icon
التغطية الحية

مجلة أميركية: صراع العشائر مع "قسد" يهدد الجنود الأميركيين في سوريا

2024.09.07 | 04:38 دمشق

القوات الأميركية في سوريا - المصدر: الإنترنت
القوات الأميركية في سوريا - المصدر: الإنترنت
The National Interest - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في مطلع شهر آب، شهد شمال شرقي سوريا زيادة كبيرة في العنف لم يسبق له أن شهدها منذ أن اندلع قتال مشابه ما بين "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" المدعومة أميركياً والعشائر العربية في المنطقة قبل عام على الآن.

يمثل الاندلاع الأخير للعنف دراسة مهمة لهذه الحالة التي تمثل دينامية عامة في سوريا بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على بدء النزاع فيها، والمقصود بذلك الزيادة المتكررة في مستوى العنف الذي يترتب على وجوده قضايا ومشكلات لم يتم التوصل إلى حل بشأنها ضمن ما يصفه كثيرون بأنه نزاع "مجمد"، إذ تعيق تلك الديناميات الجهود الساعية لإنهاء الأزمة، ما يجعل السوريين والقوات الأجنبية في البلد عالقين ضمن ما يمكن وصفه بأنه أعمق مستنقع تغوص فيه كل الأطراف، وخاصة القوات الأميركية البالغ عددها 900 جندي الذين جرى نشرهم في سوريا.

بدأت أحدث جولة للأعمال العدائية بين قسد والعشائر العربية المتحالفة مع النظام السوري منذ السادس من شهر آب الماضي، وذلك عندما عبر عدد من مقاتلي العشائر الضفة الشرقية لنهر الفرات التي يسيطر عليها النظام في محافظة دير الزور بشمال شرقي سوريا. وركز الهجوم على كثير من القرى التي تعرضت لهجوم خلال العام الفائت، إذ شمل معظم القرى المنتشرة على ضفة النهر في المحافظة ابتداء من كبار وحتى الباغوز، إلى جانب امتداد القتال نحو الشمال ليصل إلى قرية سر. في حين تركز القتال العنيف في المدن الكبيرة الواقعة في وسط المحافظة وعلى رأسها السبحاح والبصيرة والشحيل والديبان والطيانة وأبو حردوب، وأبو همام، والكشكية والغرانيج.

ردت قسد على الهجمات بحصار المناطق الأمنية التي يسيطر عليها النظام في الحسكة والقامشلي بما أنهما تعتبران مركزي قوة بالنسبة لقسد نظراً لأن أغلبية السكان فيهما من الكرد. وقد أتى قرار فرض الحصار على تلك المناطق مشابهاً لما فعلته قسد في السابق عند ازدياد التوتر مع نظام بشار الأسد وحلفائه. وتهدف هذه التحركات، إلى جانب عمليات قطع خطوط التماس التجارية، إلى زيادة الضغط على النظام ليتفاوض في نهاية الأمر على إنهاء النزاعات، بما أن النظام يكرر هذه الأساليب دوماً.

الوساطة الروسية والرد الأميركي

انتهى الحصار أو كاد في 13 آب عقب وساطة روسية بين الطرفين، ليكون ذلك فاتحة اتفاق أكبر تم بوساطة روسية وجرى الإعلان عنه يوم 15 آب، وقد أنهى هذا الاتفاق الاقتتال في دير الزور، إلا أنه في الوقت الذي عادت العناصر التابعة للعشائر التي يتزعمها الشيخ إبراهيم الهفل الموالي للنظام إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، استمر القتال لأيام بعد ذلك.

قدمت قنوات تيليغرام المحلية وغيرها من المصادر في المنطقة أدلة على تطبيق هذه الدينامية، إذ حتى بعد عقد الاتفاق، وبالتوازي مع ذلك، ضربت جماعات مدعومة إيرانياً قاعدة أميركية في حقل كونيكو للغاز في الوقت الذي جرى خلاله الإعلان عن وقف إطلاق النار. فردت واشنطن على ذلك بغارات جوية استهدفت مواقع يعتقد بأن الهجمات خرجت منها، فكانت تلك بداية جولة أخرى لتبادل إطلاق النار وقد ازداد عدد تلك الجولات بالتزامن مع قيام الحرب بين حماس وإسرائيل. هذا وتواصل الجماعات المتحالفة مع إيران الضغط على قسد والقوات الأميركية الموجودة عند الضفة الغربية للفرات حتى هذا اليوم.

كشفت سلسلة الأحداث هذه عن مصلحة للنظام وإيران في زعزعة الاستقرار بشمال شرقي سوريا والهدف من ذلك إرغام القوات العسكرية الأميركية على الانسحاب من تلك المنطقة، وتمثل تلك الجهود ما يعرف باسم الهدف البعيد لمحور المقاومة، نظراً لأهمية المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق في عمليات تهريب السلاح والبشر بما أن هذه المنطقة تربط بين إيران ولبنان بما يساعد الأولى على دعم حزب الله والمقاتلين الفلسطينيين. بيد أن الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا والذي يتسم بجودة التسليح فضلاً عن وجود رأس الحربة قسد وإمكانياتها العسكرية الكبيرة، يُعقّد هذه الدينامية ويفسر السبب الحقيقي لنشر الولايات المتحدة قواتها هناك.

