أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الأسبوع الماضي عن نتائج استطلاع النسخة السابعة من "المؤشر العربي" لعامي ٢٠١٩-٢٠٢٠، والذي جرى تنفيذه في الفترة الممتدة من تشرين الثاني-نوفمبر ٢٠١٩ وتموز-يوليو ٢٠٢٠. ويعد الاستطلاع المسح الأكبر والأشمل في العالم العربي لناحية حجم العيّنة وعدد البلدان التي يغطيها والساعات التي غطّاها خلال العمل وتقارب الـ ٦٩ ألف ساعة.
وفقاً لمعدّي الاستطلاع، فقد شمل المؤشر مسحاً لرأي ٢٨ ألف شخص في ١٣ دولة عربية. أمّا المواضيع التي غطّاها الاستطلاع فتشمل مواضيع مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، كما شمل قضايا تتعلق بالديمقراطية والثورات العربية وأداء المؤسسات والحكومات والدول بالإضافة إلى التديّن والتطرّف والإرهاب والمواطنة والمشاركة السياسية..الخ
المثير في الاهتمام فيما يتعلّق بتركيا في هذا الاستطلاع أنّ النتائج تكشف عن اختلاف تام بين البروبغندا التي يتم الترويج لها من قبل بعض الأنظمة والحكومات العربية والقنوات الإعلامية والمواقع الإلكترونية وبين ما تراه العامة وفقاً للنتائج الصادرة عن هذا الاستطلاع استناداً إلى العيّنة العشوائية المختارة. السياسة الخارجية لتركيا ومدى الخطر الذي تشكّله أنقرة على الدول العربية.
قبل عدّة أيام فقط، ادّعى وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنّ القوات التركية الموجودة في قطر هي عنصر عدم استقرار في المنطقة، واصفاً الدور التركي بأنّه يساهم في الاستقطاب السلبي والمحاور ولا يراعي سيادة الدول. تصريح الوزير الإماراتي جاء متزامناً كذلك مع تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي
نتائج الاستطلاع تبطل البروبغندا الإماراتية- الإسرائيلية حول تركيا وتضع البلدين في موقع سلبي للغاية.
غانتس أمام مجموعة من الصحفيين من الدول الخليجية التي وقّعت اتفاقات تطبيع مؤخراً مع تل أبيب يشير فيها إلى أنّ تركيا دولة مزعزعة للاستقرار في المنطقة مُدّعياً أنّها تعمل ضدّ السلام في المنطقة وأنّه يجب الضغط عليها لتعديل سلوكها.
المفارقة أنّ نتائج الاستطلاع تبطل البروبغندا الإماراتية- الإسرائيلية حول تركيا وتضع البلدين في موقع سلبي للغاية. ووفقاً لما خلصت إليه نتائج الاستطلاع، فإن الترويج الإماراتي للخطر التركي على وجه التحديد لا يلقى قبولاً لدى الشارع العربي على ما يبدو. ومع أنّ العينّة تظهر تأثرّ بعض المصريين بالدعاية السلبية التي يتم بثّها ضد تركيا كخطر على مصر، فإنّ نتائج الاستطلاع تظهر أنّ تركيا تأتي في آخر ترتيب الدول التي من الممكن أن تشكّل خطراً على الدول العربية.
فيما يتعلق برأي العيّنة حول السياسات الخارجية للدول المختارة، احتلّت تركيا المرتبة الأولى، إذ رأى ٢٩٪ منهم أنّ السياسة الخارجية التركية إيجابية، ومثلهم إيجابية إلى حد ما، فيما احتلت السياسة الخارجية الإيرانية على سبيل المثال المرتبة السابعة والأخيرة لناحية الأقل إيجابية بواقع ٨٪ فقط، تلتها أميركا بواقع ١١٪ ثم روسيا بنسبة ١٤٪ وفرنسا بنسبة ١٧٪.
أمّا لناحية الأكثر سلبية، فقد احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى تليها إيران ومن ثمّ روسيا ففرنسا. لكن المجموع العام المتعلق بالآراء "السلبية والسلبية إلى حد ما" يشير إلى أنّ تركيا تحتل المرتبة الأخيرة أيضاً بواقع ٢٨٪ بالتساوي مع ألمانيا، فيما تتساوى إيران مع أميركا في المجموع العام لكون سياساتهما الخارجية الأكثر سلبية.
فيما يتعلق بمؤشر الدول التي تشكّل تهديداً للدول العربية بحسب نتائج الاستطلاع، حلّت إسرائيل في المرتبة الأولى ب٢٣ نقطة، وأميركا في المرتبة الثانية ب١٤ نقطة، وإيران في المرتبة الثالثة ب١٣ نقطة، والدول العربية المجاورة بواقع ١١ نقطة في المرتبة الرابعة، وفرنسا بواقع ٥ نقاط في المرتبة الخامسة، والدول العربية بشكل عام بواقع ٤ نقاط في المرتبة السادسة، وتركيا في المرتبة السابعة بواقع نقطة واحدة فقط.
هذا يعني أنّ تركيا تعتبر من الدول الأقل تهديداً لأمن الدول العربية بحسب نتائج استطلاع الرأي العام وذلك بخلاف ما يتم الترويج له من قبل بعض الدول والاتجاهات المعروفة في العالم العربي. الجدير بالملاحظة أيضاً أنّ تركيا لم تتصدر قائمة الأكثر تهديداً لأي من الدول العربية وفقاً للعيّنة، بينما اعتبر السعوديون والعراقيون والكويتيون على سبيل المثال إيران الدولة الأكثر تهديداً لهم، في حين اعتبر الفلسطينيون والأردنيون واللبنانيون والمصريون والموريتانيون إسرائيل مصدر التهديد الأكبر بالنسبة إليهم. في المقابل، رأى التونسيون والمغاربة والقطريون دولا عربية أو الدول العربية المجاورة مصدر التهديد الاوّل بالنسبة إليهم، واعتبر الجزائريون فرنسا مصدر التهديد الأول.
خلاصة القول إنّ السياسة الخارجية التركية قد لا تكون مثالية بالتأكيد، لكنّها وفق نتائج استطلاع الرأي الأكثر إيجابية بالنسبة إلى شريحة واسعة من العرب مقارنة بالدول الإقليمية والقوى الدولية الأخرى. وعلى الرغم من أنّ اجتهاد البعض منقطع النظير في تصوير أنقرة كتهديد وجودي للدول العربية لا يتوقّف، إلاّ أنّ نتائج الاستطلاع تظهر وجود فارق بين الحقائق والأوهام التي يريد البعض زرعها في ذهن الشعوب العربية لحرفها عن أولوياتها والمخاطر الحقيقية التي تواجهها.