"لم يحترق شجر الزيتون فقط وإنما احترق عمرنا وذكرياتنا، شجرة الزيتون عزنا، وعزنا احترق أمام أعيننا"، بهذه الكلمات القليلة وعينين دامعتين عبّر أبو علي، من ضيعة قمين بريف القرداحة، عن شعوره بالخذلان، متسائلاً "أين ما تبقى من نظام الأسد".
وقال أبو علي في تصريح لموقع "تلفزيون سوريا" إن بلدة قمين "من أول الضيع التي أصابتها الحرائق، حيث بدأت تندلع النيران فيها في الساعة الواحدة ليلاً، وكان الهواء شديد جداً، ما ساعد على انتشارها بسرعة كبيرة، وأحرقت بعض المنازل، وبدأت الناس تطفئ النار بما تستطيع من أساليب بدائية".
وأضاف "كانت خسارتي معنوية أكثر منها مادية، فشجرة الزيتون والليمون هي عزنا وتراثنا وشقاء عمرنا، أما مادياً فلم أكن قد قطفت الموسم بعد، فخسارتي أكثر من عشرة ملايين ليرة سورية"، ولفت أن التربة "تحتاج لعشر سنين حتى يمكن زراعة الزيتون من جديد، ومثلها حتى يكبر الغراس، ومثلها لبدء الإنتاج، أي أن خسارتنا ثلاثون عاماً تماماً".
الرخام وآل الأسد وشاليش
على الرغم من سيل التصريحات الرسمية، إلا أن أسباب اندلاع الحرائق ما زالت مجهولة حتى الآن، لكن عدداً كبيراً من أهالي قرى وبلدات ريف اللاذقية التي أصابتها الحرائق يعتبرون أنها مفتعلة وممنهجة، بهدف إجبار الأهالي على بيعها والاستفادة من مادة الرخام الموجودة بكثرة في هذه الأراضي.
وقالت مصادر محلية من قرى ريف القرداحة لموقع "تلفزيون سوريا" إن شخصيات من عائلتي الأسد وشاليش عرضوا مبالغ خيالية لشراء أراضيهم قبل سنة تقريباً، لكن معظمهم رفض البيع.
وأوضحت المصار أن نظام الأسد تعمّد حصار هذه البلدات والقرى بقطع الكهرباء والمياه لفترات طويلة، وتقليل وسائل النقل إليها، فضلاً عن غلاء الأسعار، ليصل إلى حرق أراضيها مؤخراً.
وأكدت المصادر أن هذه الشخصيات جدّدت عروضها للشراء في الأيام الأخيرة، ولكن بأسعار جديدة وزهيدة، بحجة أنه لا مواسم زراعية بعد الآن، إلا أن الأهالي رفضوا بيع أراضيهم.
إحصائيات حكومة النظام غير دقيقة
قالت إحصائيات حكومة النظام إن الحرائق تسببت بوفاة أربعة أشخاص، لكن مصادر محلية أكدت أن هذه الإحصائيات غير دقيقة، فحصيلة الوفيات هي سبعة أشخاص نتيجة الحرائق، بالإضافة لإصابات بليغة للعشرات من الأهالي، عدا حالات الاختناق.
كما احترقت منازل بأكملها في ريف القرداحة وحدها، فضلاً عن مواسم زراعية كان الأهالي ينتظرونها، وقال شادي، أحد أهالي ضيعة تلارو بريف القرداحة "أكثر من 100 شجرة زيتون احترقت في أرضي، وإنتاج شجرة الزيتون الواحدة يقارب 100 ألف ليرة سورية في الموسم، أي تقدر خسارتي بـ 10 ملايين ليرة سورية لهذا الموسم فقط".
وأوضح شادي أن أرضه تحتاج لسنوات عديدة حتى تنتج موسماً من الزيتون من جديد، متسائلاً "من سيعوضنا عن هذه الخسائر".
