تخطط الحكومة اللبنانية لترحيل 15 ألف لاجىء سوري شهريا، ويتبارى المسؤولون اللبنانيون في المزايدة على بعضهم بعضاً، في ملف إنساني متجاوزين القوانين وحقوق الإنسان وبنود الاتفاقيات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين، مروجين للتطبيع مع النظام السوري، عبر تأكيد استعداده للتعاون في هذا الملف، وفرضية انتهاء الحرب وعودة السلم من دون النظر إلى كيفية ضمان عدم اعتقال العائدين من قبل النظام بحجج مختلفة ومعاقبة المعارضين وأهاليهم وبالتالي عدم وجود أمان وسلام، مع غياب أي اتفاق دولي يحميهم.
وتركت هذه الدعوة من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار والمهجرين عصام شرف الدين في لبنان ردود فعل في الشارع، إذ يتردد أن ميقاتي أراد ابتزاز الأمم المتحدة لدفع مستحقات متعلقة باللاجئين، وهو تماهى مع دعوات التيار الوطني الحر وحزب الله وأحزاب "الممانعة" الذين يدورون في فلك النظام السوري ويعملون في خدمته، في محاولة لوضع هذا الملف على نار حامية.
مواقف "ثورة 17 تشرين" اللبنانية من إعادة السوريين
وردا على هذه الدعوات، جاءت ردود فعل اللبنانيين مختلفة، حتى إن النقاشات انتقلت إلى مجموعات "الثورة" على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب، والمتتبع لها يستطيع ملاحظة التباينات وعدم وجود تصور أو موقف موحد، علما أن معظم هؤلاء الناشطين كانوا من مؤيدي الثورة السورية، إلا أنهم اختلطوا أيضا بثوار أحزاب الممانعة المؤيدة ضمنا للنظام السوري والتي تدعو الى الحوار معه وتعتبر سوريا دولة شقيقة لا يجوز عزلها.
بسخرية يعبر أحد المشايخ ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ عن موقف الحكومة وخطتها لترحيل اللاجئين مقترحا:
"إعادة من يذهبون ويعودون من وإلى سوريا وهم مسجلون بقوائم مفوضية اللاجئين لأنهم الأخطر، وإعادة من انتخب بشار الأسد في السفارة السورية، ومراقبة مواقع التواصل لمعرفة كل موال موجود في لبنان بصفة لاجىء ولا ضير عليه من العودة إلى حضن من يواليه، وإعادة كل من لديه ولد يخدم في جيش النظام لأنه لا خطر عليه".
في المقابل أثارت دراسة نشرتها "الدولية للمعلومات" ثم تبرأت منها، مشيرة في بيان لها إنها لم تجر هذه الدراسة، إلا أنها انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت ردود فعل لا منطق فيها، إلا إنها تعبير عن ألم اللبنانيين الذين يعانون كما الشعب السوري من الأزمات المعيشية وانعدام الخدمات الضرورية، وقد استغرب البعض ما أوردته في ظل تصاعد أزمة الرغيف وانعدام وجوده في الأفران بسبب تجار الطحين الذين يريدون زيادة أرباحهم وتهريب الخبز إلى سوريا عبر المعابر التي يسيطر عليها حزب الله على الحدود.
وحسب ما جرى تعميمه فإنه في لبنان يوجد نحو مليون ونصف لاجئ سوري يستهلكون يومياً ما يلي :أكثر من 400 ألف ربطة خبز، و 350 ميغاوات كهرباء، وأكثر من 130 مليون ليتر ماء، وأكثر من 100 ألف فرصة عمل في مختلف قطاعات الإنتاج في لبنان، و 27 دولارا من المنظمات الإنسانية عن كل فرد من العائلة 800 ألف ليرة بدل غذاء، استشفاء في المرافق الصحية اللبنانية 90 % على حساب الأمم المتحدة، تحويلات مالية إلى الخارج نحو 65 مليون دولار شهريا.
وأشارت إلى أن التقرير الأخير للأمم المتحدة عن الأوضاع في سوريا أفاد بأن 85 % من مساحة سوريا أصبحت آمنة ويمكن لأي شخص العودة طوعيا مع ضمانة من النظام السوري بعدم التعرض له .
ويبدو أن لبنان الغارق في مآسيه اقتصاديا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا، وفي ظل عجز سلطاته عن تأمين الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ووقود وغذاء وتعليم، بسبب الفساد والسرقات، تحاول قواه الحاكمة تحييد النظر عن ارتكاباتها وتقصيرها عبر تحميل اللاجئين السوريين عبء فشلها في معالجة مشكلات اللبنانيين والقيام بواجباتها تجاههم وتجاه اللاجئين ووفقا للقوانين الدولية.
