في الخامس عشر من نيسان الجاري غرقت أهم سفينة تابعة للأسطول الروسي في البحر الأسود، وهي حاملة الصواريخ موسكفا، بعد محاولة القوات الروسية توجيهها نحو سيفاستوبول في القرم، إذ بحسب ما ذكره مسؤولون في وزارة الدفاع الروسية، فقد تضرر هذا الطرّاد بشكل خطير بسبب حريق أصابها إلى جانب انفجار الذخائر الموجودة فيها.
ولم يعرف بالضبط عدد البحارة الذين لقوا حتفهم على متن تلك السفينة.
وبالمقابل، أكدت أوكرانيا بأن ذلك الطرَّاد غرقت بسبب إصابتها بصاروخين من صواريخ نيبتون المضادة للسفن التي استهدفتها من السواحل الأوكرانية. أما جون كيربي الناطق الرسمي باسم البنتاغون، فقد تحدث إلى محطة سي إن إن وقال: "إنها ضربة كبيرة لأسطول البحر الأسود... لأن هذه السفينة تعدّ جزءاً مهماً من الجهود الروسية الساعية لفرض هيمنة بحرية ضمن البحر الأسود، ولا بد أن يخلف ذلك ضرراً على الإمكانات الروسية".
بيد أن كيربي أشار إلى عدم تمكن الولايات المتحدة من تأكيد السبب الحقيقي الذي أدى إلى غرق تلك السفينة، حيث قال: "إننا في موقف لا يخوّلنا تكذيب الجانب الأوكراني في ذلك، إذ من المنطقي والممكن بالنسبة لهم استهدافهم لتلك السفينة بصاروخ أو أكثر من صواريخ نيبتون".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن سفينة موسكفا، قبل خضوعها لعمليات إصلاح شاملة في عام 2016، قادت الأسراب العسكرية الروسية في البحر المتوسط عدة مرات، وهذه الأسراب كانت مزودة بسفن من أسطول البحر الأسود بصورة أساسية. ولكن ما تزال الفكرة التي ترى بأن تدمير تلك السفينة "الطراد" يمكن أن يضعف القوات الروسية في البحر المتوسط وقدرة روسيا على استخدام القوة في سوريا قيد الجدل والنقاش.
سفينة قديمة الطراز
يذكر أن هذه السفينة دخلت الخدمة في عام 1982، ولهذا قد يعدّها بعضهم قديمة العهد اليوم، بما أن تسليحها يشبه تلك الأشكال التي تعود للقرن المنصرم. ولكن خلال مشاركتها في الحملة الروسية على سوريا، لعبَ تلك الطرّاد دوراً مهماً في تأمين الإمدادات للدفاع الجوي التابع للقاعدتين الروسيتين الموجودتين في حميميم وطرطوس بسوريا. إذ بما أنها مزوّدة بمنظومة صاروخية بعيدة المدى مضادة للطائرات، لذا فقد دعمت موسكفا عملية الدفاع الجوي بشكل كبير بالنسبة لروسيا في سوريا على خلفية الأزمة التي طرأت على العلاقات مع تركيا في عام 2015، بعدما أسقطت طائرة حربية تركية قاذفة قنابل روسية كانت تنشط على خطوط الجبهة.
وفي الوقت ذاته، لم تعد نظم الدفاع الجوي في تلك السفينة والتي تشبه منظومات الدفاع الجوي من طراز إس-300 البرية، تناسب المتطلبات العصرية بالرغم من بُعد مداها، ولهذا لم يجر استبدالها بعد ذلك.
وحول ذلك يعلق الباحث إيليا كرامنيك من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، فيقول: "خلال السنوات الماضية، تحملت فرقاطات جديدة العبء الأكبر للوجود الروسي في البحر المتوسط، وذلك إلى جانب الغواصات التابعة لأسطول البحر الأسود، ثم خضعت موسكفا لعملية إصلاح في عام 2016، وبعد ذلك لم يتم إرسالها إلى أي مكان خارج البحر الأسود".
وتلك الفرقاطات الروسية من طراز 11356 مسلحة بصواريخ كاليبر كروز وبوسعها أن تشن هجوماً على أهداف موجودة في عمق أرض العدو، في حين لا يمتلك الطراد موسكفا سوى منظومة للغارات الصاروخية تشتمل على صواريخ بوسعها شن هجوم من سفينة لأخرى كما لا تستطيع ضرب أهداف برية. ولهذا، ومن وجهة نظر تتصل بالإمكانات الهجومية، فإن خسارة ذلك الطراد لن تحد من القدرة القتالية التي يمتلكها الأسطول الروسي الموجود في الشرق الأوسط.
أزمة المضائق
إن تم إغراق موسكفا بفعل صاروخين من صواريخ نيبتون، فهذا قد يفتح صفحة جديدة بالنسبة لاستخدام تلك المنظومات الصاروخية القادرة على إغراق سفن في أعماق البحار. إذ لدى روسيا نظم مماثلة وهي باستيون ذات المدى الأبعد من مدى صواريخ نيبتون، ولكن إن وصلت تلك الأسلحة لإيران أو للحوثيين، عندئذ ستستخدم لقطع مضيقي هرمز وباب المندب. إذ كما أظهرت حالة الطراد موسكفا، فقد كان من الصعب تحديد مواقع تلك الصواريخ على الساحل قبل أن يتم استخدامها.
