مجزرة عفرين.. توقيت القصف ورسائله
لم تمض سوى ساعات على تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن بلاده أضفت الأمان على أجزاء كبيرة من المناطق السورية القريبة من حدودها، لتتعرض بعدها مدينة عفرين الحدودية لقصف مدفعي مصدره المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية"، راح ضحيته 15 مدنياً حسب آخر إحصائية صادرة عن الدفاع المدني السوري.
ربما لا ينفصل القصف المفاجئ الذي طال عفرين، عن التصعيد العسكري المتواصل منذ نحو أسبوع على منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب، ولكن الفارق بينهما أن الرسالة من استهداف عفرين، سيكون صداها أكبر، وتأثيرها أشد، على الجهة المراد مخاطبتها بلغة الصواريخ.
رسالة مدادها الدماء
قبل يوم من وقوع المجزرة في مدينة عفرين، قال الرئيس التركي: "أجزاء كبيرة من المناطق السورية القريبة من حدودنا جعلناها آمنة"، مضيفاً أن بلاده ستواصل بذل قصارى جهدها لضمان مستقبل مشرق "لجارتنا سوريا على قاعدة وحدة أراضيها ووحدتها السياسية".
وذكر أن أهالي كيليس (التركية) "يعلمون جيداً المآسي والمظالم والخسائر التي شهدتها الأراضي السورية القريبة خلف الحدود، وأن تركيا أحبطت كافة الألاعيب الخبيثة التي سعت لجعلها تعيش نفس السيناريو السوري"، كما قال مخاطباً اللاجئين داخل تركيا الفارين من الظلم والقتل في بلدانهم: "اصبروا إن الله مع الصابرين، وما بعد الضيق إلا الفرج، ولا شك أن دعوة المظلوم ستنتصر على جبروت الظالم يوما".
ومن الواضح أن القصف جاء لخلط الأوراق، والبعث برسالة أن لا شيء يضمن أمان المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، خاصة في ريف حلب الشمالي، بالمقابل دلّ التفاعل الرسمي التركي مع حادثة القصف، على أن الرسالة قد وصلت.
وعلّقت تركيا على القصف عبر مسؤوليها بمختلف المستويات، بدءاً من وزارة الدفاع، إلى نائب الرئيس، وبالرغم من أن دقة الإصابة التي حققتها القذائف، وحجم الدمار الكبير الذي خلفته يوحي بأن الفاعل هو نفسه من يصعد في جبل الزاوية (روسيا)، فإن الدفاع التركية وجهت أصابع الاتهام لـ "قوات سوريا الديمقراطية" بالوقوف وراء الاستهداف.
وجاء في بيان للوزارة، أن "الإرهابيين بمنطقة تل رفعت قصفوا برشقات مدفعية وصاروخية مشفى الشفاء في مدينة عفرين التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا"، مشيرة إلى استهداف مواقع التنظيم على الفور عقب الهجوم، وإبلاغ روسيا بـ"الهجوم الدنيء" الذي استهدف المدنيين الأبرياء بشكل مباشر.
ودانت وزارة الخارجية التركية "بشدة" الهجوم "الإرهابي" الذي أودى بحياة العديد من المدنيين بينهم كوادر طبية، ودعت المجتمع الدولي "لرؤية الحقائق ووقف دعمه للتنظيم الإرهابي الذي يعمل تحت أسماء مختلفة".
توقيت القصف ورسائله
استبق القصف على عفرين اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي والأميركي غداً الثلاثاء، على هامش اجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسل، وربما يحمل الاستهداف في طياته رسالة ضغط على تركيا ورئيسها قبل اللقاء، لا سيما بعد أن أكدت مصادر دبلوماسية أن "التفاوض بين الولايات المتحدة وتركيا جارٍ على قدم وساق، ويركز على عقد صفقة متعددة الأوجه، لا تتصل فقط بصفقة الصواريخ الروسية (إس 400)، بل بالدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية والدولية، وكذلك حول مصير المناطق الحدودية التركية - السورية، خصوصاً تلك الممتدة شمال شرقي الفرات"، وفقاً لما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط".
ويمكن حصر توقيت ودوافع التصعيد، سواء في إدلب أو عفرين، بعدة نقاط رئيسية، لعل أبرزها ما حملته تصريحات المسؤولين الأميركيين، وزيارة المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إلى الحدود السورية - التركية، من ضغط على روسيا، بهدف منعها من التصويت في مجلس الأمن تموز المقبل، على عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا، عن طريق معبر باب الهوى الحدودي.
وذكرت منظمة الدفاع المدني السوري أن التزامن بين ما يتعرض له ريف إدلب الجنوبي ومدينة عفرين، من تصعيد عسكري "ليس إلا دليل على النية المبيتة من هذه الهجمات والأطراف التي تقف خلفها بهدف خلط الأوراق وفرض واقع على الأرض قبل اجتماع مجلس الأمن في 11 من تموز للتصويت حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، ليكون التفاوض فوق أشلاء ودماء السوريين، كعادة مجرمي الحرب"، حسب المنظمة.
ويعتقد أن من دوافع التصعيد، الضغط على أنقرة وبعثرة أوراقها قبل أيام قليلة من عقد الاجتماع رقم 16، في إطار مؤتمر أستانا بين تركيا وروسيا وإيران حول الملف السوري، والمقرر أن يتم في شهر حزيران الحالي.
ومن المحتمل أن تكون أبعاد التصعيد خارج نطاق الملف السوري بكامله، لكن أريد لمنطقة شمال غربي سوريا أن تكون "صندوق البريد" الذي يستقبل رسائل بوتين، ويوصلها إلى أردوغان وبايدن، إذ إن القصف يتزامن مع تصريح لافت من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أكد فيه أن بلاده مستعدة لتبديد القلق الفني لدى حلفائها بخصوص منظومة "إس-400" الروسية، حيث قال إن الحلول المعقولة والمنطقية ممكنة دائماً.
وسبق أن نشر مركز "جسور للدراسات" تحليلاً عن أسباب التصعيد العسكري الروسي شمال غربي سوريا، إذ أرجعه إلى استمرار المفاوضات حول ملف المعابر الإنسانية، سواء معبر "باب الهوى" أو المعابر الداخلية التي ترغب روسيا بأن يتم فتحها بين إدلب ومناطق النظام، مشيراً إلى أن الأطراف المتفاوضة لم تتوصل إلى نتيجة حولها.
ووفقاً للمركز، فإن التصعيد يأتي مع اقتراب موعد القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي جو بايدن، حيث ترغب روسيا بوضع الملف السوري ضِمن أولويات القمة، بحثاً عن "صفقة" مع الجانب الأميركي.