ومن يتابع، يدرك أن مواقف المسؤولين اللبنانيين كانت بهدف الحصول على 3.2 مليارات دولار من الأمم المتحدة بحجة معالجة تداعيات اللجوء السوري على أرضه، حسب بيان لمنظمة الأمم المتحدة، لفتت فيه أيضا إلى أنها "قدمت 9 مليارات دولار من المساعدات منذ عام 2015، لكن أزمات لبنان المتلاحقة أغرقت شرائح واسعة من اللبنانيين في فقر مدقع، وتفاقم معه الاستياء العام من استمرار وجود اللاجئين السوريين".
اللاجئون السوريون شمّاعة لأزمات لبنان
وكما أشرنا أثارت هذه المواقف ردود فعل عند من يسمون أنفسهم "الثوار"، فقد عبر (خالد س) أحد الناشطين عن موقفه لموقع تلفزيون سوريا، مشيرا إلى الكلام عن "انعدام وجود الخبز في الأفران في المناطق التي يوجد فيها سوريون، وهناك منهم من يقوم بإركاب عائلة مؤلفة من زوجة و 4 أو 5 أطفال على دراجة نارية قديمة وإذا حصل أي حادث لا سمح الله فهذا يعني خراب البيت، هناك سرقات تحصل أيضا يتم الكشف عن مرتكبيها ومعظمهم سوريون، ضغطوا علينا في الأمم المتحدة لاستقبالهم ولكن بلدا مثل لبنان كم يمكن له أن يستقبل من هؤلاء اللاجئين؟! نحن عندما كانت الحرب مشتعلة في سوريا استقبلناهم في منازلنا وساعدناهم بإمكانياتنا المتواضعة ولكن اليوم هناك أماكن واسعة تسيطر عليها المعارضة وهم يعرفون ذلك، وهناك أماكن أيضا تحت سيطرة النظام يمكن الذهاب إليها، موقفنا ليس عنصريا كما نتهم، بل نطلب القليل من التفهم، داخل العائلات اللبنانية هناك مشكلة أزواج عاطلين عن العمل لأن السوريين يحصلون على فرص أفضل، ويتسببون بأزمات بطالة للبنانيين، نحن لا نريد خلق عداوة بين شعبين عربيين جارين، اليوم هناك أمان في سوريا. ولنكن موضوعيين، في قريتي مثلا لا نستطيع أن نكفي الضيعة من المياه ولا الكهرباء، وحتى هناك مشكلة في النفايات، في ضغط حتى عندما يأتي بائع الخبز إلى البلدة، اللبنانيون اليوم يدقون أبواب السفارات يريدون الهجرة ويعيشون في ظروف صعبة غير محتملة ولا يمكن لهم تحمل المزيد من الأعباء".
من جهته، يقول (ناجي ب) من "تحالف تشرين"، إن "موضوع النازحين السوريين هي قضية عودة وليست من باب التهجم، الظروف الآن قد تكون غير مناسبة لعودة آمنة. لأن ما حصل مثلا من عمليات اعتقال بحق النازحين في دوما ومجزرة التضامن والاغتيالات في درعا الغربية تؤكد ذلك، وهذا يدل على أن النزاع قائم والتوسع الإيراني جار وطامع بأن يحل محل الروسي ولكن لا بد من التعاون لإيجاد حل لهذه الأزمة الاجتماعية ـــ السياسية".
ويعتبر أنه من الطبيعي أن "يكون هناك اختلاف في وجهات النظر بين اللبنانيين في هذا الموضوع بين الثوار. لأن هناك عقلية محافظة ويساريين متطرفين ومحافظين. المحافظون هم من أهل القرى، من الشمال وبعلبك مع احترامي لهم. ففي هذه المناطق هناك وجود كبير للنازحين السوريين وهناك مشكلات حصلت مثل إحراق مخيم المنية وبشري، وظهرت نزعة عنصرية على مستوى كل لبنان. وبكل ثورة هناك أشكال وألوان".
