ما تزال الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول الغرب عموماً، ترفض تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، وترهن ذلك بضرورة انخراطه في مسار الحل السياسي، وفق القرار الأممي 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015. وبناء على هذا الموقف ترفض مسار التطبيع العربي المجاني مع نظام الأسد، الذي تسارع مؤخراً، وقاده ساسة المملكة العربية السعودية، وأفضى إلى تقديم مكافأة مجانية له، عبر إعادته إلى حضن الجامعة العربية، من دون أن يكون هنالك أي شروط تذكر، سواء على مستوى الحل السياسي وفق القرارات الأممية، أم على مستوى وقف تصنيع وتهريب المخدرات إلى دول الخليج والعالم، أو على مستوى إعادة اللاجئين الذين هجرهم قسراً نظام الأسد من بلادهم.
لا تخرج حسابات الساسة السعوديين في قيادتهم قطار التطبيع مع نظام الأسد عن سياق توظيفه، كي يصب في سياق إرهاصات الاتفاق الذي وقعوه، في شهر آذار/ مارس الماضي، مع نظرائهم في النظام الإيراني، وقضى بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي مراهنتهم على انعكاس ذلك على الوضع في اليمن، بعد أن أرهقتهم الحرب فيه، تلك التي بدأت مع التدخّل العسكريّ السعودي في 25 آذار/ مارس 2015، وباتوا يبحثون عن مخرج يخفف على بلادهم تبعاتها.
بالمقابل، لم تبدِ الولايات المتحدة أي حماس للحرب في اليمن منذ بدايتها، ولا يهمها الربط السعودي والإيراني ما بين الوضعين اليمني والسوري، لذلك لم تخفِ الولايات المتحدة موقفها من التطبيع العربي منذ البداية، ففي مطلع نيسان/ إبريل الماضي، أرسلت إدارتها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي أيه)، وليام بيرنز، إلى السعودية في زيارة "غير معلنة"، كي يخبر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن الولايات المتحدة "شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسوريا"، حسبما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
أكد وزيرُ الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن أن نظام الأسد لا يستحق "العودة إلى جامعة الدول العربية، ولن نطبّع في الوقت الحاضر مع الأسد ونظامه، لأنه لم يحقق ما طلب منه"
كما لم تنقطع تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الرافضة للتطبيع مع نظام الأسد، واقترنت بالقيام بزيارات إلى دول المنطقة، وعقد اجتماعات مهمة مع المسؤولين فيها، من أجل الدفع بألا يكون التطبيع العربي مجاناً، فقد أكد وزراء خارجية دول التحالف الدولي ضد "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة بعد اجتماعهم في الرياض، على وقوفهم إلى جانب الشعب السوري لدعم تسوية سياسية دائمة، تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2245، وأكد وزيرُ الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن أن نظام الأسد لا يستحق "العودة إلى جامعة الدول العربية، ولن نطبّع في الوقت الحاضر مع الأسد ونظامه، لأنه لم يحقق ما طلب منه"، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، الخميس الماضي. وفي نيويورك أعلنت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، أن الولايات المتحدةَ تختلف مع الدول العربية في إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة، ولن تطبع معه، ولن ترفع العقوبات عنه أيضاً، وتريد العمل معها في سوريا للدفاع عن حقوق الإنسان للشعب السوري، ومعالجة القضايا الإنسانية والأمنية على الأرض.
أما في العاصمة القطرية، الدوحة، فقد جددت قطر موقفها الرافض للتطبيع مع نظام الأسد، وذلك على لسان وزير رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، الذي اعتبر أن مشكلة قطر ليست مع الشعب السوري، بل مع نظامِ الأسد، وأنها تريد التوصل إلى حل سياسي وفق القرار 2254. أما الوزيرة الفرنسية فعبّرت عن عدم تفهمها حيثيات قرار إعادة النظام إلى الجامعة العربية، من دون أي مقابل من طرف النظام، الذي "لم يلبِ أياً من الشروط الدولية المطلوبة منه".
إذاً، ما تزال دول الغرب، ومعها بعض الدول العربية، تعتبر أن مشكلة نظام الأسد مع الشعب السوري لم تحل، وأنه لم يتخذ أي خطوة باتجاه الحل السياسي المطلوب أممياً ودولياً، لذلك لن تطبع علاقاتها معه، وفي نفس الوقت ترفض التطبيع العربي المجاني معه، وبالتالي فإن مواقف هذه الدول تلعب دورها مهماً في فرملة مسار هذا التطبيع، ليبقى مجرد خطوات شكلية، ولقاءات صورية، لم تثمر شيئاً، خاصة على المستوى الاقتصادي، مع العلم أن النظام بأمس الحاجة إلى المساعدات المالية والاقتصادية، للتخفيف من الأزمة المستفحلة التي تعصف به، ويدفع ثمنها عامة السوريين في مناطق سيطرته.
أهم رادع لخطوات التطبيع العربي على المستوى الاقتصادي هو العقوبات الأميركية المقوننة بقانوني قيصر، ومكافحة الكبتاغون، إلى جانب قانون "مكافحة التطبيع مع الأسد"، الذي يمنع الحكومة الاتحادية الأميركية من الاعتراف بأي حكومة سورية بوجود بشار الأسد، أو تطبيع العلاقات معها، كما يوسع القانون من مفاعيل "قانون قيصر"، الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على أي فرد، أو مؤسسة، أو دولة، تساعد النظام في حربه ضد غالبية السوريين، وبالتالي سيبقى نظام الأسد منبوذاً أميركياً وأوروبياً، ولن تجرؤ أي دولة عربية مطبعة على منح النظام أي قروض أو مساعدات اقتصادية، خارج المساعدات المقدمة لمنكوبي الزلزال التي يسرقها النظام.
لا شك في أن مواقف الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية، الرافضة للتطبيع مع نظام الأسد، تلاقي جميعها استحساناً لدى ملايين السوريين، لكنها للأسف تكتفي بالمطالبة بانخراط النظام في الحل السياسي مقابل فك عزلته
بُني الموقف الغربي من نظام الأسد على خلفية جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها ضد السوريين، ولم يحاسبه أحد عليها، بالنظر إلى الدعم الروسي اللامحدود له، وعلى كل المستويات، فضلاً عن دعم نظام الملالي القابع في طهران، والدعم الصيني في مجلس الأمن، الأمر الذي مكنه من الإفلات من العقاب، ومن عدم قيامه بأي خطوة مطلوبة منه على المستوى السياسي، أو على مستوى توفير البيئة الآمنة لعودة ملايين اللاجئين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هجرهم منها، لذلك لن تتزحزح مواقف دول الغرب من نظام الأسد ما لم ينخرط في الحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، ولن يستفيد من انفتاح معظم الأنظمة العربية عليه.
لا شك في أن مواقف الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية، الرافضة للتطبيع مع نظام الأسد، تلاقي جميعها استحساناً لدى ملايين السوريين، لكنها للأسف تكتفي بالمطالبة بانخراط النظام في الحل السياسي مقابل فك عزلته، ولم تبذل تلك الدول، وخاصة الولايات المتحدة، أي جهد من أجل الدفع نحو تطبيق وتنفيذ القرارات الأممية الخاصة بالقضية السورية. كما أنها لم تبد أي اعتراض على الخطوات، التي قام بها كل من المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، والمبعوث الحالي غير بيدرسن، اللذين رضخا للرؤية الروسية، عبر الركون إلى اللجنة الدستورية المسخ، التي اجترحها الساسة الروس، بغية إفراغ القرار 2254 من محتواه ومضامينه.