أصدرت المحكمة الجنائية العليا السادسة عشرة في بورصة، بتاريخ 27 كانون الثاني من العام الحالي، حكماً بالسجن ثلاث سنوات وأربعة أشهر على أحد المتهمين بقتل اللاجئ السوري حمزة عجان في بورصا، بينما تم تبرئة المتهمين المتبقين وعددهم ثلاثة.
ونشر الناشط السوري طه الغازي، منشوراً على صفحته الشخصية، كشف فيه عن بعض تفاصيل المحاكمة التي أفضت إلى إعطاء حكم البراءة إلى ثلاثة من المتهمين، وتجريم متهم قاصر، وسجنه مدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، بحجة أن حمزة فقد حياته نتيجة مرض في الدم بحسب التقرير الطبي الذي تأخر إصداره سنة ونصف بعد وقوع الحادثة.
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عائلة حمزة عجان الذي قتل على يد المتهمين الأربعة في أحد أسواق مدينة بورصا الشعبية، للوقوف على تفاصيل المحاكمة التي استمرت سنة ونصف، وحقيقة معاناة حمزة من مرض في الدم أفضى إلى وفاته.
"بقي له أقل من سنتين"
وقال محمد عجان شقيق حمزة عجان في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا "صدر التقرير الطبي بعد سنة ونصف من تاريخ الحادثة، بتاريخ 11 كانون الثاني من العام الحالي، الذي تضمن معلومات عن أن حمزة يعاني من مرض في الأوعية الدموية، والضربة التي تلقاها مع مرضه أدت إلى وفاته، وهذا أمر عارٍ عن الصحة تماماً، لذا قمنا بتقديم طعن في التقرير الطبي".
وتابع محمد: "بعد صدور التقرير الطبي الثاني بنحو أسبوعين، جرت الجلسة الأخيرة من المحكمة، حيث تمت تبرئة ثلاثة إخوة من جريمة القتل، إذ كانوا قد خرجوا من السجن قبل عام من الآن بدفع الكفالة، بينما حُكم على القاصر الرابع بالسجن لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر".
وأشار محمد إلى أن المتهم الرابع الذي حُكم عليه بالسجن، قضى من محكوميته سنة ونصفاً في السجن، وتبقى له أقل من سنتين، وأضاف: "سألت المحامي عن الحكم الصادر، ليجيب بأنه أول مرة في حياته يحضر محكمة من هذا النوع طوال مسيرته المهنية".
"أحد الجناة ضربني بقدمه على ظهري في المحكمة"
وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع مصطفى عجان، والد الشاب حمزة عجان، الذي حضر جلسة النطق بالحكم الأخيرة، حيث أفاد بأنهم قاموا بتوكيل محامٍ لتسلم القضية فور وقوع الجريمة.
وأشار مصطفى في حديثه إلى الموقع إلى أن قرار المحكمة تأخر كثيراً بسبب تأخر صدور التقرير الطبي لمدة عام ونصف، إلا أنه صدر قبل الجلسة الأخيرة بأسبوعين.
وأفاد والد حمزة أنه وخلال حضوره المحكمة لم يكن يفهم ما يقال داخل قاعة المحكمة بسبب عدم معرفته اللغة التركية: "حضرت المحكمة أنا وزوجتي، وأتى الجناة إلى القاعة، ولكن تغيب الأخ الأكبر، ويدعى رمضان، عن حضور المحكمة رغم استدعائه لحضور المحكمة".
وقال مصطفى إنه عند صدور الحكم احتججنا أنا وزوجتي، إلا أن أمن المحكمة قاموا بإخراجنا إلى الباب الخارجي للمحكمة، ومنعونا من التحدث أو التعبير عن معارضتنا للحكم.
وذكر مصطفى بأنه أتى إلى المحكمة مع زوجته وابنيه الآخرين، إلا أن عائلة المتهمين كانوا يشكلون نحو خمسة وعشرين شخصاً، كلهم من الرجال، متجمعين أمام باب المحكمة، متهماً إياهم بنيتهم بالهجوم عليهم في حال صدر حكم يجرم أبناءهم.
وبرر مصطفى مخاوفه من اعتداء عائلة المتهمين عليهم قائلاً: "بعد نحو ستة أشهر من الجريمة، ذهبنا إلى المحكمة، فوجدنا ثلاثة من المجرمين يقفون في ممر المحكمة، أصبت بالصدمة عندما رأيتهم خارج السجن، ذهبت إلى أحد أفراد الشرطة الموجودين في المحكمة، وقلت له هؤلاء قاموا بقتل ابني، كيف هم خارج السجن، عندها قام الجناة بالتهجم عليّ من خلال الصراخ، وعندئذ قام أحدهم، ويدعى رمضان، بضربي على ظهري بقدمه أمام أفراد الشرطة".
محامي العائلة: آثار الدواء التي وجدت في دم حمزة أعطيت له في المشفى
وقال محامي العائلة إلهان مينغي في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا: "تقدمنا بشكوى إلى المدّعي العام في بورصا، كنا ننتظر حكماً بالسجن بتهمة القتل العمد للإخوة الأربعة بموجب قانون الجزاء التركي رقم 81، لأنه وبحسب التقرير الطبي الأولي الذي تقدم إلى المدعي العام، أفاد بأن سبب الوفاة كسورٌ في الجمجمة ناتجة عن ضربها بجسم صلب أكثر من مرة، إلا أنه وفي التقرير الأخير للطبابة الشرعية أفاد بأن المغدور حمزة عجان توفي نتيجة مرض في الأوعية الدموية، بدليل وجود أدوية في دمه خاصة بأمراض الأوعية الدموية".
