لو لم تسقط حلب هل كان سيحصل العدوان على غزة؟

2023.12.15 | 19:47 دمشق

لو لم تسقط حلب هل كان سيحصل العدوان على غزة؟
+A
حجم الخط
-A

قبل ست سنوات وفي مثل هذا اليوم سقطت حلب في يدي المحتلين الروسي والإيراني وخرج بعدها وزير الدفاع الروسي ليقول بكل صفاقة: تمكنا من إيقاف مد الثورات العربية. نسي شويغو المنتشي بنصر طائراته وأسلحته التي اعترف أنهم جربوها على المدنيين في حلب وعموم سوريا بأنه حقق نصراً عسكرياً فقط، وأنه انتصر في معركة مواجهة مع قوى الثورة في حلب، لكن الحديث عن وقف مد ثورات الربيع العربي وهم روج له الروس والإيرانيون ومعهم الأنظمة العربية التي دعمت روسيا مالياً وسياسياً في معركة احتلال حلب.

خطر الثورات العربية استشعره الروس والإيرانيون والإسرائيليون ومعهم النظام الرسمي العربي، وفي لحظة انسجام نادرة بين هذه الأطراف الأربعة اتفقوا جميعا على أن خطرا وجوديا يهددهم جميعا في حال استمر المد الثوري واستمرت المواجهة بين الشعوب العربية وأنظمتها ذات الدور الوظيفي المرسوم لها، ولسوء حظ الثورة السورية كانت ذروة هذا الاتفاق غير المعلن بين هذه الأطراف في دعم الروس خلال معركة حلب الكبرى. ويجب أن لا ننسى التواطؤ الأميركي، فروسيا لم يكن لها أن ترسل جيوشها لسوريا وأن تبني قاعدة ضخمة في حميميم دون اتفاق بينها وبين الأميركان، وهذا ما حدث خلال مباحثات فيينا بين كيري ولافروف، هذا الاتفاق الذي لم ينشر رغم مطالبة فرنسا أميركا أكثر من مرة بنشر بنوده لكن إدارة أوباما حينها رفضت ذلك بشدة، وصرحت روسيا إنها لا تمانع من نشر بنود الاتفاق لكن أميركا هي من تعترض وتريد إبقاءه سراً حتى عن أقرب حلفائها في الناتو والمنطقة.

لولا الغطاء الجوي الروسي والمشاركة الفعلية للجيش الروسي برياً وباستخدام أحدث أنواع الدبابات لما استطاعت الميلشيات الإيرانية احتلال حلب بالشراكة مع الجيش الروسي

لن نحتاج للكثير من الجهد لمعرفة ما جرى بين الطرفين في هذا الاتفاق فنتائجه باتت واضحة على الأرض، سمحت أميركا لروسيا بدخول سوريا لإجهاض الثورة عسكرياً والسماح لإيران بإرسال ميليشياتها للسيطرة على العراق وسوريا وصولا إلى لبنان، وشاهدنا كيف احتلت إيران الموصل بغطاء ناري أميركي والذي ما استطاعوا لولاه دخولها، وأيضا كيف أنه لولا الغطاء الجوي الروسي والمشاركة الفعلية للجيش الروسي برياً وباستخدام أحدث أنواع الدبابات ما استطاعت الميلشيات الإيرانية احتلال حلب بالشراكة مع الجيش الروسي.

وزير الدفاع الروسي وفي تصريح متلفز لافت في حينها قال في منتصف شهر آب ٢٠١٦ أي قبل أشهر من معركة حلب الكبرى: اقتربنا من القتال صفاً واحداً مع الولايات المتحدة الأميركية في حلب تحديداً.

لماذا نستحضر تفاصيل معركة السيطرة على حلب وأدوار الداعمين لها؛ لأنها ببساطة معركة تحدث اليوم في فلسطين ولذات الأسباب: سلب الشعب العربي حقه في التحرر والديمقراطية؛ تحرر من المحتلين والطغاة. وهنا يحضر سؤال مهم: ماذا لو انتصرت الثورات العربية قبل سنوات وباتت مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن تحكم من خلال صناديق الاقتراع، هل كان ما يحدث في غزة الآن يحصل؟ لو كانت مصر وحدها تُحكم من خلال الصناديق وفيها رئيس منتخب له حسابات مختلفة عن تلك التي لدى الدكيتاتوريات العسكرية وعنده أدوات وأوراق قوة أكثر بكثير مما لديهم لاستحال حدوث عدوان همجي كالذي يحصل الآن.

مصر اليوم ضعيفة ومهمشة وفقدت دورها الإقليمي المؤثر في المشرق العربي وإفريقيا مهما كابر المصريون ورفضوا الاعتراف بهذا الواقع المرير، فبعد الإدارة الكارثية لملف سد النهضة وكيف أن إثيوبيا نفذت مشروع السد دون أي اكتراث لمصالح مصر وحقها في مياه النيل وكيف أن جميع ما وصفه السيسي قبل سنوات بأنه لن يحدث قد حدث وصار مشروع السد أمراً واقعاً.

