قبل 37 عاماً، ارتكب "نظام آل الأسد" في عهد (حافظ الأسد) رأس النظام السابق في سوريا، أفظع مجزرة عرفها السوريون في تاريخهم الحديث، قبل أن يجاريه ابنه (بشار الأسد)، بارتكاب مئات المجازر المماثلة والمستمرة، منذ العام 2011.
مجزرة حماة أو مذبحة حماة، التي ما تزال كابوساً مظلماً يتناقل السوريون أحداثه الفظيعة منذ 37 عاماً، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف مِن المدنيين بينهم أطفال ونساء، بحملة قتل وتنكيل لـ"نظام الأسد" ضد أبناء مدينة حماة بدأها، يوم 2 شباط 1982، بذريعة القضاء على مسلّحين تابعين لـ"الإخوان المسلمين".
وما يزال الناجون مِن المجزرة - التي استمرت طيلة شهر - يستذكرون الرعب الذي عاشوه حينها، بينما يستذكرها أهالي الضحايا بألم مرير لـ فقدِ أبنائهم وأحبائهم بطريقة "وحشية" اتبعها "نظام الأسد"، الذي صبَّ جام همجيته على مدينة حماة وأهلها.
مجزرة لم يوفر "نظام الأسد" فيها حتى الأطفال، وحسب ما تناقله شهود عيان، فإن "النظام" وفي اليوم الـ 14 على بداية المجزرة، قتل عدداً كبيراً مِن الأطفال في أحد أحياء مدينة حماة، بعد خروجهم مِن بيوتهم لـ إحضار الخبز مِن سيارة كانت في طرف الشارع، قبل أن يعترض "جنود النظام" طريقهم، ويطلبون منهم الدخول إلى مسجد مجاور، وهناك فتحوا عليهم النار، وقتلوا العشرات منهم.
في ذكرى المجزرة، يستذكر السوريون تفاصيلها المرعبة ويروون أحداثها الفظيعة، ويتناقلونها عن الناجين منها الذين استطاعوا - منذ اندلاع الثورة السورية - قصّ حقائقها بصوت مرتفع، بعد أن نجح "نظام الأسد" - قبل الثورة - في التكتّم عليها لـ بعض الوقت، رغم تسريب بعض الفظاعات الموثّقة بالصور حينها إلى العالم، الذي لم يكترث حينها، وما زال كذلك حتى الآن.
ومجدداً تداول ناشطون وصحفيون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، تفاصيل ذكرى مجزرة حماة، حيث قالت السياسية السورية (علياء منصور) على حسابها في "تويتر"، إنه "في مثل هذا اليوم فتحوا بطون الحوامل، قتلوا الشيب والشباب، اغتصبوا النساء، رموا الأطفال من شرفات المنازل أمام أعين أمهاتهم، في مثل هذا اليوم مارس حافظ الأسد وشقيقه رفعت حقداً لم يعرفه بشر ولا حجر على مدينة حماة وأهلها، وصم العالم آذانه كما يفعل اليوم مع ابن الطاغية".
وغرّد الصحفي (وائل تميمي) على حسابه في "تويتر" أيضاً قائلاً "بدأت مجزرة #حماة في مثل هذا اليوم قبل 37 عاماً قتل خلالها نظام الأسد عشرات الآلاف من السوريين ممن لا يعرف لهم عدد محدد حتى الآن. المذبحة مبدأ جوهري راسخ في الأسدية، وتطورت إلى الإبادة بعد ثورة 2011".
وأضاف الناشط (وائل عبد العزيز) في تغريدة أخرى، أن "#مجزرة_حماة والمجازر التي تلتها ومجازر الأسدية منذ بداية الثورة هي ذاكرتنا التي توقد فينا كل يوم عزماً جديداً كي نستمر في درب الثورة والثأر، والوفاء لأمانة دم الشهيد، إن الثأر من النظام الأسدي وأركانه وأدواته وقتلته هو التجسيد الكامل للعدالة والأرضية لأي حل سياسي مستقبلي في سوريا".
وذكر الناشط (عبد الكريم العمر) على حسابه في "فيس بوك"، بعضاً مِن تفاصيل مجزرة حماة بعد أسبوع مِن الفظائع التي اركتبتها "سرايا الدفاع" التي كان يقودها "رفعت الأسد" شقيق "حافظ الأسد"، وأنه أمر عناصره باعتقال آلاف الشبّان في حماة، لأنه لا يريد أن يرى أي شابٍ في المدينة.
