهيل كوادرها من السوريين للوصول إلى المستوى المطلوب وفهم المنهج بشكل جيد.