تصدَّرت حرائق الغابات عناوينَ الأخبار في السنوات الأخيرة في كل مكان، واشتعلت النيران في غرب الكرة الأرضية، خاصة في آلاسكا وكندا واليونان، لدرجة أن عددًا من مدنها أصبح غارقًا في ضباب دخان تلك الحرائق، كما تفيد التحرِّيات البحثية أن التغيُّر المناخي ساهم إلى حد كبير في تأجيج ألسنة اللهب لتلك الحرائق، إلى جانب الظروف الحارة والجافة التي تسود في فصلَي الربيع والصيف.
حرائق الغابات خطيرة للغاية، فإلى جانب تأثيراتها الميكانيكية المدمِّرة على المناطق الريفية والحضرية، فإن الدخان المنبعِث من جَمْرِها يمكن أن يَترك تداعيات على جسم الإنسان، لأنه يحمل في طياته مزيجًا من الغازات والجسيمات الدقيقة التي تؤذي العين والجهاز التنفسي، حتى ولو كان الشخص يتمتع بصحة جيدة، فما بالكم بأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، خاصة القلبية والرئوية.
لماذا يُعتَبر دخان الحرائق خطيرًا؟
الدخان الذي تنفثه حرائق الغابات هو خليط من الغازات والجسيمات الدقيقة الناجمة عن حرق النباتات ومواد البناء وغيرها من المواد، ويمكن لأي شخص أن يتضرر جراء استنشاق دخان الحرائق الذي يحتوي على ملوثات عديدة، أشهرها الجسيمات الدقيقة.
أكثر ثلاثة تهديدات لدخان حرائق الغابات
عندما يندلع الحريق فإنه يحرق الأخضر واليابس، وكلَّ شيء يقع في طريقه، ونتيجة ذلك، يُطلِق الحريق دخانًا يحتوي على باقة من المركَّبات الخطيرة التي تؤثِّر على جودة الهواء، وتكون مصدرًا لعدد من التهديدات على صحة الإنسان، أهمها:
- التهديد الأول: هو الجسيمات الدقيقة، وتعتبر هذه الجسيمات الأكثر خطرًا على الصحة، وهي عبارة عن جزيئات صلبة وسائلة صغيرة للغاية، معلَّقة في الهواء، ولا تُرى بالعين المجردة، تستطيع أن تدخل إلى العينين، وأن تتوغل بسهولة عبر الممرات التنفسية لتستقر في أعماق الرئتَين، وأن تصل إلى مجرى الدم.
يمكن للجسيمات الدقيقة أن تكون سببًا في تهييج نوبات الربو، وحدوث الأزمات القلبية والدماغية، وقد تكون سببًا في حدوث الوفاة.
وجدت الدراسات التي أُجرِيت على الأطفال في ولاية كاليفورنيا الأميركية، أن الأطفال الذين استنشقوا الهواء الملوَّث بالدخان أثناء حرائق الغابات عانوا من السعال والصفير والتهاب المجاري الهوائية ونزلات البرد، وكانوا أكثر عُرضة للذهاب إلى الطبيب أو دخول المستشفى لأسباب تتعلق بالجهاز التنفسي، خاصة داء الربو.
- التهديد الثاني: هو غاز أول أوكسيد الكربون، وهو غاز عديم اللون والرائحة، ويصل لذروته خلال مراحل الاحتراق بالنار وعلى مقربة منها. يُقلِّل استنشاق أول أوكسيد الكربون من توصيل الأكسجين إلى أعضاء الجسم وأنسجته المختلفة، ما يُسبب مجموعة من الأعراض، أبرزها الصداع والغثيان والدوار، وإذا كانت تركيزات الغاز المذكور عالية، فإن مخاطر حدوث الوفاة المبكِّرة تكون مرتفعة.
- التهديد الثالث: هو غاز أوكسيد النيتروجين، وهو غاز لونه بُنِّيّ ضارب إلى الحُمْرة، وله رائحة واخزة. أفادت البحوث حول هذا الغاز، أنه يسبب التهاب القصبات، ويفاقم من حالات السعال والصفير، ويُثير نوبات الربو، ويؤدي إلى تدهور وظائف الرئة، وقد يؤدي إلى حدوث أضرار قلبية وعائية، ويزيد من احتمال الدخول إلى قسم الطوارئ.