إيران و"محور المقاومة"

زادت إيران والحلفاء في محورها من جهودهم الساعية لزيادة النعرات العرقية الموجودة بالأصل بين العشائر العربية وقسد نتيجة لذلك، إذ يهيمن على قسد "وحدات حماية الشعب" التي تعتبرها دول مثل تركيا بمنزلة الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كتنظيم إرهابي. كما أن معظم رجال العشائر العربية يتهمون قسد بأنها انفصالية ومعادية للعرب، وهذا ما وتر العلاقات بين الطرفين أكثر فأكثر.

وفي الوقت الذي تمثل فيه قسد قوة متعددة الأعراق تحظى بتأييد عشائر عربية في شمال شرقي سوريا، نكتشف بأن قوام العشائر السورية قد تصدع منذ قيام الثورة السورية في عام 2011، وبالنتيجة، أصبح المجال مفتوحاً أمام طهران وحلفائها حتى يدعموا مصالحهم في سوريا منذ ذلك الحين.

يعتبر السبب الرئيس لظهور حالة من النقمة بين أبناء المنطقة تجاه قسد سبباً اقتصادياً وسياسياً بالدرجة الأولى، إذ تعيش سوريا ظروفاً اقتصادية قاسية، بعد أن انتشرت فيها المعاناة على أوسع نطاق، وقد سعت قسد وجناحها الإداري أي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا للتخفيف من عبء ذلك في تلك المناطق. أما على المستوى السياسي، فتبرر الظروف الأمنية الصعبة سياسات القمع من منظور قسد، والتي تشمل الاعتقال والحبس العشوائي والتجنيد الإجباري والقيود المفروضة على حرية التعبير، وتقييد الاحتجاجات العامة، والسعي للحفاظ على الاستقرار.

 لا تحولات مستقبلية ولا حل للمشكلات القائمة

في نهاية الأمر، فشل الاقتتال في معالجة أي من تلك المشكلات، تماماً كما حدث للجهود الدولية التي سعت لدعم قسد والإدارة الذاتية والتي لم تتمخض عن تحسن هائل في إمكانيات الحكم أو في الوضع الاقتصادي هناك، فضلاً عن القضايا التي تتصل بالحقوق. ونتيجة لذلك، لا بد للمشكلات الأساسية التي تزعزع الاستقرار في شمال شرقي سوريا أن تستمر في التفاقم في ظل غياب تحولات أوسع ضمن البلد، ولا يبدو أن هذه التحولات ستحدث خلال فترة قريبة، فضلاً عن الوقائع التي تحدث على المدى المتوسط والتي تشير إلى احتمال استمرار حالة الاقتتال الأخيرة بين مد وجزر.

يشكل هذا السياق مخاطر كبيرة على التحالف الدولي الذي يحارب فلول تنظيم الدولة، ويتألف في معظمه من قوات أميركية تعمل ضمن قواعد عسكرية صغيرة ومكشوفة إلى حد كبير منتشرة في شمال شرقي سوريا. فقد تعرض هؤلاء الجنود لهجمات نفذتها ميليشيات تابعة لإيران منذ حرب إسرائيل على غزة في 7 تشرين الأول الماضي، وهذا ما عزز حالة انعدام الأمن ضمن بيئة عمل غير مستقرة أصلاً. وبذلك، فإن زيادة التحالف بين العشائر العربية في المنطقة وإيران والميليشيات التابعة لها في دير الزور يجب أن يثير دهشة واشنطن وانتباهها.

وبعد استيعاب هذا الواقع، ينبغي على المسؤولين الأميركيين تقدير خطر تعريض نحو 900 جندي لعناصر معادية في سوريا في خضم نزاع لا علاقة للولايات المتحدة به لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأن الغايات التي ترجى من نشر هؤلاء الجنود، وأهمها منع إيران من تهريب السلاح بما يدعم أمن المنطقة على نطاق أوسع، لا يضارع عدم شرعية وجود القوات الأميركية على المدى البعيد في سوريا، بما أن ذلك يهدد وبشكل خطير بند فصل السلطات في الدستور الأميركي، كما يعرض الجنود الأميركيين للمخاطر. في الحقيقة، يمثل هؤلاء الجنود نقطة الانطلاق بالنسبة للهجمات الإيرانية، وكذلك بالنسبة لخطر اندلاع حرب أوسع في المنطقة بما أن هذه الحرب لا تصب في المصلحة الأميركية. ويعتمد جزء كبير من هذا التقييم على الخلاصة التي ترى بأن الفوائد المعلنة لنشر الجنود الأميركيين في سوريا فوائد هامشية على أحسن تقدير، وذلك عندما ننظر إلى طرق التهريب التي ما تزال تعمل من دون أي رادع.

ختاماً يمكن القول إن قيمة الردع التي ستخسرها المنطقة في حال انسحبت القوات الأميركية منها ما هي إلا قيمة هامشية، لا سيما بعد إطلاق يد إسرائيل في سوريا، وقدرة أميركا على جمع المعلومات الاستخبارية من دول مثل الأردن، بما أن الجيش الأميركي نفذ تلك الأمور من قبل. ثم إن سحب الجنود الأميركيين بطريقة تنم عن مسؤولية كبيرة لا بد أن يحقق الأهداف الأميركية المعلنة في المنطقة من دون التخلي عن قسد أو الإدارة الذاتية، ولهذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم عوضاً عن ذلك بتعديل التزاماتها وتفويض مسؤولياتها الأمنية إلى جهات فاعلة إقليمية. وبما أن هذا السياق السوري لن يتغير على المدى القريب، فإن التحول الذي يستغل الموارد بشكل استراتيجي وبنسبة أمان أعلى لا بد أن يقطع شوطاً طويلاً باتجاه تحقيق الأهداف الأميركية بصورة دائمة.

 

المصدر: The National Interest