لوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتحرك العسكري شمال سوريا، في تصريحات جديدة صدرت عنه يوم أمس الإثنين، أكد فيها أن أنقرة ستعمل قريباً على استكمال المناطق الآمنة بمحاذاة حدودها الجنوبية مع سوريا.
وأضاف: "سنبدأ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء منطقة آمنة في عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية مع سوريا"، مع الإشارة إلى أنه سيقوم بالمحادثات اللازمة لضمان سير الأمور على ما يرام.
رسائل سياسية
وأكد أردوغان في سياق تصريحاته الأخيرة أن "تركيا ستميز مجدداً في هذه المرحلة بين من يحترمون حساسيتها الأمنية، والذين لا يكترثون سوى لمصالحهم، وأنها ستصوغ سياستها مستقبلاً على هذا الأساس".
بدت التصريحات التركية أنها إشارة إلى تفكير أنقرة الجاد بعقد تفاهمات جديدة مشتركة مع روسيا في الملف السوري، مما يعني نشوء المزيد من العقبات أمام المساعي الأميركية في حشد الحلفاء ضد روسيا.
ومما يعزز الاعتقاد بأن أردوغان أراد إرسال رسائل إلى واشنطن، أن كلامه حول صياغة سياسة تركية مستقبلية مع دول تحترم حساسية أنقرة الأمنية، تبعه إعلانه إلغاء المجلس الاستراتيجي مع اليونان، والمطالبة بعدم استماع الولايات المتحدة الأميركية لما يقوله رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسو تاكيس" حول عدم تزويد تركيا بطائرات F16.
وتسود حالة من الغضب لدى أنقرة بعد استقبال واشنطن لرئيس وزراء اليونان في 17 أيار الجاري، وإتاحة المجال له لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، حيث أشاد الأخير بالوجود العسكري الأميركي في الجزر البحرية المتنازع عليها مع تركيا في منطقة البحر المتوسط، وأكد عدم قبول أثينا بحل الدولتين في قبرص، وطالب واشنطن بأن تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع في شرق البحر المتوسط قبل اتخاذ قرار بيع أسلحة إلى تركيا.
استقبال الولايات المتحدة لرئيس الوزراء اليوناني بهذه الحفاوة، أعطى إشارات على الرغبة في تصعيد الضغط الأميركي على تركيا رداً على تشدد الأخيرة في مسألة توسيع حلف شمالي الأطلسي ليشمل كل من السويد وفنلندا، بدلاً من الاتجاه للاستماع إلى مخاوف أنقرة والعمل على حلها، مما قد يدفع تركيا للجوء إلى التنسيق والتقارب أكثر مع روسيا، وهذا يمكن استنتاجه من مضامين خطاب الرئيس التركي.
وأظهرت واشنطن تجاهلاً للمصالح الأمنية التركية في سوريا، عبر استعادة جزء من انتشارها العسكري في قاعدة خراب عشق جنوب عين العرب بمحافظة حلب في منتصف أيار 2022، وهي منطقة تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وأكدت مصادر ميدانية لموقع تلفزيون سوريا أن آليات إنشاء عسكرية أمريكية تعمل حالياً في القاعدة، مما يشير إلى رغبة بتوسيعها واستعادة التمركز فيها، وبالتالي إعاقة عمليات عسكرية تركية متوقعة في المنطقة ضد قوات "قسد" المنتشرة هناك.
صور من دوريات مشتركة جرت مؤخرًا بقيادة شركائنا في #قوات_سوريا_الديمقراطية في دير الزور!
— Inherent Resolve (@CJTFOIR) May 23, 2022
إنّ هذه الدوريات تُعّزز تعاوننا وتُساهم في تمكين جهود قوات سوريا الديمقراطية على تقويض قدرة داعش على العمل في الظل وتعزيز الأمن والإستقرار الإقليميين. #نحن_أقوى_معًا #هزيمة_داعش pic.twitter.com/1yXE3I9oCF
العملية العسكرية التركية في سوريا خيار غير مستبعد
الحديث عن رسائل سياسية مقصودة في كلمة الرئيس التركي، لا يعني استبعاد احتمال عمليات عسكرية تركية جديدة في سوريا.
