بعد عقود طويلة أمضتها بالتمثيل والإخراج والتصميم والكتابة المسرحية في كل من نيويورك ولوس أنجلوس ولندن، أعربت الفنانة المسرحية العالمية إليزابيث إلياس هوفمان عن سعادتها الغامرة لإطلاق أحدث عرض من عملها الخيالي الذي تؤديه بمفردها تحت عنوان: (ليست ثورتي)، والذي تنتجه شركة أوف ذا وول للإنتاج الفني في مسقط رأسها بولاية بنسلفانيا.
وهذا العمل الذي اشتغلت عليه هوفمان منذ عام 2016، هو عبارة عن مسرحية أشبه بحلم يدور حول امرأتين تعيشان في زمنين مختلفين تاريخياً، إلا أن كلاً منهما تعاني من آثار التهجير القسري والحرب، إذ تنسج تلك المسرحية حكاية حول الطريقة التي سجنت بها ماري أنطوانيت خلال الثورة الفرنسية مع تجارب عاشتها امرأة سورية كانت تعمل بتجارة الأعمال الفنية، وقد كانت ثرية في زمن من الأزمان، لكنها أصبحت تعرف اليوم باسم: "النازحة"، وصار عليها أن تكافح من أجل البقاء بعد كل الخسائر الكارثية التي منيت بها وهي تعيش في إسطنبول كلاجئة في عام 2011. وهاتان المرأتان اللتان لعبت دورهما هوفمان، وهي أميركية من أصل سوري، تحاولان أن تصارعا حالة العجز والشك التي تعيشانها وهما تواجهان الحرب.
تتمنى هوفمان لمسرحيتها أن تساعد الجمهور الذي يشاهدها على استيعاب الفكرة القائلة إنه: "بالنسبة للثورة والحرب، فإن الجميع يصبحون سواسية... لأنك قد تكون أغنى شخص على وجه البسيطة، لكنك قد تفقد كل شيء، أي أن هذا الأمر قد يحدث لك بكل بساطة".
ولدت تلك المسرحية من خلال الرغبة لرفع سوية خبرات اللاجئين السوريين، إذ تخبرنا هوفمان أنها في الوقت الذي بدأت فيه تكوين تصوراتها حول هذا المشروع الذي تحول إلى مسرحية: ليست ثورتي، ساورها قلق كبير حيال أسرتها في سوريا، كما أزعجتها أخبار الحرب التي أخذت تقسم البلد، ولهذا رغبت بأن تفعل شيئاً يتصل بتوعية الناس بما يجري بالنسبة للأوضاع، لكنها لم تكن تدري كيف لها أن تفعل ذلك.
وفي تلك الفترة، تذكرت هوفمان مسرحية ركنتها جانباً وعنوانها: الرمادي الفرنسي، ألفها جوزيف بوش، وهي مسرحية مؤلفة من فصل واحد تدور حول نهاية حياة ماري أنطوانيت، وعن ذلك تحدثنا فتقول: "أبقيت هذه المسرحية عندي لفترة طويلة وأنا أفكر كيف يمكنني أن أؤديها في يوم من الأيام، ولكن تلك المسرحية تسببت بمشكلات عديدة لي، لأنها لم تفلح معي في بداية الأمر".
وعندما قرأت هوفمان مسرحية الرمادي الفرنسي على صديقتها التي تعاونت معها أكثر من مرة، واسمها لوان مولدوفان، وهي مؤسسة شركة سيغنيت للإنتاج الفني في بورتلاند ومديرة فنية فيها، وجدت كل منهما في تلك المسرحية مادة خاماً لمسرحية جديدة تدور أيضاً حول الحرب السورية وتتحدث عن عواقب التهجير القسري على اختلاف الزمن والمكان. وهكذا شاركت مولدوفان في وضع تصورات لتلك المسرحية، ثم وقعت عقداً لتصبح مخرجة ذلك العمل الفني، وعنها تقول هوفمان: "إنها شخص يعرف تماماً كيف يطور نصاً، ولقد ارتبطنا كثيراً بهذا المشروع وأحببناه حباً جماً، وأسعدتنا فكرة مشاركته مع الناس".
