يعيش جيل كامل من اللاجئين السوريين حياته في مخيم الزعتري، حيث يعمل ويتزوج وينجب داخل مخيم كان من المفترض أن يكون مأوى مؤقتاً لهم عندما فروا من بلدهم بسبب الحرب الدائرة فيها.
مخيم الزعتري ليس بخيار مستدام طويل الأمد، فهو لم يصمم ليكون كذلك، بل هو عبارة عن مستقر مؤقت، وقد شارفت دورة حياته على الانتهاء، إلا أنه ما يزال يؤوي 80 ألف لاجئ سوري ليس لديهم مكان بوسعهم العودة إليه.
الصورة الكاملة
شبّه أحد المسؤولين في وكالة اللجوء التابعة للأمم المتحدة مخيم الزعتري الذي يمتد على مساحة تعادل 3 كم تقريباً، بالمدينة الصغيرة.
إذ ثمة صبية يحملون حقائبهم المدرسية على ظهورهم يملؤون شوارع هذا المخيم خلال ساعات ما بعد الظهيرة بعد انصرافهم من المدرسة. أما البنات فيداومن في البرامج المخصصة بعد المدرسة التي توفرها المنظمات غير الحكومية لهن، وبعضها يشمل دورات في رقص الزومبا الرياضي أو في الفنون أو الموسيقا.
في حين يهتم الرجال بمتاجرهم المتنوعة ضمن الشارع الرئيسي المخصص للمشاريع التجارية، والذي بات يعرف باسم الشانزليزيه، بما أن المحال فيه تعرض منتجات طازجة، وتقدم القهوة، كما تعرض الأوشحة والحجابات، وقطع الغيار للدراجات الهوائية، وأدوات التنظيف والتنشيف، إلى جانب وجود الحلاقين، وغير ذلك من الأمور التي تخص الحياة اليومية.
ولد في هذا المخيم تقريباً 16 ألف طفل منذ أن تم افتتاحه في عام 2012، وذلك بحسب ما ذكره العاملون فيه.
مخيم الزعتري
صورة أقرب
في مقابلة أجريت مع و.ج التي اشترطت عدم ذكر اسمها، خلا أول حرفين منه، وذلك خلال جولة رعاها صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي يركز على القضايا المتعلقة برعاية الصحة الجنسية والإنجابية في هذا المخيم، ذكرت تلك المرأة أنها كانت في الحادية عشرة من عمرها عندما هربت هي وأهلها بسبب العنف الدائر في سوريا. وبعد عقد من الزمان، بما أنها اليوم أصبحت في الحادية والعشرين من العمر، تزوجت من لاجئ آخر كبر في مخيم الزعتري مثلها، وأصبح لديهما طفل صغير.
كانت النشأة في مخيم الزعتري صعبة في بداياتها، إلا أن العيش في مخيم للاجئين أصبح واقعاً عليها تقبله، وعن ذلك تقول: "لقد اعتدنا على ذلك بكل بساطة".
وعندما سُئلت إن كانت ترغب بالعودة إلى سوريا حتى تقوم على شؤون أسرتها التي باتت أكبر اليوم، ذكرت و.ج بأنها تفضل البقاء في الأردن، وليست لديها خطط للعودة.
هنالك العشرات من النازحين السوريين الذي يعيشون الوضع ذاته، ولديهم الموقف نفسه، إذ يقول بعض اللاجئين أن من بقي من أهلهم في سوريا حذروهم من العودة إليها، وذلك حتى يحموا أنفسهم كأفراد وحتى يبقوا بمنأى عن حالة عدم الاستقرار على المستوى الاقتصادي.
لقد أغلق مخيم الزعتري أبوابه اليوم أمام أي لاجئ جديد، وهذا ما خلق حالة من التردد أمام مغادرة بعض قاطنيه له، لأنهم على الأرجح لن يعودوا قادرين على العودة إليه في حال عدم استقرارهم في أي مكان آخر. في حين استقر آخرون في الأردن خارج حدود تلك المخيمات الكبيرة المخصصة للاجئين.
صورة التقطت لصبية سوريين بعد انصرافهم من المدرسة
وهكذا تستمر الحياة، على الرغم من المعاناة التي يعيشها اللاجئون مع ذكرياتهم تجاه الحرب، وسعيهم لخلق مكان آمن ودائم في هذا المستقر المؤقت الذي هربوا إليه قبل عشر سنوات.
ذكرت الكثير من اليافعات الموجودات في مركز تديره منظمة أنقذوا الأطفال بأنهن ما زلن يعانين من الصدمة، إذ إحداهن لديها حروق واضحة على جلدها بسبب الحرب التي شهدتها في سوريا.
فيما تقول أخرى: "لا أريد أن أتذكر الأصوات".
وتحدثنا ثالثة عن مدى خوفها هي وأهلها عندما وصلوا لمخيم الزعتري وأقاموا في خيام تقليدية، والتي تم استبدالها بوحدات سكنية أشد متانة من الخيم فيما بعد.
60 في المئة تقريباً من الزيجات الموثقة في الزعتري خلال عام 2020 كانت لفتيات تقل أعمارهن عن 18 عام، وذلك بحسب تقديرات وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. إذ تقوم بعض الأسر بتزويج بناتها بسبب الأعباء الاقتصادية.
فتيات سوريات لاجئات يمارسن رياضة الزومبا في مركز تديره منظمة أنقذوا الأطفال
ماذا بعد؟
أعرب مسؤولون أمميون عن قلقهم إزاء العواقب المتوقعة عند خفض التمويل والتي ستلقي بظلالها الثقيلة على حالة الاستقرار التي شعر بها اللاجئون السوريون مؤخراً، وتحدثوا عنها أمام الصحفيين خلال إحدى جولاتهم في ذلك المخيم، إلا أن هنالك حقائق تفرض نفسها، ومنها:
- غالبية الوحدات السكنية مسبقة الصنع التي يبلغ عددها 25 ألف وحدة قد شارفت على انتهاء صلاحيتها أو انتهت صلاحيتها بالفعل، بما أن عمرها الافتراضي يتراوح بين 6-8 سنوات. وحالياً، لا يتوفر تمويل إلا لتجديد ألف وحدة تقريباً كل عام.
- انخفضت المنح الدراسية المخصصة لدراسة اللاجئين السوريين في الجامعات الأردنية بسبب نقص التمويل، حيث هبطت من 200 مستفيد قبل عامين، إلى مجرد 15 مستفيدا خلال عام 2022.
- يتعين على بعض المنظمات غير الحكومية أن تقلص مساعداتها هي أيضاً، أو أن توجهها إلى مناطق أخرى في العالم بسبب ظهور أزمات جديدة، إذ مثلاً بات على برنامج الغذاء العالمي أن يخفض مساعداته الغذائية المخصصة للاجئين السوريين والتي بقي يقدمها لسنوات.
وحول ذلك يقول ماريو إيتشيفيريا الذي يترأس مكتب اللاجئين لدى الأمم المتحدة في مدينة المفرق بالأردن التي يتبع مخيم الزعتري لها: "عملياً أرى بأن كل وكالة تعمل في هذا المخيم قد فكرت في تخفيض تمويلها" مع تقليص الضرر الذي يُرجح ظهوره بسبب هذا التخفيض.
المصدر: AXIOS