ويدعم محلل شؤون السياسة الخارجية والأمن المقيم في أنقرة "عمر أوزكيزيلجيك" فكرة وجود فرص تركية لتحقيق مكاسب في الملف السوري.
ورأى "أوزكيزيلجيك" في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا" أن حرب أوكرانيا سيكون لها انعكاس على سوريا، فإما ستدفع الولايات المتحدة للانخراط في تعاون جاد مع أنقرة، أو ستضعف روسيا إلى الحد الذي لا تستطيع فيها منع عملية عسكرية تركية جديدة، وعندها يمكن للقوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري استغلال الضعف والعزلة الروسية.
ولكن المحلل التركي لفت إلى أن الوضع الاقتصادي، وعدم اتضاح اتجاهات الحرب الأوكرانية ستكون عوامل مؤثرة في اتخاذ القرار التركي.
ورشح "أوزكيزيلجيك" مناطق تل رفعت وشرق رأس العين وغرب تل أبيض باتجاه عين العرب، بالإضافة إلى منبج، لتكون مسرحاً لعمليات عسكرية تركية محتملة، كما لم يستبعد منطقة المالكية في ريف الحسكة، لأن السيطرة على المنطقة سيؤثر على خط إمداد وحدات الحماية، مع الإشارة إلى خيار التفاهم على انتشار قوات البيشمركة السورية في المناطق ذات الغالبية الكردية شمال شرقي سوريا بعد إخراج وحدات حماية الشعب منها.
النطاق الجغرافي للعمليات العسكرية المحتملة
وأكدت مصادر عسكرية لموقع "تلفزيون سوريا" أن منطقة تل رفعت وما حولها، ومنطقة عين العرب بريف حلب على رأس الأولويات التركية، بسبب الأهمية الأمنية والسياسية لكلتا المنطقتين.
وباتت منطقة تل رفعت في الآونة الأخيرة قاعدة انطلاق لهجمات كل من تنظيم قسد والميليشيات الإيرانية باتجاه منطقتي عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، حيث تعرضت مدرعة تركية في منطقة مارع شمال حلب أواخر نيسان الماضي إلى استهداف بصاروخ مضاد للدروع من جهة تل رفعت.
وفي حال إخراج الميليشيات الإيرانية وتنظيم "قسد" من تل رفعت والقرى المحيطة بها، سيكون من المتاح إعادة توطين أكثر من 100 ألف نازح يقيمون على الشريط الحدودي.
أما دخول القوات التركية والجيش الوطني السوري لمنطقة عين العرب، فيعني إمكانية وصل منطقتي نبع السلام ودرع الفرات، عبر فتح الطريق من جرابلس باتجاه تل أبيض، وأيضاً التخلص من التهديدات الأمنية التي تتعرض لها المناطق الخاضعة للحماية التركية انطلاقاً من عين العرب التي ينصب فيها تنظيم قسد منصات إطلاق صواريخ، ويدير منها حرباً أمنية تتضمن إرسال سيارات ملغمة لمناطق سيطرة الجيش الوطني السوري.
وعلى الأرجح فإن روسيا ستكون منفتحة على عقد تفاهمات جديدة مع تركيا حول هذه المناطق، لأن موسكو راغبة بالحفاظ على موقف تركي حيادي على الأقل في الصراع الأوكراني، كما أن تخلي روسيا عن توفير الحماية لتنظيم قسد في بعض المواقع في سوريا سيغذي التوتر بين أنقرة وواشنطن الداعم الرئيسي للتنظيم.
وفي حال تعثر المسار التفاوضي التركي - الأمريكي، وعدم التوصل إلى تفاهم حول الشريط الحدودي الممتد من حدود العراق إلى منطقة "نبع السلام"، وإخراج كوادر حزب العمال الكردستاني منها، وتمكين قوى كردية أخرى من الانتشار فيها، فسيكون من غير المستبعد أن تتجه أنقرة للعمل المشترك مع روسيا بهدف كسب مناطق جغرافية جديدة وتقويض سيطرة تنظيم قسد عليها.