ثم إنّ إغلاق تركيا لمضيقين على البحر الأسود أمام كل السفن الحربية خلق تحديات أمام قدرة روسيا على تأمين وضمان أنشطة قواتها في سوريا.
إن التوريد والتجديد المبكر للقوات الروسية الموجودة في سوريا كان يجري من خلال ما يُعرف باسم الإكسبريس السوري وهو مصطلح يستخدمه الإعلام الروسي لوصف الرحلات المنتظمة التي تقوم بها سفن الإنزال الروسية إلى سوريا. والآن، أصبحت معظم سفن إنزال الدبابات الروسية التي تشتمل على سفن تعود للأسطولين الروسيين في البلطيق وبحر الشمال، محتجزة في البحر الأسود خلال الحرب الروسية على أوكرانيا بعد إغلاق المضيقين دونها. والأهم من ذلك هو أن عملية الإمداد الموجهة للقوات الروسية الموجودة في سوريا كانت تتم عبر ميناء نوفوروسيسك الواقع على البحر الأسود.
حوادث غرق لسفن روسية أخرى
إضافة إلى ذلك، فقد غرق ما لا يقل عن سفينة هجومية برمائية واحدة وتعرض العديد منها لأضرار في ميناء بيرديانسك الأوكراني على بحر آزوف، وذلك عندما كانت تلك السفن تقوم بنقل التعزيزات فتعرضت إثر ذلك لهجوم صاروخي من قبل أوكرانيا. ولهذا، وبعد فتح المضيقين في البحر الأسود، لن تجد روسيا مكاناً بوسعها أن تقوم بعمليات تسليم الإمدادات من خلاله إلى قواتها الموجودة في سوريا.
يرى كامران هاسانوف وهو خبير لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية وأستاذ محاضر لدى PFUR بأن إغلاق المضيقين دون روسيا لا يعدّ مشكلة كبيرة بالنسبة للإمدادات التي تصل إلى القوات الروسية الموجودة في سوريا، إذ في الوقت الذي يتم فيه إغلاق المضيقين دون السفن الحربية، يمكن نقل وتسليم كل ما يلزم للقوات الروسية الموجودة في سوريا على متن سفن مدنية، سواء من موانئ البحر الأسود أو من بحر البلطيق أو من موانئ روسية أخرى، كما أن هنالك جسراً جوياً دخل نطاق العمل، وبوسعه أن ينقل كل الشحنات اللازمة على جناح السرعة.
وهنا لا بد من مراعاة حالة التصعيد الحاد في الأوضاع داخل سوريا، إذ عندئذ سيكون بوسع روسيا ليس فقط زيادة قواتها الجوية وتشكيلاتها بسرعة في الداخل السوري، بل أيضاً يمكنها إرسال قواتها جواً إلى هناك، وذلك لأن إيران والعراق لم تغلقا مجالهما الجوي دون روسيا، وذلك لتقوم الأخيرة بالاستعانة بتلك الأجواء لدعم عملياتها في سوريا. وقد اتخذت هاتان الدولتان موقفاً طيباً تجاه روسيا في النزاع الحالي، وذلك عندما أحجمت كل من بغداد وطهران عن التصويت على قرار يدين ما تمارسه روسيا في أوكرانيا لدى الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة.
وخلال أعمال الشغب والاضطراب التي اندلعت في كازاخستان خلال شهر كانون الثاني الفائت، كان بوسع روسيا استعراض قدرتها على نقل عدد كبير من جنودها ومعداتها العسكرية بسرعة عبر استخدام طائرات النقل العسكرية الموجودة لديها بشكل حصري. ولكن، وبطلب من قبل حكومة كازاخستان، تم نشر القوات المتنقلة التابعة لمنظمة معاهدة الأمن المشترك بسرعة في تلك الجمهورية، وكان قوام تلك القوات يعتمد على مظليين روس من اللواء الخامس والأربعين للحرس المنفصل المخصص للأغراض الخاصة، وفرقة الحرس الجوي الثامنة والتسعين، واللواء الهجومي للحرس الجوي الحادي والثلاثين، وقد جرت عمليات نقلهم وإمدادهم بواسطة أكثر من طائرة نقل عسكرية من طراز 70-II-76 وخمس طائرات من طراز An-124.
في ظل هذه الظروف، لا بد لنا أن نتذكر أنه خلال هذه الفترة، بقيت الاستعدادات جارية لشن عملية عسكرية ضد أوكرانيا مع حشد القوات الروسية على الحدود الغربية. ومع ذلك استطاعت موسكو القيام بعملية عسكرية ناجحة في كازاخستان بالتوازي مع نشرها لقواتها على مقربة من الحدود الأوكرانية. وهنا لا يمكننا أن نستبعد احتمال نجاح الحملات العسكرية المتعددة التي تجري في وقت واحد وفي مناطق مختلفة إلى جانب النقل السريع للقوات المتنقلة إلى المناطق المهددة بالخطر، بما أن كل ذلك يجري بصورة محسوبة ومقصودة، إذ قد تستعين موسكو في تلك الحالة عند ظهور ما يهدد مواقعها في سوريا أو ما يعدّ تهديداً بالنسبة لنظام الأسد.
المصدر: المونيتور