قامت مقاتلات إسرائيلية الأسبوع الماضي بقصف مواقع داخل سوريا قالت الحكومة الإسرائيلية إنّها تابعة للحرس الثوري الإيراني وللجيش السوري وشملت مخازن ومقرات قيادة ومجمعات عسكرية، بالإضافة إلى بطاريات صواريخ أرض جو. وأشار بيان للجيش الإسرائيلي إلى أنّ الاستهداف تمّ ردّاً على محاولات زرع عبوات ناسفة بدائية الصنع لاستهداف جنود إسرائيليين.
وبالرغم من أنّ البيان الإسرائيلي ربط العملية كما هو واضح بتخطيط إيران لاستهداف جنود، إلاّ أنّه يعتقد أنّها كانت كذلك بمثابة رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة مفادها أنّ إسرائيل لن تتهاون بخصوص الوجود الإيراني في سوريا عند رحيل ترامب وأنّها ستستمر في ضرب أهداف تابعة لفيلق القدس وستتصرّف وكأنّ شيئاً لم يتغيّر في هذا الصدد بالتحديد.
الرسالة الإسرائيلية تنبع كذلك من تقييم مفاده أنّ الإيرانيين سيعملون على مواصلة تعزيز نفوذهم في المنطقة بعد رحيل ترامب، وهو تقييم صحيح إلى حدٍّ كبير على اعتبار أنّ الإيرانيين سيشرعون في وضع الشروط على إدارة بايدن فور مطالبة الأخيرة بإطلاق مفاوضات لإعادة انضمام الولايات المتّحدة إلى الاتفاق النووي وهو أمر كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد أشار إليه هو الآخر يوم الأحد الماضي عندما قال إنّه يجب عدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ومن الضروري التمسك بسياسة لا تلين أو تتهاون مع طهران للتأكّد من أنها لا تطوّر أسلحة نووية.
خلال حملته الانتخابية، لم يبد بايدن أي التفات نوعي للملف السوري، ولم ترد سوريا في أي من أولوياته
من هذا المنطلق، فإنّ الملف السوري سيكون بمثابة أوّل اختبار حقيقي لإدارة بايدن وسياساته الخارجية. خلال حملته الانتخابية، لم يبد بايدن أي التفات نوعي للملف السوري، ولم ترد سوريا في أي من أولوياته. لكن الواقع اليوم سيفرض عليه عاجلاً أم آجلاً الملف السوري بامتياز. هناك من يعتقد أنّ الإيرانيين سيضعون شروطاً عند التفاوض مع بايدن وأنّ من بين هذه الشروط سيكون بالتأكيد مطالبتها بعودة نفوذها كما كان عليه الوضع إبّان عهد أوباما في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن. ومن الطبيعي افتراض أنّ مثل هذه الشروط ستسبب مشكلات كبيرة ليس لهذه البلدان فحسب، وإنما للاعبين الإقليميين الآخرين أيضاً كإسرائيل والسعودية وتركيا.
فيما يتعلق بالملف السوري تحديداً، فإنّ إصرار إيران على الحفاظ على نفوذها هناك سيؤدي إلى إشعال التنافس الإقليمي مجدداً خاصة إذا شعرت طهران أنّ بايدن ضعيف وأنّه قد يقبل بمثل هذه الشروط مقابل عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران. بل الأرجح في هذا المقال أنّ تقوم طهران باختبار إدارة بادين أولاّ سياسياً وربما عسكريا كذلك (بشكل غير مباشر) لمعرفة مدى استجابة إدارة بايدن للضغط وهل هي مستعدة للذهاب بعيداً في تقديم تنازلات إلى طهران على غرار تلك التي قدّمتها إدارة أوباما سابقاً.
وإن كانت هناك إشكالية أو ضبابية في الموقف الأميركي حالياً بسبب تشكيك ترامب بالانتخابات الأميركية ورفضه التسليم حتى اللحظة بهزيمته وتسهيل انتقال السلطة إلى بايدن، فإنّ المشهد سيتضّح بشكل أكبر ما إن ينتهي بايدن من تعيين كامل أفراد طاقمه. هناك تصريحات أطلقها مستشار بايدن للشؤون الخارجية أنتوني بلنكن بشأن السياسات الأميركية في سوريا في مايو الماضي قال خلالها إنّه يجب على الإدارة الأميركية الأخيرة الاعتراف بأنّنا فشلنا في سوريا، وفشلنا في منع الخسائر المروعة في الأرواح، وفشلنا في منع النزوح الجماعي للناس داخل وخارج سوريا. مضيفاً "لسوء الحظ، منذ ذلك الحين الوضع المروّع قد أصبح أسوأ ممّا كان. كان لدى الولايات المتحدة بعض النفوذ المتبقي في سوريا لمحاولة تحقيق بعض النتائج الإيجابية، لكن لسوء الحظ، قضى عليه ترامب"
مثل هذا الكلام مهم فقط إذا كانت إدارة بايدن ستأخذ الدروس والعبر من تجارب أوباما وترامب الفاشلة في سوريا، أمّا إذا كانت الإدارة الجديدة ستستخدم هذ الكلام للوم ترامب فقط دون أن تفعل هي الأخرى أي شيء بخصوص نظام الأسد والنفوذ الإيراني في البلاد، فإنّ الوضع سيصبح بالفعل أسوأ مما هو عليه الحال. بلنكن قال إنّه من غير المتصوّر أن يتفاوض بايدن مع الأسد، لنأمل أن يكون ذلك صحيحاً أيضاً بشأن النفوذ الإيراني في سوريا.