وأفاد المحامي مينغي بأن هذه الأدوية يتم إعطاؤها عبر السيروم للمرضى عند وصولهم إلى المشفى، ولا تثبت بأنه كان يعاني من أي مرض، وأضاف: "قدمنا الدلائل التي تفيد بأن حمزة لا يعاني من أي مرض يتعلق بالأوعية الدموية، ويمكن الكشف عن ذلك من خلال ملفه الطبي، إذ لم يأت إلى المشفى سابقاً لتلقي العلاج من هذا المرض، ولم يكن يأخذ الأدوية لعلاج هذا المرض، ولم يثبت أنه كان يعاني من أعراض أي مرض، ولم يشتك من أي مشكلة صحية سابقاً".
وأرجأ المحامي الأسباب إلى تأخر إصدار التقرير الطبي إلى أنه في البداية يتم إصدار تقرير طبي أولي لفتح ملف القضية، ومن ثم يقوم العديد من المختبرات بتقديم تقرير طبي مفصل حول الحادثة، وبأن التأخير كان بسبب وجود مشكلة تأخير إيصال بعض المعلومات من الحكمة إلى مخابر التحليل.
"جرائم الإهمال"
وكشف المحامي بأن المدعي العام قام بتغيير التهمة، معتبراً بأن أحد الجناة القاصر هو المسؤول الأول عن الجريمة: "وفي يوم إصدار الحكم، قام المدعي العام بتغيير مطالعته المقدمة إلى المحكمة، وتغيير التهمة من القتل العمد إلى جرائم الإهمال، وهذه التهمة لا تتناسب مع معطيات الجريمة الحاصلة".
وأعطى المحامي مثالاً عن الحوادث التي تطبق عليها تهمة "جرائم الإهمال": "على سبيل المثال إذا كان لديك عمال يعملون في ورشة بناء تحت إشرافك، وسقط أحد العمال من الطابق الثاني، يحاكم مسؤول الورشة بتهمة جرائم الإهمال لتقصيره في حماية العامل، وفشله في تقديم وسائل الحماية له، ولكن لا يمكن اعتبار جريمة قتل شخص لا يقع تحت مسؤولية القاتل على أنها جريمة إهمال".
"شاهد وحيد يمكن أن يغير مسار القضية بالكامل"
وأشار المحامي إلى أن الشهود الذين حضروا الحادثة قاموا بتغيير إفادتهم عدة مرات تحت ضغط عائلة المتهمين: "في البداية، قدم شخص يدعى عمر، وهو أحد أقارب الجناة، شهادته في مكتب الشرطة، وكانت شهادة كافية ووافية، وشرح أن مراد قام بضرب حمزة على رأسه بالحجر الأمر الذي تسبب بوقوعه على الأرض، إلا أنه لم يتوقف عن ضربه على رأسه، وقدم كامل تفاصيل القضية، إلا أن عمر قام بتغيير شهادته أمام القاضي والمدعي العام بطلب من العائلة"، مؤكداً أن تغيير الشهادة يضعف موقف المتهمين أمام المحكمة، إلا أن هذا لم يحدث.
وأضاف المحامي بأن هذه الشهادة الوحيدة التي يملكونها، وهي من طرف المتهمين، وبأنهم لا يملكون شاهداً واحداً للإدلاء بشهادته أمام المحكمة، إلا أنه هنالك شاهد وحيد يمكن أن يغير مسار القضية بالكامل، وهي السيدة السورية التي كانت حاضرة في أثناء المشكلة: "نحن بحاجة إلى أن تظهر السيدة السورية وتدلي بشهادتها أمام المحكمة، إلا أننا لم نستطع الوصول إليها، يجب أن تتحلى بشيء من الضمير وتظهر وتشارك بشهادتها للدفاع عن الشاب الذي دافع عنها، يمكننا أخذ شهادتها بصفة سرية من دون أن يعرفها أحد".
"القاضي حكم بأقل مما طالب به محامي الجناة"
وذكر المحامي بأن محامي المتهمين كان قد طالب بمحاكمة الجناة بتهمة "القتل غير العمد" والتي تتراوح فترة سجنها من ثماني سنوات إلى اثنتي عشرة سنة، إلا أن القاضي حكم بـ ثلاث سنوات أربعة أشهر على المتهم القاصر، بينما تمت تبرئة المتهمين المتبقين، وبينهم اثنان فوق السن القانوني، على اعتبار أن الجريمة تقع ضمن إطار "جرائم الإهمال".
وأكد المحامي أن الحكم الصادر لا يعتبر حكما نهائيا، وبأنه سيقدم طعناً في القضية أمام محكمة الاستئناف، ومحكمة التمييز، مشدداً على أنه لن يترك القضية دون الحصول على حكم عادل، مشيراً إلى أنه لا يتقاضى أموالاً من العائلة لقاء مرافعته، بسبب كونه يعرف الشاب حمزة سابقاً، وتربطهم روابط صداقة مع أخيه أيضاً.
وقتل حمزة عجان بتاريخ 14 تموز من عام 2020 بعد دخوله في جدال تحول إلى مشادة كلامية بينه وبين المتهمين الإخوة الأربعة في أحد أسواق ولاية بورصا التركية.
وبدأت الحادثة عندما قدمت سيدة سورية إلى محل المتهمين الأربعة، وطلبت منهم شراء كمية كبيرة من محصول البندورة في صباح ذاك اليوم، إلا أنها عادت في المساء وطلبت إلغاء عملية الشراء، إلا أن المتهمين رفضوا ذلك، وبدؤوا بشتمها، الأمر الذي دفع حمزة للتدخل في المشهد، ومحاولة حل المشكلة، إلا أنهم اعتدوا عليه بالضرب، وضربوه على رأسه بواسطة حجر نقل على إثرها إلى المستشفى، وتوفي هناك بعد أربع ساعات من الحادثة.