وعن وعود النظام بتعويض الأهالي عن الخسائر، قال شادي متهكماً "حكومتنا تشتكي من الحصار الاقتصادي، ولا تستطيع تأمين حتى الكهرباء والمشتقات النفطية، فكيف ستقوم بتعويض هذه الخسارات التي ستفوق المليارات؟"، مضيفاً "كل هذا وعود يصرّح بها النظام أمام الإعلام فقط".
الأولوية لمنازل الضباط
من جهة أخرى، أبدى بعض الأهالي أن هناك توجيهاً لفرق الإطفاء أثناء إطفاء الحرائق، وأولوياتها لم تكن بحسب شدة النيران أو اقترابها من المناطق السكنية، بل بحسب "في أرض أو منزل من اندلعت".
غيداء، وهي ربة منزل من قرية الفاخورة بريف القرداحة، أكدت أن شباب القرية هم من قاموا بإطفاء الحرائق التي اندلعت بالقرية بأساليب بدائية باستخدام بالتراب والمياه، بينما فرق الإطفاء كانت مشغولة بإطفاء الحرائق التي اقتربت من منازل الضباط وفللهم.
وأوضحت غيداء "وصل الحريق لمنازلنا وقطع الطرقات، حاولنا إخراج كبار السن والأطفال على الدراجات النارية بصعوبة كبيرة لعدم قدرة السيارات للوصول إلينا"، مضيفة "أزمة الحرائق جاءت فوق أزماتنا المعيشية والاقتصادية المتراكمة وضاعفت قهرنا".
وأضافت غيداء أن "الحكومة تجاهلت حرائق قريتنا، ولم ترسل خلال يومي الحريق سوى سيارتي إطفاء، وتوجهت لمنازل الضباط فقط"، ولفتت أن "طائرة واحدة فقط حلّقت لإطفاء الحرائق، وأطفأتها في أراضي آل الأسد فقط".
وأكدت أن أهالي قريتها طلبوا من مدير ناحية القرداحة ليلة اندلاع الحريق ضخ مياه الري لاستخدامها بعمليات الإطفاء وإيقاف انتشار الحريق، لكنه رفض بحجة انقطاع التيار الكهربائي واحتراق أعمدة الكهرباء، علماً أن عنفات الري تعمل على المازوت ويمكن الاستغناء عن الكهرباء لضخ المياه.
احتجاجات وقطع طرق
في اليوم التالي لإطفاء الحرائق، شهدت قرية الفاخورة في ريف القرداحة احتجاجات وقطعاً للطرق، ومنعاً لمرور أي سيارة من الذهاب والإياب إلا بحضور المحافظ، لكن من حضر حينها كان مدير ناحية القرداحة وقائد الشرطة ومراسلاً للتلفزيون السوري.
وقالت مصادر محلية إن الأهالي قاموا باحتجاز مدير الناحية لساعتين، وكسروا كاميرات التلفزيون السوري، وسط هتافات بمحاسبة المسؤولين عن الحرائق، رافضين التجاوب مع أي جهة باستثناء المحافظ، الذين طالبوا بحضوره كشرط لفتح الطرقات.
ووفق المصادر، توجهت قوة من الشرطة إلى المكان لإنهاء الاحتجاج وإخراج مدير الناحية، وأرسل المحافظ مساعدات غذائية لأهالي البلدة، تضمنت ربطة خبز وكرتونة غذائية صغيرة لا تكفي حتى ليوم واحد، ما دفع بالأهالي لرفض استلامها.
كما شهدت قرية قمين احتجاجات مماثلة، قطعت فيها الطرق، ومنع الذهاب والإياب عبرها إلا بحضور المحافظ، وقالت مصادر محلية من القرية إنه "نتيجة لعدم تجاوب المحافظ، طلب الأهالي عدم حضوره لأنهم لا يجدون فيه ممثلاً للشعب، وليس كفؤاً لإدارة أصعب الأزمات التي مرت على تاريخ اللاذقية".
اقرأ أيضاً: حرائق الساحل اقتربت من قبر حافظ الأسد ومصنع صواريخ إيراني (صور)