حملت الأيام الماضية مؤشرات سياسية وميدانية على تعثر جهود تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، على الرغم من الدفعة الكبيرة التي تلقاها هذا المسار، إثر اللقاء الذي استضافته موسكو نهاية عام 2022، وجمع وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات التركيين بوزير الدفاع ورئيس الاستخبارات العامة للنظام السوري.
النظام السوري يرفع السقف مجددا
رفع النظام السوري سقف مطالبه مقابل تطبيع العلاقات مع تركيا، حيث جدد كل من بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد بتصريحات متتالية في 13 و14 كانون الثاني/ يناير الجاري، مطلب انسحاب القوات التركية من سوريا، ووقف دعم "الإرهاب" بحسب وصفهم.
وطالب الأسد خلال زيارة المبعوث الروسي إلى سوريا ألسكندر لافرنتيف لدمشق، بأن تكون اللقاءات بين تركيا وسوريا التي ترعاها روسيا مبنية على إنهاء ما وصفه "الاحتلال"، في إشارة إلى الانتشار العسكري التركي على الأراضي السورية.
وأفادت مصادر مطلعة على مباحثات اللجان التقنية بين تركيا والنظام السوري لموقع تلفزيون سوريا، بأن الجولات الأولى من لقاءات هذه اللجان أظهرت التناقض في مصالح الأطراف، إذ إن أنقرة تركز على قضية مكافحة حزب العمال الكردستاني، وتسهيل عودة اللاجئين، في حين أن النظام السوري يضع على رأس أولوياته الملف الاقتصادي كفتح الطرقات الدولية، ومشاريع إعادة التعافي المبكر، بالإضافة إلى إصراره على تحديد موقف أنقرة مستقبل علاقتها مع المعارضة السورية واستمرار دعمها.
ونفى المصدر التسريبات المتداولة عن تقدم المباحثات، ووصولها إلى مرحلة بحث مصير شمال غربي سوريا وكيفية توزيع النفوذ فيه، والسماح بعودة مؤسسات النظام السوري له، مشدداً على أن هذه النقاط لم يتم بحثها حتى اللحظة.
محلل السياسة الخارجية والأمنية المقيم في أنقرة عمر أوزكيلجيك، أكد بدوره وجود خلافات كبيرة بين دمشق وأنقرة، مما تسبب في تأخير تحديد موعد عقد الاجتماع الوزاري، إذ إن النظام السوري لا يزال ينظر إلى المعارضة السورية على أنها التهديد الأساسي له، وليس مجموعة وحدات حماية الشعب الإرهابية.
واستبعد أوزكيلجيك في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، أن يتم التوصل إلى اتفاق بين النظام السوري وأنقرة، طالما أن النظام غير مستعد للتقدم في الحل السياسي بموجب القرار 2254.
وأضاف المحلل التركي: دمشق حضرت الاجتماعات مع تركيا حتى الآن بسبب الضغط الروسي المكثف، لكنني لا أعتقد أن روسيا تريد أو يمكن لها أن تفرض اتفاقاً على نظام الأسد.
وأوضح المحلل أن هناك إدراكا في أنقرة لعدم جدوى التعاون مع النظام السوري في مجال مكافحة إرهاب وحدات الحماية، وتسهيل عودة اللاجئين، لكن المعارضة التركية روجت لضرورة التواصل مع النظام السوري وأقنعت الرأي العام بهذا، مما فرض على الحزب الحاكم اتخاذ الخطوات الأخيرة.
ومن المرجح أن تلعب إيران دوراً سلبياً في مسار تقدم العلاقات بين تركيا والنظام السوري، لأنها تخشى غالباً من عقد تفاهم تركي – روسي، يضعف النفوذ الإيراني، ومما يعطي مؤشراً واضحا على ذلك، أن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد شدد على مطلب انسحاب القوات التركية من سوريا خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان، ويبدو أنها رسالة مزدوجة لكل من أنقرة وموسكو على امتلاك الأسد لخيارات أخرى، كالتعاون الوثيق مع إيران في مواجهة أي محاولات لإرغامه على تقديم تنازلات.
وكانت وسائل الإعلام المحسوبة على التيار المتشدد في إيران، انتقدت بشكل لاذع غياب طهران عن لقاء وفدي تركيا والنظام السوري في موسكو، كما كشفت تقارير صحفية عن اقتراح النظام السوري احتضان طهران لقاءات سياسية بينه وبين تركيا.
تصعيد ميداني
لقي أربعة ضباط تابعين للنظام السوري مصرعهم، نتيجة قصف تركي على نقطة عسكرية بمنطقة المياسة في ريف عفرين في 12 كانون الثاني/ يناير الجاري.
ومن بين القتلى نتيجة القصف على النقطة العسكرية قائد اللواء 135 العميد عمار تيشوري، والمقدم زكوان علي سليمان.
وفي 14 كانون الثاني/ يناير قضى جندي تركي في قصف تعرضت له قاعدة تركية في بلدة حزوان بريف الباب شرقي حلب.
وأكد مصدر أمني لموقع تلفزيون سوريا، أن القصف الذي استهدف القاعدة التركية انطلق من نقطة عسكرية مشتركة بين قوات النظام السوري وقسد، ويبدو أنه رد على مقتل الضباط.
وأشار النقيب رشيد حوراني الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن الهجوم التركي بالأصل على موقع لقوات النظام السوري قرب عفرين، جاء استباقاً لنشاط عسكري محتمل لقوات النظام، رصدته القوات التركية قبل تنفيذه، وهذا يشير إلى استمرار انخراط النظام في تهديد الأمن القومي التركي، على اعتبار أن عفرين تقع على الشريط الحدودي، وتنتشر فيها قوات تركية.
ويبدو أن عملية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق تعترضها وستعترضها عقبات كبيرة، خاصة وأن تركيا ترى في انتشارها العسكري داخل الأراضي السورية ضمانا أساسياً لأمنها في ظل تراجع قدرة النظام السوري على ضبط الأمن، في حين الأخير يصر على مطلب انسحاب القوات التركية، كما أنه من غير المرجح أن توافق أنقرة على التخلي عن علاقتها بالمعارضة السورية، وهي تكرر بشكل واضح تمسكها بالحل السياسي وفق القرارات الأممية، وتعمل على تجزئة النقاط المتعلقة بسوريا، بحيث تفصل بين مكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين، وبين المسار السياسي، في حين من مصلحة النظام السوري أن يدمج الملفات جميعها على أمل تحصيل مكاسب سياسية مقابل تجاوبه مع مطالب أنقرة الأمنية.