في ١٧ آب/أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية تعيين جيمس جيفري، ممثلاً خاصاً لوزير الخارجية إلى سوريا. وتتضمن الوظيفة الجديدة لجيفري مهام تعميق الانخراط في الملف السوري وتنسيق كل أوجه السياسات المتعلقة بالنزاع في سوريا بما في ذلك دعم الحل السياسي. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية بومبيو إنّ مسيرة جيفري المتميزة كدبلوماسي تجعله بمثابة خيار ممتاز للقيام بهذه المهمّة.
يبلغ جيفري من العمر حوالي ٧٢ عاماً، ويتقن الضابط السابق في سلاح المشاة الأميركي إلى جانب لغته الأم عدّة لغات من بينها التركيّة. سبق له أن خدم كسفير لبلاده في العراق بين عامي (٢٠١٠ و٢٠١٢)، وقبلها سفيراً في تركيا بين عامي (٢٠٠٨ و٢٠١٠)، وشغل مناصب أخرى سابقاً لعل أهمّها منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن، كما عمل على العديد من الملفات المهمة أبرزها الملف الإيراني.
أمّا خارج الإطار الرسمي، فقد عمل جيفري خبيراً في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو متخصص في الشؤون السياسية والأمنية والطاقة في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وألمانيا والبلقان. خلال عمله في المركز مؤخراً، عبّر جيفري بشكل علني عن آراء ومواقف قريبة من وجهة نظر الجانب التركي لاسيما فيما يتعلق باعتبار وحدات حماية الشعب (YPG) فرعاً سورياً من حزب العمّال الكردستاني (PKK) المصنف إرهابيا.
وفيما يتعلق بالملفات الخلافيّة الثلاثة الرئيسية مع أنقرة -العلاقة مع روسيا وشراء صواريخ (إس-٤٠٠)، والوضع في سوريا والتحالف القائم بين واشنطن والميليشيات الكردية، وغولن والمعتقلين الأمريكيين في تركيا وعلى رأسهم برونسون-يرى جيفري أنّ الخلاف في هذه الملفات قابل للمساومات، ويشير إلى أنّ التعنّت في المواقف الأمريكية يولّد مخاوف تركية من أن الولايات المتحدة تحاول إلحاق الضرر بتركيا.
جادل جيفري بأنّ فوز أردوغان في الانتخابات قد يشكّل فرصة للولايات المتّحدة للعمل مع شريك قوي فيما يتعلّق بملفات المنطقة
في مقال له في ٢٧ يونيو، جادل جيفري بأنّ فوز أردوغان في الانتخابات قد يشكّل فرصة للولايات المتّحدة للعمل مع شريك قوي فيما يتعلّق بملفات المنطقة، لافتاً إلى أنّ على واشنطن التواصل معه بشأن القضايا التي تتطلب إجراءات فوريّة لتجنّب حدوث عواقب وخيمة في المنطقة. وفي الملف السوري تحديداً، حثّ جيفري على البناء على اتفاق منبج، مشيراً إلى أنّ هناك مصلحة مشتركة، فأردوغان يريد بقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا للمساعدة على احتواء مختلف التهديدات المتصورة هناك، بدءاً من "حزب الاتحاد الديمقراطي" وفلول تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى العناصر الإيرانية وحلفائها في نظام الأسد.
وبالرغم من أنّه شدّد على أنّ أردوغان شريك صعب في جميع الأحوال، فإنّه أكّد أن تركيا هي أقوى دول المنطقة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية وأكثرها استقراراً، وسبق لها أن تعاونت مع الغرب في عدة قضايا بدءاً من أفغانستان وأوكرانيا مروراً باللاجئين السوريين ووصولاً إلى دفاعات حلف "الناتو" ضد التهديدات الصاروخية الإيرانية. ومن وجهة نظره، إذا كانت واشنطن جادة بشأن الدفع بأولويّاتها المعلنة في استراتيجية الأمن القومي، فهذا يعني أنّها بحاجة إلى العمل مع شركاء أقوياء كتركيا.
إذا كانت واشنطن جادة بشأن الدفع بأولويّاتها المعلنة في استراتيجية الأمن القومي، فهذا يعني أنّها بحاجة إلى العمل مع شركاء أقوياء كتركيا
يرى جيفري كذلك أنّه لا يمكن لواشنطن احتواء إيران في المنطقة من دون العمل مع تركيا، وهي نقطة صحيحة بالفعل، لكن الأكثر إثارة في الموضوع هو أنّ جيفري كان قد شارك في شهر تموز/ يوليو الماضي في وضع ورقة مع ثمانية باحثين آخرين تشكّل منطلقاً لرؤية جديدة لما يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية في سوريا. محور هذه الورقة هو التحضير لمواجهة إيران ومنع تنظيم داعش من الانبثاق مجدداً. لا تخرج هذه الأهداف عمّا تريده تركيا في سوريا، والأهم من ذلك أنّ الورقة ترى أنّ لا يتم ترك الأسد حرّاً في تصرفاته وإنما يجب تقييده والضغط عليه، وهو أمر مهم بالنسبة إلى الجانب التركي بطبيعة الحال. تقترح الورقة فرض عقوبات وتطبيق حظر جوي ومنطقة محظورة على الأرض شمال شرق سوريا لمنع إيران من التمدد من جهة، وفرض تكاليف على الجانب الإيراني، وتخيير روسيا بين تحدّي هذا الواقع أو التعاون من أجل التخلص من الأسد.
والأهم من ذلك أنّ الورقة ترى أنّ لا يتم ترك الأسد حرّاً في تصرفاته وإنما يجب تقييده والضغط عليه، وهو أمر مهم بالنسبة إلى الجانب التركي
تبدو هذه المقترحات مهمّة للغاية، لكن إلى أي مدى ستكون قابلة للتطبيق في ظل النزاع الأمريكي- التركي المحتدم حالياً بسبب القس برانسون ورغبة ترامب في الاستفادة من هذه الأزمة لتحقيق مكاسب في السياسة الداخلية الأمريكية قبيل الانتخابات النصفية؟ يبدو تصور الأمر صعباً جداً أو ربما مستحيلاً في المرحلة الراهنة.
في هذا السياق، يمكن كذلك اعتبار دور جيفري موازناً لدور ماكجورك الذي يعمل بشكل وثيق مع الميليشيات الكردية وسبق أن عمل كذلك مع الميليشيات الشيعية، والذي ترى أنقرة أنه معادٍ بشكل كبير لها ولمصالحها في سوريا والعراق. لكن مجمل القول أنّ اختيار جيفري لهذا المنصب يشكّل فرصة لتركيا لتأمين المزيد من أهدافها في الملف السوري، ولكنّه قد يتحوّل إلى تحدٍّ أيضاً ما لم تحسن أنقرة التعامل معه.