مجزرة حماة التي قدّرت مصادر عدّة عدد ضحاياها بنحو 30 ألف قتيل - مصادر أخرى قالت إن العدد أكبر بكثير -، لم يتعرض مسببها "حافظ الأسد" - قبل موته - وقائد حملتها "رفعت الأسد" - المقيم في فرنسا الآن - لأي محاسبة دولية، ويبدو أنهما أفلتا مِن المحاسبة، كـ "بشار" الذي ما زال بعيداً عن المحاسبة حتى الآن، رغم ارتكابه مئات المجازر وقتله واعتقاله مئات آلاف السوريين وتهجيره وتشريده ملايين آخرين، وتدمير سوريا بشكل شبه كامل.
تفاصيل مجزرة حماة 82
نُفّذت مجزرة حماة، بعد حشد "سرايا الدفاع" بقيادة "رفعت الأسد"، و"اللواء 47 دبابات"، و"اللواء 21 ميكانيك"، و"الفوج 21 إنزال جوي"، إضافةً لـ مجموعات مِن عناصر "مخابرات النظام" فصائل حزبية مسلّحة، طوّقوا جميعهم مدينة حماة، ومنعوا المدنيين مِن الخروج، وفرضوا عليها حصاراً خانقاً، ترافق مع قصفٍ بمختلف أنواع الأسلحة ورشقٍ للمدنيين بالرصاص، استمر طوال أيام شهر شباط عام 1982.
وقُتل - حسب المصادر - في مذبحة حماة آلاف المدنيين قُدرت أعدادهم بـ نحو 30 ألف مدني مِن أصل 350 ألف نسمة كانوا يسكنون مدينة حماة، ولم تتمكن منظمات حقوق الإنسان حتى الآن مِن إحصاء العدد الحقيقي للقتلى في المدينة، بسبب التعتيم الكبير الذي مارسه "نظام الأسد" على مجازره حينها، فضلاً عن سكوت المجتمع الدولي عنها.
كذلك، فُقد أكثر من 15 ألف مدني - لم يُعرف عنهم شيء حتى الآن -، ودُمّرت أحياء بأكملها في مدينة حماة كـ (الحاضر، والكيلانية، والزنبقي)، ونُهبت البيوت والمحال التجارية، وهُدم أكثر مِن 80 مسجداً وثلاث كنائس، مما اضطر أكثر مِن 100 ألف مدني للنزوح عن المدينة، مع هروب الكثير منهم خارج سوريا.
ومما يستذكره أهالي حماة، ما جرى للوفد الذي خرج للحوار مع قوات "حافظ الأسد" حينها مِن أجل تحييد المدنيين، ومِن الوفد (طبيب العظميّة عبد القادر القندقجي، وطبيب العيون عمر شيشتلي)، حيث قتلهما "نظام الأسد" وأعادهما إلى المدينة جثتين هامدتين، بعد تكسير عظام طبيب العظمية، وإطلاق الرصاص على عيني طبيب العيون.
وعقب مجزرة حماة، شنّت أجهزة مخابرات "نظام الأسد" حملات اعتقال طالت آلاف الشبّان والرجال في مدن وبلدات سوريّة عدّة بتهمة الانتماء لـ"الإخوان المسلمين"، لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، وسط تأكيدات بأن معظم الذين اعتقلوا لم تربطهم أساساً أي صلة بـ"الإخوان"، حتى أن مِن بين المعتقلين مَن هم (مسيحيو الديانة)، وآخرين مِن المنتسبين لـ أحزاب شيوعية.
الصور المرعبة والفظائع التي ارتُكبت في مجزرة حماة، ما يزال لها الأثر الكبير على السوريين، ما جعلهم يعيشون في خوف دائم مِن "نظام الأسد" حتى اندلاع الثورة ضده في آذار 2011، وتكاد لا تخلو عائلة في مدينة حماة إلا ولديها قتيل أو مفقود أو مهاجر جراء تلك المجزرة، فضلاً عن تهميش "النظام" للمدينة والتشديد على أهاليها ومعاملتهم كـ"خونة ومنبوذين".
يشار إلى أنه ومنذ اندلاع الثورة السورية ضد "نظام آل الأسد"، منتصف آذار 2011، والسوريين يستذكرون - بصوت مرتفع - ذكرى مجزرة حماة والمجازر التي ارتُكتب قبلها وبعدها في مناطق سوريّة عدّة، ويروون أحداثها الفظيعة لـ أبنائهم لـ يعرفوا جيداً مَن هو هذا "النظام" القابع على صدورهم منذ نحو 50 عاماً، والذي تتوارث فيه "عائلة الأسد" الحكم وكيفية قتل السوريين.