وهذه المسرحية "من النوع الذي يكتب نفسه بنفسه بطريقة ما"، بحسب رأي هوفمان، إذ بالرغم من أنها مسرحية قائمة على ممثل واحد، إلا أنها استفادت من مساهمات ومشاركات الكثير من الأصدقاء والمتعاونين الموهوبين على مدار سنوات، إلى جانب بحث هوفمان ودراستها للثورة الفرنسية، وللوقت الذي أمضته وهي تجري مقابلات ولقاءات مع لاجئين سوريين وتسألهم عن تجاربهم وخبراتهم.
ركزت هوفمان على تصوير ظروف اللاجئين الصعبة في أغلب الأحيان بطريقة درامية، بشكل يجعلنا نطرح أسئلة مثل: "إلى أين تذهبون؟ إلى بلدان لا تريدكم ولا تتحدثون لغتها؟ كيف تعيشون؟ وكيف أصبحتم تعيشون بعد الخسارة والفقد؟ كيف تحفظون كرامتكم في ظل هذه الظروف، وأنتم تشعرون بأن الشعب لا يريدكم في بلده؟"
هوفمان تمثل دور لاجئة سورية في مسرحية (ليست ثورتي)
تتحين هوفمان بشوق فرصة الحديث عن عملها بعد العرضين الصباحيين للمسرحية اللذين سيجريان يوم الأحد المقبل، وقد ذكرت بأنها ستشارك الضيوف المدعوين والأهالي بأفكارها حول الحرب السورية وإعادة توطين اللاجئين، ودور النساء في تاريخ الثورات، وعلقت على ذلك بقولها: "إن الشيء الوحيد الذي تعلمته من هذه المسرحية في كل مكان قدمتها فيه هو أن الجمهور يريد أن يتحدث عنها".
يذكر أن هوفمان قدمت العديد من العروض المسرحية بمفردها، إذ خلال مسيرتها الفنية، قدمت أربع مسرحيات وحدها، ولعبت 54 شخصية كما أوردت في موقعها الإلكتروني. وعن العروض المنفردة تقول: "إنها تحتاج لقدر كبير من التركيز والقدرة على التحمل ووجود طاقة كبيرة لدى الممثل"، وذكرت بأن العرض الذي يؤديه الممثل منفرداً: "أشبه بالجري في مسابقة عشارية للركض، إذ يجب أن يكون شكلك في أفضل أحواله، وعليك أن تراقب ما تأكله، وأن تأوي إلى فراشك مبكراً، وأن تحافظ على صفاء ذهنك ونقاء تفكيرك، لأن وجودك على المسرح بمفردك لمدة 90 دقيقة يعتبر فترة طويلة، إذ عليك أن تبحر في مجاهل نص في غاية الصعوبة إلى جانب الشخصيات المركبة التي تؤديها".
وبما أن هوفمان ولدت وترعرعت في ولاية بنسلفانيا الأميركية، لذا قررت منذ فترة قريبة أن تعود لمسقط رأسها لتشارك بعروض فنية هناك، وعن ذلك تحدثنا فتقول: "هنالك طاقة مدهشة فعلاً في مجال الفنون، ولقد اكتشفت ذلك خلال الزيارات التي قمت بها إلى هذا المكان، إذ عندها قررت أن أكون جزءاً من هذا التجمع الفني". ولهذا تتمنى هوفمان أن تفتتح في نهاية المطاف شركة مسرحية محترفة في منطقة مون فالي.
أما عن الشركة المنتجة فتقول: "كانت شركة أوف ذا وول للإنتاج الفني من أوائل من صادقتهم هنا"، حيث سمحوا لها بالاستعانة بمسرحهم في يوم واحد في الأسبوع طوال فترة انتشار الجائحة وذلك حتى تواصل العمل على مسرحية: ليست ثورتي. وقد كان روني لاكروتي أهم من رعى ومول هذا العمل. وأخيراً تعلق هوفمان على مسرحيتها بالقول: "إن تقديم مسرحية كهذه يحتاج لعروض في أكثر من قرية، كما يحتاج لسنوات من العمل، لكني أعتقد بأني نجحت في ذلك... وهذا أفضل عرض قدمته لهذه المسرحية... بل إنه العرض الذي حلمت به منذ البداية".
المصدر: سيتي بيبر بيتسبيرغ