في العاشر من تموز/ يوليو الماضي، وعَقب الاتفاق بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن على تمديد تفويض إدخال المساعدات، وصف "فيصل المقداد" وزير خارجية النظام السوري ما جرى بأنه "إنجاز"، مؤكداً أن "الدولة ستصبح على دراية بكل ما يدخل إلى البلاد من مساعدات، وإلى أين تذهب".
وخلال المفاوضات قبيل التوصل إلى اتفاق نهائي داخل مجلس الأمن مطلع شهر تموز/ يوليو من العام الحالي، رفضت روسيا مشروع قرار غربي، ينص على إدخال المساعدات من معبرين، الأول هو معبر "اليعربية"، الذي يربط العراق مع سوريا، والثاني معبر "باب الهوى" الواصل بين تركيا وشمال غربي سوريا.
قرار تمديد إدخال المساعدات الذي احتفت به الدول الأعضاء في المجلس كلها، بدأت تتكشف تفاصيله الدقيقة بشكل أوضح من خلال عملية التنفيذ، إذ إن "الهلال الأحمر" التابع للنظام السوري، أشرف يوم أمس الإثنين على إدخال قافلة إغاثية صغيرة قادمة من حلب إلى إدلب، عن طريق معبر داخلي جرى فتحه على خطوط التماس بين بلدتي "ميزناز" و "معارة النعسان"، حيث توجهت القافلة التي تضم ثلاث شاحنات لإفراغ حمولتها في معبر "باب الهوى"، وتبعها دخول قافلة جديدة اليوم الثلاثاء مؤلفة من 12 شاحنة.
وأفاد مصدر خاص لموقع "تلفزيون سوريا" بأن الشاحنات محملة بسلال غذائية، مخصصة لـ 9600 عائلة، وسيساهم "الهلال الأحمر" بعملية التوزيع إلى جانب المنظمات المنتشرة في شمال غربي سوريا.
الخطوة الأخيرة هذه تشير إلى أن قرار مجلس الأمن حول تمديد عمل معبر "باب الهوى"، أتى أقرب إلى المعايير الروسية، والتي تضع في الحسبان دائماً مسألة دفع المجتمع الدولي للإقرار بشرعية النظام السوري، والتعامل معه كسلطة في سوريا، ومما يشير إلى ذلك أن عملية إدخال القافلة الإغاثية إلى إدلب، جاءت بعد يوم واحد من زيارة "مارتن غريفيث" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى دمشق، وعقده لقاءً رسمياً مع وزير خارجية النظام السوري "فيصل المقداد".
نصف معبر للمعارضة
تقسيم إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا على معبر "باب الهوى"، ونقاط التماس مع قوات النظام السوري، وإتاحة المجال لمؤسسات الأخير للمشاركة في توزيعها، يعني أن قرار مجلس الأمن نص على منح "المعارضة السورية" نصف معبر فقط، بعد أن كانت الدول الغربية تطالب بمعبرين، لأن كمية المساعدات المقررة لن تدخل فقط من "باب الهوى"، كما أنه يشير إلى الإقرار الدولي بدور حكومة "الأسد" في الملف الإنساني، بعد أن كانت متهمة بإعاقة وصول المساعدات إلى مستحقيها، واستخدام "التجويع" كأداة للعقوبات الجماعية ضد المعارضين.
وتسود حالة من التخوف لدى الفاعلين بالشأن الإنساني، من أن تضغط روسيا في المرحلة القادمة لأجل حصر النشاط الإغاثي بالمؤسسات الإنسانية الدولية العاملة شمال غربي سوريا، وتقليص دور المنظمات المحسوبة على المعارضة السورية، إذ إن قرار تمديد إدخال المساعدات لمدة عام كامل، ينقسم إلى قسمين، وكل قسم ستة أشهر، وثمة خلاف حول تفسيره، لكن موسكو على الأرجح ستطالب بتعديلات وليس السماح بسريان الفترة الثانية وهي ستة أشهر بشكل تلقائي، وستحاول خلال الفترة الماضية التأكيد على نجاح النظام السوري في إدارة ملف المساعدات الإنسانية، للمطالبة لاحقاً بإلغاء دخولها من المعابر الحدودية، خاصة إذا ما تمكنت من إخراج إيران من المطارات الرئيسية في سوريا، وهو ما تعمل عليه خلال الفترة الماضية.
ومنذ انطلاق المفاوضات الروسية – التركية حول منطقة إدلب عام 2019، دفعت موسكو بشكل مستمر باتجاه الإقرار بدور المؤسسات المدنية والأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة إدلب، وهذا ما رفضته أنقرة بشكل مستمر، لكن يبدو أن فرض مشاركة "الهلال الأحمر" المحسوب بالكلية على النظام السوري يأتي في سياق الخطوات البطيئة لتطبيع عمل مؤسسات النظام شمال غربي سوريا.
مساعدة "إنسانية" للنظام
ولا يمكن فهم ما جرى مؤخراً في سياق "العمليات التقنية" البحتة من طرف الأمم المتحدة، على اعتبار أن قرار مجلس الأمن جرى التوصل إليه بمفاوضات أميركية – روسية بشكل أساسي، كما أن "غريفيث"، تحدث خلال زيارته قبل يومين إلى دمشق عن اهتمامهم بـ "تأمين التمويل اللازم للعمل الإنساني في سوريا، والانتقال إلى مزيد من مشاريع التعافي المبكر، وتأمين الخدمات الأساسية في مجال الصحة والخدمات الإنسانية"، وبالتالي فقد نشهد خلال الفترة المقبلة مساندة للنظام السوري من بوابة العمل الإنساني، تتيح له هامش صمود أكبر في إدارة المناطق التي يحكم قبضته الأمنية عليها، بعد أن تراجعت فيها الحالة الاقتصادية والقدرة على تقديم الخدمات.
ومن المؤشرات المهمة على أن توسيع دور النظام السوري في العمل الإنساني هو جزء من مسار سياسي، موافقة واشنطن قبل عدة أسابيع على تمرير الغاز إلى لبنان مروراً بالأراضي السورية، والمفاوضات مع البنك الدولي على تأهيل البنى التحتية للغاز والكهرباء في سوريا ولبنان، وكل ذلك يوحي بتساهل أميركي مع عملية "إعادة الإعمار" التي عرقلتها طيلة السنوات الماضية.
وعلى الأرجح فإن كلاً من واشنطن والمجتمع الدولي يسعى من خلال هذه التحركات إلى تعزيز التنسيق مع روسيا، لدفع النظام السوري لتجاوب أكبر مع المسار السياسي للحل في سوريا، بالإضافة إلى تقليص نفوذ إيران، لكن هذه المحاولات دائماً ما كانت تفتقر إلى آليات تنفيذ مجدية، وتمكن النظام السوري ومن خلفه روسيا بشكل مستمر من الاستفادة منها للتأكيد على عدم قدرة الدول الأخرى على تجاوز دورهم.