شهدت خطوط التماس مع قوات نظام الأسد في محيط محافظة إدلب خلال الآونة الأخيرة، استقدام نظام الأسد والميليشيات الموالية له تعزيزات عسكرية، تركزت في معظمها في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي.
وقالت مصادر عسكرية خاصة لموقع تلفزيون سوريا، إن قوات نظام الأسد عززت وجودها العسكري على كامل منطقة التماس شرقي وجنوبي إدلب (الجبهات المقابلة لمنطقة جبل الزاوية)، بمجموعات عسكرية تتبع للفيلق الخامس والفرقة 25 مهام خاصة، التابعين بشكل مباشر لقاعدة حميميم الروسية، إضافة إلى مجموعات أخرى من الميليشيات المدعومة من قبل إيران، مزودين بدبابات وناقلات جند، وأسلحة متوسطة وثقيلة مزودة بأنظمة تسديد ورؤية ليلية، إضافة إلى نشر قواعد لإطلاق الصواريخ المضادة للدروع من نوع "Kornet-D" التي تتميز بعملها في كل الظروف الطبيعية وتدمير الأهداف على مسافات تصل إلى تسعة كيلومترات، والتي لوحظ نشاطها خلال الشهرين الأخيرين على امتداد خطوط التماس وخصيصاً ريف حلب الغربي وجبهات الساحل.
وبدأ رصد وصول الحشود البرية إلى المنطقة في منتصف شهر أيار الفائت، تزامناً مع نشر وزارة الدفاع الروسية صوراً لقاذفات جوية استراتيجية من نوع "TU-22 M-3" أرفقتها في بيانٍ جاء فيه: "هذه هي المرة الأولى التي تتمركز فيها طائرات من هذا النوع في مطار حميميم. ستكتسب أطقم القاذفات بعيدة المدى مهارات عملية في ممارسة مهام التدريب في مناطق جغرافية جديدة أثناء الرحلات الجوية في المجال الجوي فوق البحر الأبيض المتوسط".
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية "أن القاذفات الروسية بعيدة المدى ستعود إلى قواعدها الدائمة في روسيا بعد استكمال المهام التدريبية للإلمام بالمجال الجوي في منطقة البحر المتوسط".
من دون الإشارة إلى طبيعة التدريبات التي تنوي تنفيذها في المنطقة، أكانت للتحليق فقط أم لشن عمليات عسكرية.
حجم استنفار قوات النظام
المصادر العسكرية الميدانية أفادت لموقع تلفزيون سوريا بأن المحور الممتد من الأطراف الشرقية لجبل الزاوية وحتى أطراف سهل الغاب شهد تغييرات كثيرة، حيث قامت قوات النظام باستقدام لواء دبابات كان في ريف إدلب الشرقي سابقاً قبل خروجه إلى البادية في عملية مؤقتة وعودته للتموضع والانتشار في ريف إدلب الجنوبي، بالإضافة إلى استقدام لواء دبابات آخر من ريف اللاذقية ومركزه في منطقة جبل شحشبو القريب من جبهات جبل الزاوية وسهل الغاب في آن واحد، كما قامت تلك القوات باستقدام الجنود والأسلحة المتوسطة وقواعد الصواريخ المضادة للدروع، فضلاً عن قيام هذه القوات بتغيير مرابض الأسلحة الثقيلة من الحالة الدفاعية إلى الهجومية وإجراء اختبار لمدى جاهزية العناصر مرات عدة في الليلة الواحدة، ورفع جاهزيتها بنسبة 80%، بحسب المصادر.
الجبهة الوطنية: التحركات روتينية
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع الفصائل الموجودة على الأرض حيث لم ينف النقيب ناجي المصطفى الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير الحشود، لكنه قلل من شأنها، وقال مصطفى: "لا يوجد تحركات عسكرية واضحة لقوات العدو، ولكن بدورنا نأخذ أسوأ الفرضيات ونبني جاهزيتنا على أساسها، وقد وضعنا العديد من الخطط الهجومية والدفاعية والطوارئ لكل محور بحسب جغرافيا المنطقة والاستفادة من طبيعتها في الأعمال العسكرية، من ذلك إعادة تدريب المقاتلين وإعدادهم للعمل في أقسى الظروف الميدانية".
وأكد المصطفى أنّ جميع تحركات العدو هي تحركات أقرب ما تكون للطبيعية من تبديل المجموعات العسكرية لمحاورها، على عكس التحركات الضخمة والتعزيزات المكثفة التي يستخدمها نظام الأسد والميليشيات الموالية له كرأس حربة في عملياته العسكرية الهجومية".
جدير بالذكر أنّ القوات الروسية سيّرت أرتالاً ومجموعات عسكرية من محيط محافظة إدلب خلال شهري كانون الثاني وشباط الفائتين باتجاه البادية السورية، لتنفيذ مهام قتالية ضد مجموعات تنظيم الدولة، هدفت إلى تأمين خطوط النقل العسكري ونقل النفط ومحيط آبار النفط في البادية، وقد تكون أنهت مهامها في المنطقة الوسطى والشرقية أو أنها قررت استبدال تلك المجموعات، مما يعزز تلخيص الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير للتحركات الأخيرة في محيط إدلب.
