أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مباحثات مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في 18 كانون الثاني الجاري، حيث بحث الجانبان قضايا مهمة من ضمنها الملف السوري والنقاط العالقة بين أنقرة وواشنطن.
البيان المشترك الصادر عن وزيري الخارجية في نهاية اللقاء، اكتفى بالإشارة للخطوط العريضة من حيث الالتزام بإنجاز حل سياسي في سوريا وفق القرار الأممي 2254.
وقبل وصول وزير الخارجية التركي إلى واشنطن، أرسلت أنقرة وفدا تقنيا دبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا، أجرى مناقشات مع مندوبين من الخارجية والاستخبارات الأميركية على مدار أسبوع.
ملف “قسد” بين أنقرة وواشنطن
تطرح تركيا منذ فترة مستقبل "الإدارة الذاتية" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حيث تحاول استثمار الظروف السياسية لتحقيق تقدم في تقويض المشروع بالكامل، خاصة ما يتعلق برفع يد “قسد” عن النفط السوري، وسحب الأسلحة الثقيلة بعد تراجع العمليات ضد تنظيم "داعش".
وأفاد مصدر مطلع في واشنطن لموقع تلفزيون سوريا، بأن الولايات المتحدة الأميركية تتجه للموافقة على إرغام “قسد” على الانسحاب من بعض المناطق الحدودية مع تركيا، وإحلال مجالس عسكرية من المكون العربي مكانها، بالإضافة إلى الموافقة على إبعاد قائمة من الشخصيات المطلوبة لتركيا، وعرضها فكرة جمع الأسلحة التي يمكن أن تهدد الأراضي التركية، والتحفظ عليها تحت رقابة القوات الأميركية المنتشرة شمال شرقي سوريا.
ولا يبدو أن واشنطن منفتحة حتى اللحظة على فكرة مشاركة تركية مباشرة في هيكلة القوات التي ستحل مكان “قسد”، كما أنها لا تنظر بإيجابية لمسألة تعديل اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا، بما يوسع من صلاحيات الجيش التركي في مكافحة الإرهاب لتشمل 32 كيلومتراً من عموم الحدود التركية، حيث يجب التصديق على تعديل الاتفاقية في الأمم المتحدة دون تعطيل دولي.
بالمقابل، فإن واشنطن تراجعت عن ربط صفقة طائرات إف 16 لتركيا، بموافقة أنقرة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، بما يتيح لتركيا التفاوض مع الدولتين بشكل مباشر على إيقاف دعمهما لتنظيم “قسد”.
الحل السياسي السوري
طرح الجانب التركي على واشنطن التنسيق بشكل أكبر في مسار الحل السياسي بالملف السوري، إذ باتت تشعر أنقرة مؤخراً بأن الأوضاع في سوريا لم تعد ضمن قائمة الأولويات الأميركية والأوروبية، وتحول تركيز تلك الأطراف إلى الصراع في أوكرانيا.
وترغب أنقرة بأن تبادر واشنطن إلى تخصيص مبعوث أميركي خاص إلى سوريا، وهذا يحقق لها هدفين، الأول ضمان زيادة الاهتمام الأميركي بسوريا، والثاني هو تخفيف سطوة بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي على سياسات واشنطن المتعلقة بالملف السوري، لأن ماكغورك يعتبر من أهم الداعمين لتنظيم “قسد”.
وأبلغ الجانب التركي نظيره الأميركي، أن خطواته الأخيرة تجاه النظام السوري لا تهدف إلى إعطائه الشرعية، وإنما محاولة البحث عن حلول للملفات العالقة التي تؤرق أنقرة، مثل اللاجئين ومكافحة الإرهاب.
أوراق تركيّة للتأثير على واشنطن
تمتلك تركيا أوراقاً قوية يمكن لها من خلالها التأثير على واشنطن، ودفعها لتقديم المزيد من المكاسب لصالح تركيا خلال المباحثات التي من المفترض أن تستكملها اللجان المتخصصة.
ويبدو في هذا السياق أن النفوذ التركي في ليبيا وخاصة في منطقة غرب البلاد مهم للغاية، حيث تركز الولايات المتحدة الأميركية خلال الأشهر الأخيرة على تحرير حقول النفط وسط البلاد من سطوة فاغنر الروسية، بهدف توفير المزيد من إمدادات الطاقة إلى أوروبا، ويمكن لتركيا أن تلعب دوراً مهما كأن تكون بديلاً مقبولة لجميع الأطراف، يشرف على حماية حقول النفط وتأمين سلامة عملها.
وتزامنت زيارة جاويش أوغلو إلى واشنطن مع وصول رئيس جهاز الاستخبارات حقان فيدان إلى طرابلس، من أجل العمل على ترتيب البيت الداخلي للفرقاء في غرب ليبيا، بما يؤكد على امتلاك أنقرة للنفوذ الأكبر في المنطقة، كرسالة واضحة لمختلف الأطراف قبيل اللقاء التركي – الأميركي.
من جهة أخرى، فإن تركيا باتت تلوح بالتقارب بشكل أكبر مع روسيا، والتعاون معها في سوريا، في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة الأميركية على عزل موسكو عالمياً.
الواضح أن الزيارة التركية الأخيرة إلى واشنطن ساهمت في تخفيف حدة التوتر بين الجانبين، وإعطاء نوع من الزخم الإيجابي للعلاقات، لكن من غير المتوقع أن يكون هناك متغيرات كبيرة في المواقف والسياسيات خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، قبل الانتخابات الرئاسية التركية وما ستسفر عنه من نتائج، ويبدو أن أنقرة تريد تقليص المدة الزمنية للانتظار، ولذا فقد أعلن تحالف الحزب الحاكم عن التوجه لتبكير موعد الانتخابات بعد المباحثات في واشنطن.