يأتي العدوان الإسرائيلي على غزة ليكشف لنا مدى ضعف مصر وارتباكها في اتخاذ قرار يحمي مصالحها قبل أن نتحدث عن مناصرة الفلسطينيين، يريد الاحتلال من عدوانه هذا تحقيق عدة أهداف استراتيجية وليس سراً أن واحداً منها هو المشاركة في الممر الهندي الجديد والذي تعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة آخر محطة له قبل وصوله لأوروبا، ولا يمكن لهذا الطريق الجديد والذي تدعمه أميركا ومعها بعض دول الخليج لا يمكن له أن يكون دون التخلص من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة أو على الأقل تحجيم دورها والتقليل من فاعليتها، وأيضا يتجدد الحديث اليوم عن نية الاحتلال شق قناة بن غوريون بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والتي ستكون في حال إنشائها أكبر تهديد للاقتصاد المصري لأنه سيضعف قناة السويس أي أن العدوان يستهدف اقتصاد مصر وأمنها القومي، لكن ردة فعل مصر فاجأت الجميع حتى أشد المتشائمين لم يكن له أن يتوقع هذا الهوان المصري ومشاركتها في الحصار لدرجة خرج فيها بايدن أكثر رئيس أميركي داعم للصهيونية والاحتلال ليطالب مصر بفتح المعبر!

لو كانت مصر تحكم بالصناديق وبغض النظر عن من يحكمها بالتأكيد كانت إسرائيل ستعيد حساباتها، ولن يكون العدوان بهذه الوحشية والهمجية ولما تجرأ الغرب بكل مؤسساته السياسية والعسكرية والإعلامية على تقديم هذا الدعم اللامحدود للكيان القميء هذا، لا أحد كان يتوقع أن ترسل الجيوش المصرية للدفاع عن قطاع غزة لكن الحد الأدنى الممكن والمتاح والمتمثل بالدفاع عن أمن مصر القومي لم يحصل، حتى حق مصر في ممارسة السيادة على أرضها انتهك خلال العدوان وكل هذا حصل لأن عسكر مصر أثقلوها بالديون والتبعية، وباتت مؤسسات مصر الكبرى عرضة للبيع وقريباً قد نشهد بيع قناة السويس في حال استمر الوضع على ما هو عليه ولنا في جزيرتي تيران وصنافير أوضح مثال.

لو كانت مصر وسوريا وبقية دول الربيع العربي تحكم بالصناديق لكان الحال أفضل بكثير في هذه الدول ولانعكس بشكل كبير على الواقع الفلسطيني برمته

واليوم نشاهد بأم أعيننا أن ذات القوى التي دعمت روسيا خلال معركة حلب الكبرى لأنها تريد الخلاص من قوى الثورات والتغيير في المنطقة، تدعم الاحتلال في معركته وتريد منه إنهاء جميع الفصائل التي تقاوم الاحتلال، وإن اختلفت دوافع كل طرف لكن الجميع يريد لهذه الصفحة أن تطوى. وكما توهموا سابقاً بأنهم هزموا الربيع العربي بعد أن احتلوا حلب يغرقون اليوم في أوهام جديدة مفادها أن الخلاص من الفصائل الفلسطينية ممكن وأنهم بعدها سينعمون بالاستقرار بعد إسكات كل من يريد مقاومة الاحتلال، لكن الأولى لم تنجح رغم الواقع الحالي الذي ربما يقول إن حلم التغيير بعيد، لكن كل أسباب اندلاع الثورات قبل أكثر من عشر سنوات لازالت هي ذاتها، وزاد عليها شعور المواطن العربي بالمهانة لعدم قدرته على دعم الفلسطينيين في الوقت الراهن لأنه ممنوع من التظاهر في البلدان العربية، ومن التعبير عن رفضه للاحتلال لدرجة أنه ممنوع من كتابة حتى منشورات تنفيسية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن دولته هشة وضعيفة، وبناء عليه فإن الثانية المتمثلة بالقضاء على أي فعل مقاوم للاحتلال في فلسطين أيضاً مستحيلة مهما تكاثرت عليها الأعداء.

لو كانت مصر وسوريا وبقية دول الربيع العربي تحكم بالصناديق لكان الحال أفضل بكثير في هذه الدول ولانعكس بشكل كبير على الواقع الفلسطيني برمته ولم يكن للاحتلال أن يكون بهذه الوحشية والوقاحة، لكنه يجد اليوم أمامه دولاً عربية تشاطره هدفه بسحق المقاومة وجل حلمها أن يزكيها عند الولايات المتحدة لأجل أن تبقى في السلطة.. لا الربيع العربي هزم ولن تهزم فلسطين.