جيش العزة: الحشودات قائمة والتحصين مستمر
من جهته أكّد "العقيد مصطفى البكور" الناطق الرسمي باسم فصيل جيش العزة، صحة الحشودات العسكرية لقوات نظام الأسد والميلشيات الموالية له على كامل خطوط التماس في محافظة إدلب، وأنّ فرق الهندسة العسكرية والتحصين كثفت جهودها في الآونة الأخيرة رغم عدم انقطاعها عن العمل، لتسهيل عمل الفصائل العسكرية في صد أي هجمة من الممكن أن تشنها قوات العدو في أي لحظة.
وأضاف العقيد: بكل تأكيد ستتصدى فصائل المعارضة لأي هجمة عسكرية باتجاه المناطق المحررة، ولكن لا يمكننا الحديث عن جاهزية الفصائل العسكرية وتقييمها إلا بعد خوضها لمواجهات الميدان".
تحرير الشام: الفصائل باتت أكثر استعداداً وخبرة من ذي قبل
من جانبه قال أبو خالد الشامي المتحدث العسكري في هيئة تحرير الشام، لموقع تلفزيون سوريا: "الفصائل العسكرية تكاد لا تتوقف يوما واحدا عن الإعداد ورفع الجاهزية العسكرية لمواجهة عدوان المحتل الروسي وميليشياته الذي يسعى إلى القتل وتدمير البنى التحتية وتهجير المدنيين العزل، كما أننا على إدراك تام بمخططات العدو وأطماعه، لذلك فإن فصائل الثورة وغرف العمليات وظفت المرحلة السابقة في إعداد المقاتلين وتخريج دورات في مختلف الصنوف العسكرية ورفعت من الكفاءات العسكرية استعداداً للدفاع عن المناطق المحررة بإذن الله تعالى، فالثورة اليوم بعد تجاربها السابقة أكثر خبرة وأكفأ من أي يوم".
وفي السياق ذاته، رجح المحلل العسكري "أحمد حمادة" نيّات روسيا ونظام الأسد بشن عملية عسكرية في محافظة إدلب، كونهما لا يؤمنان إلا بالحلول العسكرية أولاً، ولأنه لا يوجد اتفاق لوقف إطلاق نار نهائي أو حل مستدام ثانياً.
وأضاف حمادة أن اعتداءات نظام الأسد وحلفائه لم تنقطع باتجاه إدلب ومحيطها، كما أنّ قواته لم تتوقف عن التهديد بالعمل العسكري، واستقدام التعزيزات العسكرية، ولا شكّ أن فصائل المعارضة السورية بعد تجاربها السابقة أصبحت أكثر كفاءة وخبرة من الماضي، وعليها أخذ موازين القوى العسكرية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص أنّ المنطقة تشهد انتشاراً لقوى نظامية للجيش التركي.
التوقيت.. بعيد انتخابات الأسد
المراقب الميداني "محمد العلي" رجّح نيّات نظام الأسد بشن عمليات عسكرية محدودة للغاية لعدة أسباب، منها دعم فوزه في مسرحية الانتخابات التي عرضها مؤخراً والترويج لشخص بشار الأسد بأنه يعمل على "استعادة وحدة الأراضي السورية تحت ظل حكومته، ومحاربة الإرهاب والعملاء وما إلى ذلك من البروباغندا الوطنية التي يمليها على مؤيديه بين الحين والآخر وجعلها أوليّة ذات أهمية عالية يستطيع من خلالها لفت الأنظار عن الأزمات الاقتصادية والأمنية والصحية والغذائية وغيرها التي تعصف بكيان دولة العصابة المتهالكة".
وختم العلي بأنّ قرار السلم أو الحرب في إدلب هو قرار روسي بحت، وإن كانت ستطلق يد ميليشيات الأسد في المنطقة، فسيكون ذلك كأسلوب ضغط على الجانب التركي لتحريك ملفات عالقة فيما بينهم في عدة مناطق أخرى من سوريا أو دول أخرى، فالدلائل السياسية من كلا الطرفين لا تنذر بنشوب مواجهة عسكرية غير محدودة خلال الأيام المقبلة.
هذا وقد شكلت أبرز الفصائل العاملة في إدلب في وقت مسبق مجلساً عسكرياً ثلاثياً لإدارة العمليات العسكرية في محافظة إدلب، وعمل المجلس العسكري على إعادة هيكلة وتنظيم الفصائل العسكرية في المنطقة وتوزيع المقاتلين إلى ألوية وكتائب وسرايا بحسب الاختصاصات والإمكانات المتوافرة لدى الفصائل، إلى جانب تنظيمها في قطاعات جغرافية محددة، ويعدّ المجلس هو مرحلة متقدمة من غرفة عمليات الفتح المبين بحسب القائمين عليه، ليأتي الآن السؤال الأبرز من الشارع عن مدى قدرة المجلس العسكري على خوض مواجهة محتملة مع قوات النظام؟ ومدى جاهزيته لخوض أولى استحقاقاته الميدانية؟