تحويل مشكلة اللاجئين السوريين عن مسارها
وفي محاولة لتقصي الموقف من مصادر التغييريين من الطروحات الجارية حول قضية اللاجئين، تقول مصادر لـــموقع تلفزيون سوريا، إن رأيهم لا يقدم ولا يؤخر، فهناك "خبصة" واضحة في هذا الموضوع متعلقة بالعلاقة مع صندوق النقد الدولي وخطة الحكومة التي تماطل في إقرار إصلاحات مطلوبة وقد اجتمعت كل التناقضات حتى برزت مراكز إحصاء غير مؤهلة وغير موثوقة من قبل المؤسسات الدولية لتستخدم قضية اللاجئين في الضغط سياسيا. وعبر وضع مشكلات لبنان من أزمة الخبز إلى شح المياه الطبيعي في فترة الصيف واستهلاك الكهرباء إلخ... بالإضافة إلى إنهم يروجون إلى أن هؤلاء يعملون في لبنان ويأخذون أموالا من الخزينة اللبنانية التي تعاني من أزمة. وفعليا المشكلة ليست كما يتصورها البعض. فهم يتناسون بأن هناك أموالا تأتي لتعليم اللاجئين وإيجارات منازل يقيمون بها تعيش من ورائها عائلات لبنانية في القرى المختلفة أي إن لبنان يستفيد من اللاجىء السوري".
وترى المصادر أن هناك بعض الوزراء "المعادين" للشعب السوري وليس للوجود السوري وهم يحولون مشكلة اللاجئين السوريين عن مسارها ولا يريدون تنظيم لجوئهم بالشكل الصحيح والاستفادة منه. فليس هناك مخيمات يقوم لبنان بحمايتها وتأمينها ووضع حراسات عليها. لذلك لا يمكن للمشاريع أن تطرح بسبب عدم وجود مجمعات سورية معينة يمكن على أساسها أن يطلب لبنان المساعدة الدولية، والضياع يأتي من خلال التملص من المسؤولية الكبيرة التي وقعت عليه في عملية تنظيم وضع االلاجئين".
وإذ تشير إلى أن العمال السوريين موجودون في لبنان منذ زمن وهم يعملون في مهن مثل شركات النفايات والعمل في محطات البنزين وفلاحة الأرض وزراعتها وقطفها كما أن المرأة السورية كانت تعمل في زراعة الخضراوات ولنتصور أنه تم منع السوريين من العمل في هذه القطاعات وغيرها كيف سيكون عليه الحال أو كم سيتكلف لبنان في ظل أزمته الحالية على استقدام عمالة من الخارج، ثم إن السوري الذي يعيش في لبنان يصرف في البلد وتأتيه مساعدات تصرف في البلد كما أن هناك تحويلات من الخارج إليه، ثم إن كثيرين منهم يذهبون ويأتون وفق إقامات ويجددون أوراقهم في "السفارة السورية" ويمرون بطريقة عادية عبر المعابر وهؤلاء يشكلون ثلث أو نصف عدد اللاجئين فلماذا المبالغة في الأرقام؟ ولماذا لا يتحمل النظام السوري مسؤولية من يذهب ويعود إلى سوريا؟ وبالأساس هنا المشكلة المتعلقة بشقين الأول على الدولة أن تنظم العمالة التي تدخل إلى لبنان وفقا للإجراءات ودفع الرسوم المترتبة على هؤلاء من خلال تأمين إقامات والدفع بالليرة أو بالعملة الصعبة وعلى الأجهزة الأمنية المعنية ترتيب وضع هؤلاء بعملية الخروج وعملية الدخول. والتنبه إلى أن عملية اللجوء من مدن سورية لا تزال تحت سيطرة نظام الأسد لا يمكن للبعض العودة إليها من دون إعمار مما يعني هل نظام الأسد أنهى الثورة وأصبحت الحياة السورية حياة طبيعية، بالطبع لا، فالأسد لا يزال يحاول الانتقام من هؤلاء بإبعادهم عن سوريا، وفي حال عادوا من يضمن لهم الحماية الأمنية؟ ثم إن هناك طرفا لبنانيا مشاركا في الحرب في سوريا وهو موجود من ضواحي دمشق الجنوبية حتى حدود حمص ويقوم بمهمات تهريب المخدرات وبناء مستودعات الكبتاغون، ويستغل الأراضي، فعن أي عودة يتحدث المسؤولون اللبنانيون؟".
وتؤكد هذه المصادر أن "تلاعب السلطة اللبنانية بهذا الملف الإنساني بالضغط على اللاجئين. يهدف بالدرجة الأولى إلى مساومة المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي لتسهيل بعض النقاط التي تريدها الدولة اللبنانية. وغض النظر عن الإصلاحات في أثناء المفاوضات الاقتصادية باستخدام سلاح اللاجئين. كما شاهدنا باستخدام سلاح المسيرات فوق كاريش لتبرير ذمة حزب الله وحلفائه بأنهم لا يريدون المعركة وإنما يحافظون على الثروة".