ما أبرز المخاطر الصحية لدخان حرائق الغابات؟
لا يوجد مستوى آمنٌ للتعرض للملوّثات الموجودة في دخان الحرائق، فقد تكون ضارة، حتى ولو وُجِدت بتركيزات منخفضة، خاصة للأشخاص الذين يعانون من أمراض في القلب والجهاز التنفسي.
إذا كان هناك ما يكفي من الدخان في الهواء من حولنا، فقد تتمخّض عن استنشاقه حزمة من الأعراض الفورية التي تشمل:
- 1- الصداع.
- 2- الصعوبة في التنفس.
- 3- الأزيز في الصدر.
- 4- السعال.
- 5- تخرش الأنف والحلق.
- 6- سيلان الأنف.
- 7- الحرقان والحكّة في العين.
- 8- تهيّج الجيوب الأنفية.
- 9- نوبة الربو.
- 10- الألم في الصدر.
- 11- تسارع ضربات القلب.
- 12- التعب.
- 13- الدوخة.
الأشخاص الأكثر عُرضة للمخاطر الصحية لدخان الحرائق
بغض النظر عن العمر، وحتى ولو كانت مستويات الدخان منخفضة، فإن الفئات الأكثر ضعفًا هي الأكثر عُرضة للمخاطر الصحية لدخان حرائق الغابات، وتشمل:
- كبار السن.
- الحوامل.
- الأطفال الصغار.
- مرضى القلب والأوعية الدموية.
- مرضى الجهاز النفسي.
- مرضى السكري.
- مرضى كوفيد الطويل الأمد.
هل يوجد علاقة بين دخان حرائق الغابات والسرطان؟
في الواقع لا يُعْرَف بدقة طبيعة العلاقة بين التعرض لدخان حرائق الغابات وخطر الإصابة بالسرطان، مع ذلك، يَعْلَم الباحثون أن دخان الحرائق يحتوي على معادن ثقيلة، كالرصاص والزرنيخ، ومشتقات أخرى مثل البنزين والفورم الدهايد، وهي مواد توجد في دخان السجائر، ومتَّهمة بأنها تُسبب السرطان.
في هذا الإطار، كشفت دراسة أجراها فريق الدكتور ويتشينتال من جامعة ماكجيل الكندية، تعقَّبَتْ أكثر من مليونَي شخص على مدى 20 سنة، ونُشِرت نتائجها في مجلة لانسيت عام 2022، أن الأشخاص الذين عاشوا في دائرة نصف قطرها حوالي 50 كيلومترًا من مصدر حريق الغابة، وعلى مدى العشر سنوات الماضية، ارتفع لديهم خطر الإصابة بسرطان الرئة بنسبة 5%، وسرطان المخ بنسبة 10%، مقارنة مع الأشخاص الذين عاشوا بعيدًا عن مصدر الحرائق.
كيف تحمي نفسك؟
إذا حدث حريق هائل في منطقتك ولم يتم إخلاؤك، فإنه عليك أن تسمع الأخبار، خاصة تلك التي تتعلق بجودة الهواء، وأن تراقب عن كثب التحذيرات الصحية المتعلقة بالدخان، وأن تبادر إلى اتخاذ التدابير المناسبة التي تضمن أمنك وسلامتك وصحتك. نسوق في هذا الإطار أهمَّ النصائح المتعلقة بالحماية من دخان حرائق الغابات:
- 1- الحدّ من التنقل، وتجنّب قضاء الوقت في الهواء الطلق.
- 2- البقاء داخل المنزل قدر المستطاع، وإغلاق جميع النوافذ والأبواب، على أن تتم التهوية لفترة قصيرة، في حال سَمَحت الظروف بذلك.
- 3- تغطية فتحات التهوية للأفران والمواقد بقطع قماش مبللة بالماء.
