جرت العادة كل عام في رمضان، أن تطغى أجواء وطقوس خاصة لدى الجالية العربية والمسلمة في ألمانيا، مثل تجهيز الزينة والفوانيس في أسواق برلين وكذلك نوافذ المنازل العربية، ليعوضوا من خلالها أجواء رمضان التي افتقدوها في بلدانهم منذ أن هاجروا منها. أو أجبروا على مغادرتها على غرار اللاجئين السوريين.
إلا أن الحزن هذا العام طغى على نفوس الجالية العربية نتيجة ما يتعرّض له قطاع غزة من عدوان إسرائيلي، والتي قاربت آلته الحربية أن تحصد نحو أربعين ألف ضحية من الفلسطينيين ودمرت نحو 85% من البنية التحتية في القطاع.
التضامن مع أهالي غزة
حاول موقع تلفزيون سوريا رصد التحضيرات التي اعتاد الصائمون على تجهيزها قبل أن يهل شهر رمضان، من خلال رصد آراء البعض من أبناء الجالية العربية في العاصمة الألمانية، ومنهم أبو عبدو، وهو لاجئ سوري، يقول: "يحظى شهر رمضان بمكانة مميزة لدينا، وجرت العادة أن نقوم بتزين الساحات وشرفات البيوت، وبطبيعة الحال تنشط الأسواق التجارية وتدب حركة غير اعتيادية في شارع العرب والـ"كارل ماركس" وسط برلين حيث تتركز المحال العربية، لكن هذا الأجواء غابت هذا العام واقترصت الزينة على بعض المحال وبشكل طفيف".
يضيف أبو عبدو لـموقع تلفزيون سوريا: "ما يحصل اليوم في غزة يذكرنا بإجرام بشار الأسد، نتنياهو قصف أطفالا يتضورون جوعا قدموا للحصول على حفنة طحين وسبقه بها بشار الأسد عام 2012 عندما ارتكب مجزرة مخبز حلفايا وهي مجزرة ارتكبت يوم 23 من ديسمبر/كانون الأول 2012 نتجت عن قصف طائرات النظام لبلدة حلفايا في ريف حماة، القصف استهدف طابورا من المدنيين تجمعوا أمام المخبز الآلي للحصول على الخبز، ذهب ضحية المجزرة أكثر من 300 قتيل".
ويستذكر أبو عبدو أجواء رمضان في سوريا قبل وصوله إلى ألمانيا في عام 2016: "كنا لا نستطيع أن نميز مدفع رمضان من مدافع الأسد، حيث كان يتعمد النظام على القصف وقت الإفطار، وخصوصا بالبراميل المتفجرة لقتل أكبر عدد ولإثارة الرعب في قلوب الأطفال حيث يخيم الصمت وقت الغروب".
ويختم أبو عبدو: "عانينا الحصار في مناطق كثيرة في سوريا وكنا مجبرين على الصوم طوال أيام السنة، ولا نجد سوى الفتات لكسر جوعنا، على عكس الصائمين في المدن العربية والإسلامية والعواصم الأوروبية خلال رمضان، نحن أكثر من يشعر بأهل غزة ومأساتهم لأن عدونا واحد وطريقة الإجرام والاستقواء على المدنيين العزّل تؤكد ذلك".
حركة تجارية هادئة
جرت العادة أن يزدحم شارع العرب قبل الشهر الفضيل، لكن هذا العام هيّمن الهدوء على "زونن ألي"، وخفتت ضوضاء حي نويكولن حيث تتركز الجالية العربية في العاصمة الألمانية.
يقع شارع العرب "زونن أليه/Sonnenallee" في حي نيوكولن، ويمتد على نحو 3 كم، وتزدحم في الشارع المطاعم والمقاهي العربية ومراكز تسوق المنتجات العربية "الحلال" بشكل جعله أكبر تجمع للتجارة العربية ليس فقط في ألمانيا بل أوروبا قاطبة.
محمد سرحان صاحب محل مواد غذائية هناك، وصف الحركة بأنها ليست كما الأعوام السابقة، وعزا محمد السبب بسبب الحرب في غزة إضافة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا، "حيث لا يكفي راتب الموظف في سوريا سوى لشراء 4 كيلو تمر فقط دون أي شيء آخر، وبات على المغتربين مضاعفة الحوالات فمن كان يخصص مبلغ 300 يورو لأهله يتوجب عليه اليوم إرسال 600، وباتت سوريا ثقب أسود تبتلع الكتل مالية وراتب مليون ليرة اليوم بقدرته الشرائية يعادل 1300 ليرة قبل 2011".
من جهته قال أبو شادي، البالغ من العمر 63 عاما، وهو سوري صاحب محل حلويات في برلين: "في رمضان تضاف الحلويات الرمضانية إلى مطبخنا لأنها تشهد إقبالاً كبيراً من العرب والمسلمين إجمالا، ونقوم بإعدادها بالاستعانة بعمالة موسمية خلال رمضان ويستمر التعاقد معهم حتى العيد الكبير".
وأشار أبو شادي، في حديثه لـموقع تلفزيون سوريا، حول اختلاف الأجواء هذا العام عن الأعوام الماضية "بدأت طلبيات رمضان ترد إلينا منذ بداية النصف الثاني من شعبان وخصوصا من المساجد التي تقدم موائد الرحمن، وهي طلبيات المعمول والسمبوسك والغريبة والكنافة، لكنها ليست بحجم طلبيات الأعوام السابقة، لأسباب لا تخفى عليكم من حرب غزة وتدهور أوضاع بلداننا بالعموم".
أما المساجد في ألمانيا فخلال شهر رمضان تكون المكان الأنسب للطقوس الروحانية، وهو ما قد تفتقده الجاليات المسلمة في بلدان المهجر، وتقوم المساجد إلى جانب المؤسسات الإسلامية بالترتيب لفعاليات دينية من ضمنها تنظيم صلاة التراويح، وفعاليات ثقافية كالإفطارات الجماعية ومسابقات في مجال حفظ القرآن وتجويده للأطفال.
سابقا، قال الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف، "الإسلام، إلى جانب المسيحية واليهودية، هو جزء من ألمانيا"، ويعيش في ألمانيا حاليا نحو 5.6 ملايين مسلم، بنسبة تقترب من 6.7% من سكان البلاد. وفي مقدمة هؤلاء: المسلمون الأتراك، وذوو الأصول التركية. ومن بين مليونين و800 ألف تركي في ألمانيا، لم يحصل مليون و500 ألف منهم على الجواز الألماني، حسب مصادر رسمية، أما السوريون الذين يقدر عددهم بنحو مليون و200 ألف نسمة، نسبة قليلة منهم من تحصل على الجواز.