- 4- تشغيل مكيف الهواء إذا كان متوفرًا، مع إبقاء مدخل الهواء مغلقًا، والفلتر نظيفًا، لمنع الدخان من التسلل إلى الداخل. إذا لم يتوفر المكيف وكان جو المنزل حارًا، فإنه يمكن الذهاب إلى أماكن أخرى تؤمِّن البرودة، وتحتوي على هواء مفلتَر، مثل مراكز التسوق أو المكتبات أو المراكز الاجتماعية أو دور السينما.
- 5- تفادي القيام بأعمال شاقة أو أنشطة بدنية في الهواء الطلق.
- 6- الحفاظ قدر المستطاع على جودة الهواء داخل المنزل، والامتناع عن إشعال أشياء مثل البخور أو الشموع ومدافئ الحطب، وما شابه ذلك، لأنها يمكن أن تزيد من تلوث الهواء في الداخل.
- 7- أيضًا لا يجوز التدخين، ولا تشغيل المكنسة الكهربائية، لأنهما يساهمان في زيادة التلوث الداخلي.
- 8- اتباع توصيات الطبيب بشأن تناول الأدوية والتعامل مع الجهاز التنفسي في حال المعاناة من الربو، أو من أمراض رئوية أخرى، أو من أمراض في القلب والأوعية الدموية.
- 9- استخدام جهاز تنقية هواء محمول يعمل بكفاءة عالية على إزالة الجسيمات، خاصة لحماية الأشخاص المصابين بأمراض في القلب والرئة، وكذلك كبار السن والأطفال الصغار. يجب اتباع تعليمات الشركة بدقة فيما يتعلق بتغيير الفلتر، والمكان الأنسب لوضع المرشِّح.
- 10- حذار من استعمال أقنعة الحماية من الغبار، فهذه تحبس الجزيئات الكبيرة، ولا تقدم الفائدة المنتظرة للرئتين. في المقابل فإن القناع N95 يمكن أن يوفر بعض الحماية، شرط أن يتم ارتداؤه بشكل صحيح. أما عن أقنعة التنفس الصناعي فهي تقدم حماية مثالية.
- 11- العمل قدر المستطاع على إعداد أطعمة لا تحتاج إلى الطهي، لأن الأخير قد يجعل جودة الهواء داخل المنزل أسوأ، خاصة عند القلي أو الشوي أو السَّلق.
- 12- عدم استخدام البخاخات المعطرة للهواء أو موزعات العطور الكهربائية، لأنها تساهم في إطلاق مزيد من الجسيمات الدقيقة داخل المنزل، وتؤثر على جودة الهواء.
- 13- استخدام المرطبات لترطيب الهواء داخل المنزل، فهي قد تساعد على إزالة بعض الدخان، وتحافظ على رطوبة الفم والأنف.
- 14- الاهتمام بالحيوانات الأليفة، فهي الأخرى قد تتأثر وتعاني من دخان الحرائق، وإذا عانى الحيوان من ضيق في التنفس، فيجب التواصل مع الطبيب البيطري.
أخيرًا وليس آخرًا، لا تُهدِّد حرائق الغابات الأرواحَ بشكل مباشر وحسب، بل إن دخانها المنبعث يحمل معه العديد من الملوّثات التي تؤثر سلبًا على جودة الهواء الداخلي والخارجي، فتشكل خطرًا على صحة الجميع دون استثناء، كبارًا وصغارًا، شبابًا وشيوخًا، فدخان الحرائق هذا لا يلوِّث هواءَ الأماكن القريبة والمجاورة فقط، بل يستطيع الانتقال على بعد آلاف الأميال، ليترك تداعيات صحية على الكل، على الأصحاء والمرضى، خاصة على الفئات التي لا حول لها ولا قوة.
تُظهِر بعض الأدلة أن التركيب الكيميائي لدخان الحرائق يمكن أن يتغيّر، ويصبح أكثر سُمِّيّة كلما طال بقاؤه في الهواء، الأمر الذي يزيد من احتمالية وقوع مخاطر أكبر على الصحة.